قصة ظهور الخوارج دروس وعبر
قصة ظهور الخوارج دروس وعبر
  | , 5225   |   طباعة الصفحة


  • العنوان: قصة ظهور الخوارج دروس وعبر
  • القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى
  • المكان: خطبة جمعة في مسجد السعيدي بالجهراء 26 شوال 1435هـ ونقلت مباشراً على إذاعة موقع ميراث الأنبياء.

 

الخطبة الأولى

  إن الحمد لله نحمده، و نستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد،،، فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار أما بعد،،، عباد الله، إنَّ معرفة تاريخ الخوارج الأوائل وماضيهم يفيدك في الحذرِ منهم؛ لأنهم لازالوا يخرجون حتى يخرج في أعراضهم الدجَّال، كما قاله نبينا –صلى الله عليه وسلم-، وكان أولُ نبتَتٍ لهم ذو الخُويصِره، وهو رجلٌ كَثُ اللحية، مُشرِفُ الوَجنَتَين، غائرُ العينين، ناتئُ الجبين، محلوقُ الرأس، قال للنبي –صلى الله عليه وسلم- حين كان يقسِمُ الغناَئِمَ يوم حُنَيْن: "اعدِل يا مُحمد، أو اتقِ الله يا مُحمد، فقال له رسول الله –صلى الله عليه وسلم- «فمن يُطِعِ الله إن عَصَيْتُه؟ أيأمنُنيِ على أهل الأرض ولا تأمَنُونِي؟»، قال: ثُمَّ أدبَرَ الرجُل، فاستأذَن رجلٌ من القوم في قتله-يَرَوْنَ أنه خالدُ بن الوليد-، فقال رسول الله    –صلى الله عليه وسلم-: «إنه من ضِئْضِئِ هذا قوماً يقرؤون القرآن، لا يُجاوزُ حَناجِرَهُم، يَقتُلون أهل الإسلام، ويَدَعُون أهل الأوثان، يمرُقُون من الإسلام، كما يَمرُقُ السهمُ من الرَمِية، لئن أدركتهم لأقتُلَنَّهُم قتل عادٍ» رواهُ مُسلم. وكان أولُ ظهورهم كفرقةٍ في عهد عليٍ –رضي الله تعالى عنه-، وكان خلافهم مع علي حين حَكَّمَ الرجالُ بينهُ وبين مُعاوية؛ حقنًا لدماء المسلمين، ولما رجع علي من الشام بعد وقعة صفين، ذهب إلى الكُوفة، فلما دخلها انعزل عنه طائفةٌ من جيشه، قيل ستةَ عشَرَ ألفًا، وقيل اثني عشَرَ ألفًا، وقيل أقل من ذلك. فبايَنُوه، وخرجُوا عليه، وأنكرُوا أشياء، فبعث إليهم عبد الله بن عباس –رضي الله عنهما-، فناظرهم فيها، وردَّ عليهم ما توهمُوهُ شُبهَه، ولم يكن له حقيقةٌ في نفس الأمر، رَجَعَ بعضهم، واستمر بعضُهُم على ضلالهم، وخرج عليٌ بنفسه إلى بقيتِهم، فلم يَزل يُناظِرُهُم حتى رجعوا معه إلى الكوفة، ثُمَّ جعلوا يُعَرِّضُون له في الكلام، ويُسْمِعُونهُ شَتمًا، ويُنْزِلُون عليه آيات الشركِ والكفر بالله، وذَكَرَ ابنُ جريرٍ –رحمه الله تعالى-: "أنَّ علي بينما كان يخطُبُ يومًا إذ قامَ إليه رجلٌ من الخوارج فقال: يا علي أشركت في دين الله الرجال، ولا حُكم إلا لله. فتنادَوْا من كل جانبٍ: لا حُكمَ إلا لله، لا حُكمَ إلا الله. فجعل علي يقول: هذه كلمةُ حقٍ يُرادُ بها باطل. ثُمَّ قال: إنَّ لكم علينا ألاَّ نمنعكم فَيْئًا مادامت أيديكم معنا، وألاَّ نمنعكم مساجد الله، وألاَّ نبدأكم بالقتال حتى تبدؤونا". واجتمع الخوارج بعد ذلك في منزل عبد الله بن وهبٍ الراسبي، فخطبهم خُطبةً بليغة، زهدهم في الدُنيا، ورغبَهم في الآخرةِ والجنة، وحثَّهُم على الأمر بالمعروف، والنهي عن المُنكر. ثُمَّ خطبهم حُرقُوص بن زُهَيْر. ثُمَّ خطبهم زيدُ بن حِصنٍ، وحثَّهُم على الأمر بالمعروف، والنهي عن المُنكر، وتلا آياتٍ من القرآن، منها قولهُ تعالى: ﴿يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ الله﴾ [ص:26]، وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة:44]، وكذا التي بعدها وبعدها ﴿الظَّالِمُونَ﴾ [المائدة:45]،و﴿الْفَاسِقُونَ﴾ [المائدة:47]، ثمَّ قال: فأُشْهِدُ على أهل دعوتنا من أهل قِبْلَتِنَا أنهم قد اتبعوا الهوى، ونبذوا حكم الكتاب، وجاروا في القول و الأعمال، وأنَّ جِهَادهم حقٌ على المؤمنين، فبكي رجل منهم يقال له عبد الله بن سَخْبَرَة، ثم حرَّض أولئك الناس على الخروج، وقال في كلامه: اضربوا وجوههم وجِباههم بالسيوف حتى يُطاعَ الرحمنُ الرحيم". يقول ابن كثيرٍ –رحمه الله-: "وهذا الضربُ من الناس من أغربِ أشكالِ بني آدم، فسبحان من نوَّعَ خلقهُ كما أراد، وسَبَقَ في قدره العظيم. وما أحسنَ ما قال بعضُ السلفِ في الخوارج: أنهم المذكورون في قوله تعالي: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا﴾" [الكهف:103\104\105]. والمقصودُ أنَّ هؤلاءُ الجهلةُ الضُلال، والأشقياءُ في الأقوال والأفعال، اجتمع رأيهم على الخروج من بين أظهر المسلمين، وتواطئوا على المسير إلى المدائن؛ ليملكوها على الناس، ويتحصّنُوا بها، ويبعثوا إلى إخوانهم وأضرابهم -ممن هو على رأيهم ومذهبهم من أهل البصرة وغيرها- فيُوَافُوهُم إليها، ويكون اجتماعهم عليها، فقال لهم زيدُ بن حِصن: إنَّ المدائِنَ لا تقدِرون عليها، فإنَّ بها جيشًا لا تُطيقونه وسيمنعونها منكم، ولكِّن وَاعِدُوا إِخوانَكم إلى جِسرِ نَهْرِ جُوخَا، ولا تخرجوا من الكوفة جماعات، ولكن أخرجوا وُحدانًا لئلاَّ يُفطَنَ بكم، فكتبوا كتابًا عامًا إلى من هو على مذهبهم ومسلكهم من أهل البصرة وغيرها، وبعثوا به إليهم ليُوافوهم إلى النهر، وليكونوا يدًا واحدة على الناس، ثُمَّ خرجوا يَتَسَللون وحدانا؛ لئلا يعلم أحد بهم فيمنعوهم من الخروج، فخرجوا من الآباء والأمهات والأخوال والخالات وفارقوا سائر القرابات، وقطعوا الأرحام، يعتقدون بجهلهم، وقلة علمهم وعقلهم أنَّ هذا الأمر يُرضِي ربَّ الأرض والسماوات، ولم يعلموا أنه من أكبر الكبائر الموبقات، والعظائم والخطيئات، وإنه مما زيَّنَهُ لهم إبليسُ الرجيم المطرودُ من السماوات، الذي نصَبَ العداوة لأبينا آدم، ثٌمَّ لذُريته مادامت أرواحهم في أجسادهم مُترددات، والله المسئولُ أن يعصِمَنا منهم بحوله وقوته إنه مُجيبُ الدعوات. وقد تدارك جماعةٌ من الناس بعض أولادهم وإخوانهم فرَدُوهُم، وأَنَّبُوهُم، وَوَبَّخُوهُم، فمنهم من استمر على الاستقامة، ومنهم من فرَّ بعد ذلك فلَحِق بالخوارج فخسر إلى يوم القيامة، وذهب الباقون إلى ذلك الموضع، ووافَى إليهم من كانوا كتبوا إليه من أهل البصرة وغيرها، واجتمع الجميعُ بالنَهْرَوان وسارت لهم شوكةٌ ومنعة، وهم جندٌ مٌستقلون وفيهم شجاعة، وعندهم أنهم متقربون بذلك إلى الله –سبحانه وتعالى- وبِئْسَ الظنُ والخطيئة. ولمَّا تجهز عليٌ للشام وخطبهم يحثُهُم على القتال، إذ بلغهُ أنَّ الخوارج قد عَاثوا في الأرض فسادًا، وسفكُوا الدم الحرام، وقَطَعوا السُبل، واستحلوا المحارم، وكان من جملةِ من قَتَلٌوه –أُنظُر إلى من قتلوه- عبدُ اللهِ بنُ خَبَّابٍ صاحبُ رسولِ الله –صلى الله عليه وسلم- أَسَرُوهُ وامرأتهُ معه وهي حامل فقالوا: "من أنت؟ قال: أنا عبدُ الله بنٌ خَبَّابٍ صاحبُ رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وإنكم قد رَوَّعْتُمُونِي فقالوا: لا بأسَ عليك حدِثنا ما سمعت من أبيك فقال: سمعتُ أبي يقول: سمعتُ رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: «ستكونٌ فتنة، القاعدُ فيها خيٌر من القائم، والقائمُ خيرٌ من الماشي، والماشي خيرٌ من الساعي»، فاقتادوه بيده، فبينما هو يسير معهم –أُنظُر إلى هذا الورع الكاذب يقتلون صحابي النبي –صلى الله عليه وسلم- ويتَورَّعُون عن هذا الأمر- فاقتادوه بيده وبينما هو يسيرُ معهم، إذ لقي بعضهم خنزيرًا لبعض أهل الذمة، فضربه بعضهم فشقَّ جلده، فقال له آخر: لِمَّ فعلت هذا وهو لذِمِّي؟ فذهب إلى ذلك الذمي فاستحله وأرضاه، وبينما هو معهم إذ سقطت تمرةٌ من نخلة فأخذها أحدُهم فألقاها في فمِه، فقال له آخر: بغيرِ إذنٍ ولا ثمن! فألقاها ذاكَ من فمه، ومع هذا قدموا عبد الله بن خبَّاب فذبحوه، وجاءوا إلى امرأته فقالت: إني امرأةٌ حُبلى ألا تتقون الله! -أي حامل- فذبحوها وبقروا بطنها عن ولدها". فلما بلغ الناسُ هذا من صنيعهم، خافوا إن هم ذهبوا إلى الشام واشتغلوا بقتال أهله أن يخلُفَهُم هؤلاء في ذراريهم وديارهم بهذا الصُنع، فأرسل عليٌ إلى الخوارج رسولًا من جهته، وهو الحارثُ بن مُرة العبدي، فقتلوه ولم يُنْظِروه، فلما بلغ ذلك عليًا عَزَمَ على الذهاب إليهم أولا قبل أهل الشام، ثم سار إلى الخوارج فاجتمع جيشه هناك، وبعثَ إلى الخوارج أن ادفعوا إلينا قتلةَ إِخواننا منكم حتى أقتلهم، ثُمَّ أنا تارككم وذاهبٌ إلى العرب، ثُمَّ لعل الله أن يُقْبِلَ بقلوبكم ويرُدَكُم إلى خيرٍ مما أنتم عليه، فبعثوا إلى عليٍ يقولون: "كُلُنا قتل إخوانك، ونحنُ مُستحلون دماءكم ودماءهم"، فتقدم إليهم قيسُ بن سعدٍ فوعظهم فيما ارتكبوه من الأمر العظيم، والخطب الجسيم، فلم ينفع، وكذلك أبو أيوب الأنصاري أنَّبهم، وَوَبَخَهُم، فلم يَنْجَع، وتقدم أميرُ المؤمنين علي بن أبي طالبٍ إليهم فوعَظهم، وخوَّفهم، وحذَّرهم، وأنذَّرهم، وتوعَّدهم، وكان فيما قال: "فإنكم قد سولت لكم أنفسكم أمرا، تقتلون عليه المسلمين والله لو قتلتم عليه دجاجة لكان عظيمًا عند الله، فكيف بدماء المسلمين؟ "، فلم يكن لهم جوابٌ إلا أن تَنَادَوْا فيما بينهم: "ألاَّ تُخاطبوهم، ولا تُكلموهم، وتَهَيَئُوا للقاء الرب –عزَّ و جلَّ-، الرواح الرواح إلى الجنة "، هذا هو شعار الخوارج في القديم والحديث. وتقدموا فاصطفوا للقتال، وتأهبوا للنِزَال، ووقفوا مُقاتلين لعلي وأصحابه، ومن معه من أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم-، فزحفوا إلى علي، فقدَّم عليٌ بين يديه الخيل، وقدَّم منهم الرُماة، وصفَّ الرجال وراء الخيَّالة، وقال لأصحابه: "كُفُوا عنهم حتى يَبْدءوكم"، وأقبلت الخوارج يقولون: "لا حُكم إلا لله، الرواح الرواح إلى الجنة"، فحَملوا على الخيالةِ الذين قدَّمهم علي، فَفَرَقُوهم حتى أخذت طائفةٌ من الخيَّالة إلى الميمنة، وأُخرى إلى الميسرة، فاستقبلهم الرُماةُ بالنَبْل فرموا وجوههم، وعطفت عليهم الخيَّالة من الميمنة والميسرة، ونهض إليهم الرجال بالرماح والسيوف، فأنامُوا الخوارج فصاروا سرعًا تحت سنابِكِ الخيول، وقُتِل أُمراؤهم عبد الله بن وهبٍ، وحُرقوص بن زُهير، وجُرَيْحُ بنُ أَوفي، وعبد الله بن سخبرة –قبحهم الله-. قال أبو أيوب: "وطعنتُ رجُلًا من الخوارج بالرُمح فأنفذتُهُ من ظَهره وقُلتُ له: أَبشِر يا عدُوَ اللهِ بالنار، فقال هذا الخارجي: ستعلمُ أيُنَا أولى بها صِلِيا". يقولُها لصاحب النبي    –صلى الله عليه وسلم-. وجعل عليٌ يمشي بين القَتْلى منهم ويقول: "بِئسًا لكم لقد ضرَّكُم من غرَّكُم فقالوا: يا أمير المؤمنين ومن غرَّهُم؟، قال: الشيطان، وأنفسٌ بالسوء أمارة، غرتهم بالأماني، وزينت لهم المعاصي، ونبأتهم أنهم ظاهرون"، ثُمَّ أمر بالجرحى من بينهم، فإذا هم أربعةُ مئة، فسلمهم إلى قبائلهم ليداوُوهُم، وقَسَمَ ما وجد من سلاحٍ ومتاعٍ لهم، ثُمَّ خرج علي في طلب ذي الثَدِيَّة، وهو رجلٌ جعله النبي –صلى الله عليه وسلم- علامةً على الخوارج يدُهُ أو إحدى يَدَيه مثلُ ثديي المرأة، فوجدوه في حُفرة على جانب النهر في أربعين أو خمسين قتيلا ،فلمَّا وجدهُ عليٌ سجد لله سجدةً طويلة شُكرًا لله –عزَّ و جلَّ- إنها حقًا موعظةٌ بليغة!، وحادثةٌ فيها العبر والعِظات، وفيها التحذيرُ من الخروج والخوارج. أقولُ ما تسمعون، وأستغفرُ الله العظيم لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبع هُداهُ ، أما بعد،،، عباد الله، لقد ذكر لنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- صفات هؤلاء الخوارج، والأجر العظيم لمن قَاتلهم تحت وُلاةِ الأمرِ، أو قَتَلٌوه، كما في حديث عليٍ عن النبي     –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «سيخرجُ في آخر الزمان، قومٌ أحداثُ الأسنان، سُفهاءُ الأحلام-أحداثُ الأسنان أي: صِغارٌ في السن-، سفهاء الأحلام لا حِكمة لهم ولا عقل، يقولون من خير قول البرية، يقرؤون القرآن، لا يُجاوزُ حناجرهم-أي: لا يصل إلى قلوبهم-، يمرقون من الدين كما يمرُقُ السهمُ من الرَّمِية، فإذا لقيتُمُوهُم فاقتلوهُم فإنَّ في قتلهم أجرًا لِمن قَتلهم عند الله يوم القيامة»، وغير ذلك من الأحاديث. من هذه الحادثة نعرفُ أنَّ: الخوارج قتالهم ومعاركهم كلها لأجل الحُكم والدُنيا، فأَنْزَلُوا على أولاةِ أمر المسلمين آياتُ الكُفر، وكَفَّرُوا الحاكم والمحكوم، وأنهم لا يَرْضَوْنَ عن الحاكم مهما كان عدلهُ إذا لم يكن من أهل ملتهم، وخارجيٍ على طريقتهم ومن حزبهم، فلم يَرْضَوا عن قسمةِ رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وحُكْمِه، ولم يَرْضَوا عن عثمان فقتلوه، ولم يَرْضَوا عن علي ومن معه من خيار الصحابة، فكيف يَرْضَوْن عن حُكَامنا وولاة أُمورنا؟. ومما نستفيده: أنهم يخدعون الناس بالتدين، والأمر بالمعروف، والنهي عن المُنكر، والسعي في الصلاح والإصلاح، وهم أبعدُ الناس عن حقيقة الدين والسُنة، ومن ذلك: أنهم لا يَتَوَرَعُون عن دماء المسلمين، فيقتلون الأبرياء والنساء، وحتى الأطفال في بطون النساء، كما فعلوا في عبد الله بن خَبَّاب، وكما في الحديث: «يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان». عباد الله، هذه الحادثة ليست تاريخًا لا يعود، بل إذا نظرت إلى واقعنا المُعاصر لوجدت هؤلاء الخوارج لا يزالون يخرجون، بل هم شرٌ من الخوارج الأوائل، إذ كان أولئك أهل صلاة وعبادة وقراءة في الظاهر، أمَّا خوارجُ العصر فلا دين لهم، بل دينهم الغدر والخيانة، وقراءتهم ليست للقرآن إنما هي للأناشيد التهييجية. عباد الله، لما ترك الخوارج علماء الصحابة من أهل عصرهم، وكفَّروهم، ضلوا، وانحرفوا، وهذا من أعظم أسباب الضلال، وهكذا خوارجُ عصرنا، لمَّا سبُوا علماءنا، وكفَّروهم، وقالوا: "عبيدُ السلاطين"، وغير ذلك من ألقاب السوء، انحرفوا، وضلوا، فتمسكوا عباد الله، بكتاب ربكم، وسنة نبيكم تكونوا على الصراط المستقيم. اللهم ثبتنا على السُنة، اللهم ثبتنا على السُنة، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم آمنا في أوطاننا واجعل بلادنا وبلاد المسلمين بلاد خير ورخاء، اللهم اعِن إخواننا في سوريا، اللهم اعِن إخواننا في العراق، اللهم اعن المسلمين في كل مكان، اللهم جنبهم شر أعدائهم يا رب العالمين، وصلي الله وسلم على نبينا محمد.