مخاطر حمل السلاح
مخاطر حمل السلاح
  | 8826   |   طباعة الصفحة


  • العنوان: مخاطر حمل السلاح
  • القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى
  • المكان: خطبة جمعة في مسجد السعيدي بالجهراء 15 جمادى الأولى عام 1436هـ، ونقلت مباشراً على إذاعة موقع ميراث الأنبياء

   
  • الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. - ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102]. - ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:1]. - ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:70-71]. أما بعد، فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار أما بعد.. عباد الله، لقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحذر الناس من شر ما يعلمه لهم، ويرهبهم من اقترافه لخطورته وفساده، ويحث الناس على فعل الخير، ويرغبهم فيه. وإن من الفساد الذي بدأ يظهر وينتشر في مجتمعاتنا اليوم ظاهرة انتشار السلاح بأيد الناس الذي استغلوه لأغراضٍ خاطئة، ومدمرة فتجدهم يطلقون النار بشكلٍ مبالغٍ فيه في المناسبات والاحتفالات والأفراح فضلًا عن ارتكاب الجرائم؛ مما تسبب في وقوع كوارث عظيمة، وإصاباتٍ جسيمة، وعواقب وخيمة، ولو تقصينا الحقائق لكثيرٍ من الجرائم لوجدنا أن السبب الرئيسي فيها هو انتشار السلاح بأيد السفهاء. عباد الله، لقد حذرت الشريعة عبر مجموعةٍ من النصوص الشرعية الصحيحة الصريحة من مخاطر حمل السلاح، والعبث به دون حاجةٍ حتى ولو على سبيل المزاح. فكيف بمن يصيب ويقتل به الأبرياء؟ من هذه النصوص ما أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح فإنه لا يدري لعلَّ الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرةٍ من النار»، وما أخرجه أيضًا عن أبي موسى الأشعاري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إذا مرَّ أحدكم في مسجدنا، أو في سوقنا، ومعه نبلٌ (أي: سهمٌ) فليمسك على نصالها، أو قال: فليقبض بكفه؛ أن يصيب أحدًا من المسلمين منها بشيء»، واخرج الترمذي بسندٍ صحيح عن جابرٍ –رضي الله عنه-: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يتعاط السيف مسلولًا»، وفي رواية: «أنه مرَّ -صلى الله عليه وسلم- بقومٍ يسلُّون سيفًا يتعاطونه بينهم دون غمدٍ، فقال –صلى الله عليه وسلم-: "ألم أزجر عن هذا؟" فإذا سلَّ أحدكم السيف فليغمده ثم ليعطه أخاه»، وروى مسلمٌ عن أبي هريرة –رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «من أشار إلى أخيه بحديدةٍ فإن الملائكة تلّعنه حتى وإن كان أخاه لأبيه وأمه». يقول العلماء: "إذا استحق الذي يشير بالحديدة اللعن فكيف بالذي يصيب بها؟"، وهذا الوعيد لمن أشارة سواءً كان جادًا أو ممازحًا. عباد الله، هذه جملة أحاديثٍ تنهى وتحذر وتشدد على من حمل السلاح من سيفٍ وخنجرٍ وسكينٍ ونحوه، أو تعاطاه دون أن يغمده بل وتنهى عن إشارته بمجرد الحديدة حتى لو لم تكن سلاحًا، بل لو لم يكن الإنسان جادًا حتى لو كانت الإشارة على أخيه من أمه وأبيه فكيف بمن يشير، ويحمل سلاحًا رشاشًا؟ وكيف بمن يتعمد إطلاق النار من تلك الأسلحة في مجامع الناس، وفي مناسباتهم؟ أليس النهي في حقه أشد، والوعيد في حقه أعظم، والجرم أكبر، والخطر أكثر؟ أليس يصيب السلاح في لحظاتٍ ما يصيبه السيف ونحوه في ساعات بل أيامٍ؟ كم من المناسبات انقلبت إلى أحزان بسبب العبث بإطلاق النار وبالسلاح؟ وكم من فرحةٍ أعقبها حزنٌ وزواجٌ تحول إلى عزاء؟ والحوادث في ذلك كثيرةٌ معلومة، فيا عجبًا! لأولئك الناس، ويا عجبًا! لجرأتهم على حدود الله وأوامره، ووقوعهم في نهيه؛ كل ذلك من أجل مجاراة المجتمع في تلك العادات الممقوتة. فاتقوا الله عباد الله، وخذوا على أيدي السفهاء، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: «لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ، وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا، وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا، أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّهُ بِقُلُوبِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْض ثُمَّ لَيَلْعَنَنَّكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ» عباد الله، إن لحمل السلاح وانتشاره بين أيادي السفهاء والمجرمين والعابثين عواقب وخيمة، وآثارٍ جسيمة فهو مخالفةٌ لأمر الله، وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ولولي الأمر الذي أُمِرنا بطاعته كما أن فيه نوع إرهابٍ للناس، وترويعٌ للآمنين، وإيذاءٌ للمؤمنين وهذا مما حرَّمه الله -جلَّ وعلا-، كما أنه يحصل منه كوارث وإصاباتٍ، وقتلٍ وجراحات، كما يعتبر تبذيرًا وإسرافًا في إنفاق المال في غير موضعه. فثمن طلقةٍ واحده كفيلةٍ بإطعام فقيرٍ أو مسكين خاصةً أننا في زمنٍ قد توقدت فتنه، واشتعلت حربه. وكم من فقيرٍ وجريحٍ، ويتيمٍ وثكلا في كثيرٍ من البلاد الإسلامية هم بأمس الحاجة لتلك الأموال التي تطلق في الهواء. لقد لمسنا في هذه الظاهرة من البعض بأنها نوعٌ من المفاخرة والمباهات، والكبر والخيلاء «ولا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْر»، وإنَّا لنعجب من أولئك الذين يوجهون أسلحتهم إلى السماء وكأنهم على جبهة قتالٍ، وبئس والله الفعل فعلهم هذا. فاتقوا الله عباد الله، وأتمروا بأمر الله، وانتهوا عما نهاكم الله عنه، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزِّنوا أعمالكم قبل أن توزنوا، وتأهبوا للعرض الأكبر على الله -جلَّ وعلا- حينما تعرضون لا تخفى منكم خافيه ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾ [البقرة:281]. أقول قولي هذا، واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
  • الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد.. عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله وطاعته. يقول -سبحانه-: ﴿وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة:223]، واذكروا وقوفكم بين يديه –عزَّ وجلّ- ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الشعراء:88-89]. عباد الله، لقد كشفت إحصائية مركز البحوث والدراسات في وزارة الداخلية أن مخافر البلاد سجلت (سبعةً وعشرين) ألف جريمةٍ متنوعة خلال عامٍ واحد، وأظهرت الإحصائية أن الجرائم الواقعة بالاعتداء على النفس بلغت (أربعة) آلاف، و(مائةً وثمانٍ وعشرين) جريمة. ولا شك أنه عددٌ ضخمٌ بالنسبة لدولةٍ مثل دولتنا؛ ولذلك ناشدت وزارة الداخلية الجميع تسليم الأسلحة في مدةٍ لا تتجاوز الأربعة أشهر، والتعاون في هذا السبيل واجبٌ وطني وطاعةٌ لأُلي الأمر الذي أُمرنا بطاعتهم ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة:2]. ولا شك أن هذه الحوادث المتكررة المروعة سببها حمل السلاح، والتهاون في ذلك ووقوعه في أيدٍ عابثة لا تحسن استخدامه، وفي أيد شبابٍ صغارٍ أحداث الأسنان، أو من في حكمهم مما لا يحسنون حساب العواقب، وإنما هي من باب الشهرة والمفاهيم الخاطئة ثم سرعان ما يقع ما لم يكن في الحسبان، ويحصل بعد ذلك الندم الكبير. وإننا من هذا المنبر نوجه رسائل إلى كل من له تعلقٌ بهذه القضية: - أنت أيها الشاب الذي تحمل السلاح: اتقي الله في نفسك أولًا ثم في إخوانك المسلمين ثانيًا فقد أروعتهم بحملك للسلاح، وقد أزعجتهم بأصواته وبما ينتج عن إطلاق الرصاص. فكم من رصاصةٍ طائشة وقعت على غافلٍ بعد أن بردت، وعادت إلى الأرض، ونقل من وقعت عليه إلى المستشفيات فأصابه الألم أو الموت، وأنت غافلٌ ما تدري بماذا تسببت؟ فاعلم أنك محاسبًا عند الله يوم تلقاه، عن عبد الله بن مسعودٍ –رضي الله عنه- قال نبينا -صلى الله عليه وسلم- : «أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء» متفقٌ عليه. - وأنت أيها الأب وأيها الولي: اعلم أنك مسئولٌ عما يحدث، وتتحمل جزءًا من الإثم بل ربما يكون الإثم عليك أعظم؛ لأنك الذي مكنت ابنك، أو من تحت يدك من هذا السلاح «فكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». - أيّها المسئولون من رجال الأمن: إنّ عليكم مسئوليّةً كبرى تجاه هذا الأمر،«فإنَّ اللهَ لَيَزَعُ بالسُّلطانِ مَا لا يَزَعُ بالقُرْآنِ». فاتّقوا الله وقوموا بواجبكم اتجاه من يحمل السلاح، ويستعمله الاستعمال الخاطئ فقد حمّلتكم الدّولة هذه المهمّة، وأصدرت لكم من الأنظمة ما يمنع هذه المخالفات، فاتّقوا الله وقوموا بما تحمّلتم وطبّقوا الأنظمة والقرارات. عباد الله، وإنّ الواجب علينا جميعًا أن نتعاون في القضاء على هذه الظَّاهرة السيئة وسدّ طرقها بالنّصح والإرشاد، والحزم على كل من قدرنا عليه. نسأل الله أن يصلح أحوالنا، وأن يهدي شبابنا، وأن يحقن دماءنا وأنا يحفظ أموالنا وأعراضنا. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللّهمّ أصلح ولاة أمور المسلمين وارزقهم البطانة الصالحة التي تدلهم على الخير وتحثهم عليه، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والموات. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.