- خطبة الجمعة : معاملة الخدم في الإسلام.
- القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
- المكان: خطبة جمعة في يوم 3 رجب - عام 1438هـ في مسجد السعيدي بالجهراء، ونقلت مباشراً على إذاعة موقع ميراث الأنبياء.
إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله.
أمَّا بعد...
فإنّ أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمّدٍ -صلّى الله عليه وسلّم-، وشرّ الأُمور مُحدثاتها، وكُلَّ مُحدثة بِدعة، وكُلَّ بِدعة ضلالة، وكُلَّ ضلالة في النّار.
أمَّا بعد...
اتقوا الله عباد الله، واعلموا أن من اتقى الله كفاه، ومن خافه وقاه، يقول -عزَّ وجلَّ-:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[آل عمران:102]
.
عباد الله، إن من أعظم ما يجعل المرء متمسكًا ومعتزًا بهذا الدِّين، ما يراه من حسن تنظيم العلاقة بين المسلم وغيره، سواءً كان ذلك الغير أبًا، أو أخًا، أو زوجةً، أو ولدًا، أو خادمًا، فهو دينٌ عظيم قد رتب ونظم هذه العلاقة، قبل أكثر من ألفٍ وأربعمائة سنة، وهذا الاعتزاز بالدِّين، يزداد حينما نرى غير المسلمين اليوم، قد انتهوا من حيث بدأنا، فها هي الدعوات في الشرق والغرب، للأخذ بتعاليم الإسلام آخذةٌ في الازدياد
،كالأخذ بنظام الإرث الإسلامي، والفصل بين الجنسين في المدارس والجامعات، ودعوات لذبح البهائم ونحرها كما في الشريعة الإسلامية، ودعواتٍ لتنظيم الزواج والطلاق حسب ما جاء به الإسلام، وغير ذلك من الدعوات، التي لا تخرج عن تعاليم الإسلام وشرائعه
. فالحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله
.
عباد الله، حديثنا اليوم عن مسألة لطالما غفل عنها الكثيرون، وهي سوء المعاملة التي يجدها كثير من الخدم والعمال من كافليهم، لا سيما وأن الإسلام لم يُغْفِل هذا الجانب أبدًا؛ بل رتبه ونظمه أحسن ترتيبٍ وتنظيم، لكن بُعْد الناس عن التمسك بتعاليم هذا الدِّين، وعن العمل بما جاء فيه من جميع الجوانب، هو الذي أدى بهم إلى ما نراه اليوم، من سوء المعاملة بصورها المتعددة، من ظلم العمال والخدم، وجحد حقوقهم وضربهم، والتعنيف عليهم، وتحميلهم ما لا يطيقون، حتى قد يؤدي ذلك إلى ذهابهم إلى الانتحار.
عباد الله، إن من أعظم الأمور خطرًا على دين المسلم، أن يتعلق به حق الغير من ظلم العباد بالقول أو الفعل، قال -عزَّ وجلَّ-:
﴿إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾[الشورى:42]
. ويقول -صلى الله عليه وسلم-:
«اتقوا الظلم فإنَّ الظلم ظلماتٌ يوم القيامة»؛ بل بيَّن -صلى الله عليه وسلم- أنَّ للظلم آثارًا دنيويةً أيضًا، فقال -صلى الله عليه وسلم-:
«اتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب».
عباد الله، لقد كَثُرت، وللأسف في هذا العصر صورٌ من ظلم الخدم والعمال، منها الضرب والاعتداء عليهم، يقول أبو مسعودٌ البدري -رضي الله تعالى عنه-: "كنت أضرب غلامًا لي بالسوط، فسمعت صوتًا من خلفي، اعلم أبا مسعود، فلم أفهم الصوت من الغضب، قال: فلما دنا مني، إذ هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا هو يقول:
«اعلم أبا مسعود اعلم أبا مسعود»، قال: "فألقيت السوط من يدي"، فقال:
«اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام»، قال: "فقلت: لا أضرب مملوكًا بعده أبدًا" رواه مسلم.
عباد الله، إن من المؤلم حقًا أن بعض الناس لا يحسن تصحيح خطأ العامل والخادم، إلا بالضرب، ومد اليد عليه، وإهانته، والحط من كرامته، بدلًا من الرفق به ونصحه؛ لتصويب خطئه، ومن صور الظلم أيضًا تعنيف الخادم إذا أخطأ؛ بل لعنه وسبه وتوبيخه أمام الملأ، وعدم التجاوز عن خطئه، روى البخاري من حديث عبد الله بن عباسٍ -رضي الله عنهما-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
«من وَلِي منكم أمرًا يضر فيه أحدًا أو ينفعه، فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم».
وقد كان نبينا -صلى الله عليه وسلم- من أكمل الناس هديًا في هذا الباب، يقول أنسٌ بن مالك -رضي الله عنه-، خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "خدمت النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين، فما قال لي أفٍّ قط، وما قال لشيء صنعته، لما صنعته؟ ولا لشيءٌ تركته، لما تركته؟"، ومن الظلم أيضًا بخس العامل أجره، إمَّا بمنعه بالكلية، أو بتأخير راتبه دون إذنه، وكل هذا لا يجوز.
يقول الله -عزَّ وجلَّ- في الحديث القدسي:
«ثلاثةٌ أنا خصمهم يوم القيامة، رجلٌ أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًا فأكل ثمنه، ورجلٌ استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره»، رواه البخاري، وقال -عليه الصلاة والسلام-:
«أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه».
عباد الله، من صور الظلم أيضًا، الاستعلاء على هؤلاء الفقراء، فهذا يتكبر عليهم كونه غنيًا وهم فقراء، وهذا يتكبر عليهم كونهم مخدومين وهذا خادم، يقول الله -سبحانه وتعالى- في بيان التفضيل الحقيقي عند الله، الذي هو الإيمان والتقوى، قال -عزَّ وجلَّ-:
﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾[الحجرات:13]
، ومن صور الظلم أيضًا عدم الرحمة بهم، وهذا ينافي ما يجب أن يكون عليه المسلم، من الاتصاف بصفة الرحمة، قال -صلى الله عليه وسلم-:
«الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء».
وتتجلى الرحمة بتفقد أحوالهم، فقد يكون الخادم فقيرًا مدينًا، فلا ينبغي أن ينسى بالصدقة المستحبة والزكاة الواجبة، إن كان من المستحقين لها، وقد يكون مريضًا، فلا ينبغي أن يُغْفَل عنه ببذل قيمة الدواء وأجرة العلاج، وقد يكون مكروبًا فلا ينبغي التخلي عنه، حتى تنكشف كربته وتدفع بليته، من صور الظلم أيضًا، القسوة عليهم فبعض الناس هداهم الله، يعتقد أنه بالقسوة يستطيع أن يروض العامل، ويصور لنفسه أنَّ اللين سيفسد عليه خادمه، والحق
«أن الرفق ما كان في شيء إلا زانه، وما نُزِع من شيءٍ إلا شانه»، كما قاله نبينا -صلى الله عليه وسلم-.
أقول ما تسمعون، واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبع هداه.
أمَّا بعد..
عباد الله، قد يتجاهل كثيرٌ من المسلمين، أن هؤلاء العمّال ليست حقوقهم في إعطائهم راتبهم فقط؛ بل هناك ما هو أوجب من ذلك كله، وهو دعوتهم إلى الإسلام، إن كانوا غير مسلمين، وتعليمهم أمر دينهم إن كانوا مسلمين، فقد يغلب على كثيرٍ منهم، الجهل وقلة العلم وتسلط الخرافات، فيجب أن يكون الكفيل على قدرٍ من المسؤولية، فتأخذه الشفقة على هؤلاء، فيعلمهم العقيدة والتوحيد، ويعلمهم الصلاة ويحثهم عليها، وألا يتثاقل كون الخادم، أو العامل يستقطع من وقته للذهاب للمسجد؛ ليؤدي الصلاة ويتعلم ما ينفعه من أمر دينه.
عباد الله، من التنبيهات المهمة أيضًا، عدم الإضرار بالخدم والعمال بمخالفة الشروط، التي تم التعاقد عليها، عند استقدام الخادم، أو الخادمة، أو عند العقد مع العمال، وذلك يكون من خلال إرهاقهم بكثيرٍ من الأعمال المخالفة لما اتفق عليه، أو بتكليفهم ما لا يطيقون، أو العمل لساعاتٍ طويلةٍ دون راحة، أو إلزامهم بالعمل في شدة الحر أو البرد.
قال -صلى الله عليه وسلم-:
«إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموتم فأعينوهم»، فهذا الحديث العظيم قد أصل العلاقة بين الخادم والمخدوم، فحثَّ على الشفقة بالخادم ومعاملته كالأخ أو الصديق، وليس كالخادم الفقير والعائل المحروم، ويدخل في هذا إعطاؤهم من طيب الطعام، وما يليق بهم من الثياب، وتطبيبه عند المرض، وتوفير ما يحتاج إليه من الحاجات، والصبر عليه ومعاملته بالحسنى.
جاء في سنن أبي داود والترمذي، من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-، أن رجلًا جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، كم أعفو عن الخادم؟ فصمت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم قال: يا رسول الله، كم أعفو عن الخادم؟ فقال -عليه الصلاة والسلام-:
«كل يومٍ سبعين مرة».
فالواجب علينا جميعا أن نحسن إلى الخدم، وأن نرفق بهم، وأن نتقي الله -عزَّ وجلَّ- فيهم، وأن نصبر عليهم، وأن ندعوهم إلى الإسلام إذا كانوا غير مسلمين، وأن ندعو لهم بالصلاح والتقوى.
اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللهم أتمم لهذا البلد الأمن والأمان، واحفظه من كل شرٍّ وخذلان، وسائر بلاد المسلمين، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منَّا.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.