- العنوان: صفات عباد الرحمن
- ألقاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى
- المكان: خطبة جمعة في مسجد السعيدي بالجهراء 6 جمادى الأولى 1435هـ ونقلت مباشرا على إذاعة موقع ميراث الأنبياء.
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد،،،
فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار أما بعد،،،
عباد الله لقد ذكر الله -عز وجل- في كتابه الكريم جملةً من صفات عباده حتى نعمل بها ونجتهد في تطبيقها، ونكون ممن مدحه الله تعالى في هذه الصفات فيحوز بعد ذلك دخول الجنات، ولنا وقفة مع جملة من هذه الصفات التي ذكرها الله -عز وجل- في آخر سورة الفرقان فقال -سبحانه وتعالى-:
﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا﴾[الفرقان:63] فوصفهم الله بعبوديتهم لألوهيته وهي عبودية أنبيائه وأوليائه وهي المراد هنا، ولهذا أضافها إلى اسمه " الرحمن "؛ إشارة إلى أنهم إنما وصلوا إلى هذه الحال بسبب رحمته -سبحانه وتعالى-، فذكر أن صفاتهم أكمل الصفات، ونعوتهم أفضل النعوت، فوصفهم بأنهم
﴿يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا﴾[الفرقان:63] أي: ساكنين متواضعين لله، وللخلق فهذا وصف لهم بالوقار والسكينة والتواضع لله ولعباده.
﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ﴾[الفرقان:63] أي: خطاب جهل
﴿قَالُوا سَلامًا﴾[الفرقان:63] أي: خاطبوهم خطابًا يسلمون فيه من الإثم ويسلمون من مقابلة الجاهل بجهله.
وهذا مدح لهم بالحلم الكثير، ومقابلة المسيء بالإحسان، والعفو عن الجاهل، ورزانة العقل الذي أوصلهم إلى هذه الحال.
﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا﴾[الفرقان:64] أي: يُكثرون من صلاة الليل مخلصين فيها لربهم متذللين له -عز وجل-
﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ﴾[الفرقان:65] أي: ادفعه عنا بالعصمة من أسبابه ومغفرة ما وقع منه مما هو مقتضٍ للعذاب.
﴿إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا﴾[الفرقان:65] أي: ملازمًا لأهلها بمنزلة ملازمة الغريم لغريمه.
﴿إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا﴾[الفرقان:66] وهذا منهم على وجه التضرع لربهم، وبيان شدة حاجتهم إليه، وأنهم ليسلهم طاقت في احتمال هذا العذاب، وليتذكروا منة الله -عز وجل- عليهم
﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا﴾[الفرقان:67] النفقات الواجبة والمستحبة
﴿لَمْ يُسْرِفُوا﴾[الفرقان:67] بأن يزيدوا على الحد فيدخلوا في قسم التبذير وإهمال الحقوق الواجبة،
﴿وَلَمْ يَقْتُرُوا﴾[الفرقان:67]فيدخلوا في باب البخل والشح
﴿وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ﴾[الفرقان:67]إنفاقهم بين الإسراف والتقتير
﴿وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾[الفرقان:67] يبذلون في الواجبات من الزكاوات والكفارات والنفقات الواجبة، وفيما ينبغي على الوجه الذي ينبغي من غير ضررٍ ولا ضرار وهذا من عدلهم واقتصادهم.
﴿وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ﴾[الفرقان:68] بل يعبدونه وحده مخلصين له الدين حنفاء مقبلين عليه معرضين عما سواه.
﴿وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ﴾[الفرقان:68] وهي نفس المسلم والكافر المعاهد،
﴿إِلَّا بِالْحَقِّ﴾[الفرقان:68] كقتل النفس بالنفس، وقتل الزاني المحصن والكافر الذي يحل قتله.
﴿وَلا يَزْنُونَ﴾[الفرقان:68] بل يحفظون فروجهم
﴿إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾[المعارج:30] ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ﴾[الفرقان:68]أي: الشرك بالله أو قتل النفس التي حرم الله بغير حق أو الزنا فسوف
﴿يَلْقَ أَثَامًا﴾[الفرقان:68]
ثم فسره بقوله:
﴿يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ﴾[الفرقان:69] أي: في العذاب
﴿مُهَانًا﴾[الفرقان:69] فالوعيد بالخلود لمن فعلها كلها ثابت لا شك فيه وكذا لمن أشرك بالله، وكذلك الوعيد بالعذاب الشديد على كل واحد من هذه الثلاثة لكونها؛ إما شرك، وإما من أكبر الكبائر.
ونص الله على هذه الثلاثة؛ لأنها من أكبر الكبائر: فالشرك فيه فساد الأديان، والقتل فيه فساد الأبدان، والزنا فيه فساد الأعراض، جنبنا الله وإياكم الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
﴿إِلَّا مَنْ تَابَ﴾[الفرقان:70] عن هذه المعاصي وغيرها بأن أقلع عنها في الحال وندم على ما مضى له من فعلها وعزم عزمًا جازمًا أن لا يعود إليها،
﴿وَآمَنَ﴾[الفرقان:70] بالله إيمانًا صحيحا يقتضي ترك المعاصي وفعل الطاعات
﴿وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا﴾[الفرقان:70] مما أمر به الشارع إذا قصد به وجه الله.
﴿فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾[الفرقان:70] أي: تتبدل أفعالهم وأقوالهم التي كانت مستعدة لعمل السيئات تتبدل حسنات، فيتبدل شركهم إيمانا ومعصيتهم طاعة وتتبدل نفس السيئات التي عملوها ثم أحدثوا عن كل ذنبٍ منها توبة وإنابةٍ وطاعة تبدل حسنات كما هو ظاهر الآية.
وورد في ذلك حديث الرجل الذي حاسبه الله ببعض ذنوبه فعددها عليه ثم أبدل مكان كل سيئةٍ حسنة فكان العبد يقول: يا رب إن لي سيئات لا أراها هاهنا
﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا﴾[الفرقان:70] لمن تاب يغفر الذنوب العظيمة
﴿رَحِيمًا﴾[الفرقان:70]
بعباده حيث دعاهم إلى التوبة بعد مبارزته بالعظائم ثم وفقهم لها ثم قبلها منهم
﴿وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا﴾[الفرقان:71] أي: فليعلم أن توبته في غاية الكمال؛ لأنها رجوعٍ إلى الطريق الموصل إلى الله الذي هو عين سعادة العبد وفلاحه فليخلص فيها وليخلصها من شوائب الأغراض الفاسدة، فالمقصود من هذا الحث على تكميل التوبة وإيقاعها على أفضل الوجوه وأجلها ليقدم على من تاب إليه فيوفيه أجره بحسب كمالها
﴿وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ﴾[الفرقان:72] أي: لا يحضرون الزور أي: القول والفعل المحرم، فيجتنبون جميع المجالس المشتملة على الأقوال المحرمة أو الأفعال المحرمة، كالخوض في آيات الله، والجدال بالباطل، والغيبة والنميمة، والسب والقذف، والاستهزاء والغناء المحرم، وشرب الخمر ونحو ذلك، وإذا كانوا لا يشهدون الزور فمن باب أولى وأحرى أن لا يقولوه ويفعلوه.
وشهادة الزور داخلة في قول الزور بالأولوية،
﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ﴾[الفرقان:72]
وهو الكلام الذي لا خير فيه، ولا فيه فائدة دينية، ولا دنيوية ككلام السفهاء ونحوهم
﴿مَرُّوا كِرَامًا﴾[الفرقان:72] أي: نزهوا أنفسهم وأكرموها عن الخوض فيه، ورأوا أن الخوض فيه وإن كان لا إثم فيه فإنه سفه ونقص للإنسانية والمروءة فأكرموا أنفسهم عنه.
وفي قوله:
﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ﴾[الفرقان:72] إشارة إلى أنهم لا يقصدون حضوره ولا سماعه، ولكن عند المصادفة التي من غير قصد يكرمون أنفسهم عنه.
اللهم اجعلنا من الطائعين الفائزين ومن التائبين يا رب العالمين أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد،،، عباد الله ومن صفات عباد الرحمن قوله تعالى:
﴿وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ﴾[الفرقان:73] أي؛ الآيات التي أمرهم باستماعها والاهتداء بها،
﴿لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا﴾[الفرقان:73] أي؛ لم يقابلوها بالإعراض عنها، والصمم عن سماعها، وصرف النظر والقلوب عنها كما يفعله من لا يؤمن بها ولم يصدق، وإنما حالهم فيها عند سماعها كما قال تعالى
﴿إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ﴾[السجدة:15] يقابلونها بالقبول، والافتقار إليها، والانقياد والتسليم لها، وتجد عندهم آذانًا سامعة وقلوبًا واعية فيزداد بها إيمانهم ويتم بها إيقانهم وتحدث لهم نشاطًا ويفرحون بها سرورًا واغتباطًا.
﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا﴾[الفرقان:74] أي: قرنائنا من أصحاب وأقران وزوجات،
﴿وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ﴾[الفرقان:74] أي: تقر بهم أعيننا.
وإذا استقرأنا حالهم وصفاتهم عرفنا من هممهم، وعلو مرتبتهم أنهم لا تقر أعينهم حتى يروهم مطيعين لربهم عالمين عاملين، وهذا كما أنه دعاء لأزواجهم وذرياتهم في صلاحهم، فإنه دعاءٌ لأنفسهم؛ لأن نفعه يعود عليهم، ولهذا جعلوا ذلك هبة لهم فقالوا:{هَبْ لَنَا} بل دعاؤهم يعود إلى نفع عموم المسلمين؛ لأن بصلاح من ذكر يكون سببًا لصلاح كثير ممن يتعلق بهم وينتفع بهم
﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾[الفرقان:74].
أي: أوصلنا يا ربنا إلى هذه الدرجة العالية، درجة الصديقين، والكُمَّل من عباد الله الصالحين، وهي درجة الإمامة في الدين، وأن يكونوا قدوة للمتقين في أقوالهم وأفعالهم يقتدى بأفعالهم، ويطمئن لأقوالهم ويسير أهل الخير خلفهم فيهدون ويهتدون.
ولما كانت هممهم ومطالبهم عالية كان الجزاء من جنس العمل فجازاهم بالمنازل العاليات فقال:
﴿أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا﴾[الفرقان:75] أي: المنازل الرفيعة والمساكن الأنيقة الجامعة لكل ما يشتهى، وتلذه الأعين، وذلك بسبب صبرهم نالوا ما نالوا كما قال تعالى:
﴿وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ، سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾[الرعد24:23]، ولهذا قال هنا
﴿وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا﴾[الفرقان:75].من ربهم ومن ملائكته الكرام ومن بعض على بعض ويسلمون من جميع المنغصات والمكدرات.
فيا لله ما أعلى هذه الصفات، وأرفع هذه الهمم وأجل هذه المطالب، وأزكى تلك النفوس، وأطهر تلك القلوب، وأصفى هؤلاء الصفوة، وأتقى هؤلاء السادة.
اللهم إنا لا حول لنا إلا بك فاللهم لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان بك المستغاث، ولا حول ولا قوة إلا بك، لا نملك لأنفسنا نفعًا ولا ضرا ولا نقدر على مثقالٍ ذرة من الخير إن لم تيسره لنا، فإننا ضعفاء عاجزون من كل وجه.
نشهد أنك إن وكلتنا إلى أنفسنا طرفة عين وكلتنا إلى ضعفٍ وعجزٍ وخطيئة، فلا نثق يا ربنا إلا برحمتك التي بها خلقتنا ورزقتنا وأنعمت علينا بما أنعمت من النعم الظاهرة والباطنة وصرفت عنا من النقم، فارحمنا رحمةً تغنينا بها عن رحمة من سواك فلا خاب من سألك ورجاك.
اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الرحمين، اللهم ارحمنا واغفر لنا ولوالدينا برحمتك يا أرحم الرحمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وصلى الله وسلم على نبينا محمد.