انتهاكات الخوارج للمساجد وأهلها
- العنوان: انتهاكات الخوارج للمساجد وأهلها
- القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى
- المكان: خطبة جمعة في مسجد السعيدي بالجهراء 22 شوال عام 1436هـ، ونقلت مباشراً على إذاعة موقع ميراث الأنبياء.
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد،،،
فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، أما بعد،،
عباد الله فإن الله –تعالى- يبتلي عباده المؤمنين بأنواع من المصائب المؤلمة، ليمحص إيمانهم ويُكفِر سيئاتهم، ويرفع من درجاتهم، وإن من أقدار الله المؤلمة ما حدث يوم أمس من قيام بعض الخوارج بتفجير مسجد قوات الطوارئ في عسير في المملكة العربية السعودية، في صلاة الظهر والناس يصلون، فقُتِل عدد من رجال الأمن، وجُرِح آخرون، نسأل الله أن يشفي مُصابهم، وأن يتقبل قتلاهم في الشهداء وأن ينزلهم منازل السعداء وأن يسكن أرواحهم في جنات النعيم، وأن يُلهم ذويهم الصبر والسلوان.
عباد الله، إن فتنة الخوارج لازالت مستمرة ومسلسل أفعالهم الضالة الإجرامية يظهر بين الحين والآخر، لذلك قد حذرنا منهم نبينا – صلى الله عليه وسلم – في أحاديث متعددة، ووصفهم بأوصاف واضحة جلية، منها تكفير المسلمين، واستحلال دمائهم ومنها قتلهم لأهل الإسلام وتركهم لأهل الأوثان، ومنها أن الغالب عليهم صغار الأسنان، وغلبة الجهل وضعف العقول، مع اجتهادهم في العبادة من صلاة وصيام وقراءة للقرآن ونحو ذلك، لكنه لا يُتقبَل منهم ولا يصل إلى قلوبهم، أخبر النبي – صلى الله عليه وسلم – أنهم شر الخلق والخليقة، وأنهم كلاب النار يوم القيامة، لأن الجزاء من جنس العمل، فكما كانوا في الدنيا كلاب مسعورة على الناس يقتلون ويفسدون ويهلكون الحرث والنسل فإن الله يمسخهم في نار جهنم على صورة كلاب:
﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾[فصلت:46]، يقول فيهم نبينا –صلى الله عليه وسلم-:
‹‹سيخرج قوم في آخر الزمان، حُدثاء الأسنان، سُفهاء الأحلام، يقولون من قول خير البرية، يقرأون القرآن لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإنما في قتلهم أجرًا لمن قتلهم عند الله يوم القيامة›› متفق على صحته، فلا ينبغي للمسلم أن يغتر بعبادة الخوارج ولا بحسن كلامهم فإنهم شر الخلق، يقول الآجوري –رحمه الله تعالى-: فلا ينبغي لمن رأى اجتهاد خارجي قد خرج على إمام عادل كان أم جائرا، فخرج وجمع جماعه وسل سيفه واستحل قتال المسلمين، فلا ينبغي له أن يغتر بقراءته للقرآن، ولا بطول قيامه في الصلاة، ولا بدوام صيامه ولا بحسن ألفاظه في العلم، إذا كان مذهبه، مذهب الخوارج، فهذا الحديث عن الخوارج القدماء، أما خوارج عصرنا فإنهم جمعوا مع هذه الأمور من جهل وقتل للمسلمين، قلة العبادة والكذب والغدر والتزوير والتشبه بالنساء وغير ذلك من الفجور.
عباد الله، إن أول الخوارج في هذه الأمة هو ذاك الذي شاق رسول الله –صلى الله عليه وسلم– وخونه وعارضه في سياسته المالية، وهو أعدل الخلق –عليه الصلاة والسلام- وأبعدهم عن الظلم والجور، ثم سار على ذلك الدرب المعوج المظلم وورثته الخوارج الذين عارضوا سياسة عثمان –رضي الله تعالى عنه- وهو الخليفة الراشد المبشر بالجنة، ثم تجمعوا عليه حتى حاصروه في داره ثم تسوروا عليه الدار فقتلوه صائما قارئا للقرآن، لم يُراعوا إسلامه، ولا صحبته ولا شيبته، ولا منصبه ولا تلاوته، ولا صيامه، قبحهم الله وأخزاهم، ثم سار على دربه الخوارج الذين خرجوا على عليّ -رضي الله تعالى عنه- وعارضوه في سياسته، وهو الخليفة الراشد والمبشر بالجنة فناصحهم، فتاب من تاب وأصر من أصر، فقاتل المصرين منهم ثم تمادى ثلاثة من رؤوس الخوارج في مكة بعد موسم الحج واتفقوا على قتل أمراء المسلمين الثلاثة: عليّ في العراق، ومعاوية في الشام، وعمرو بن العاص في مصر، واتفقوا على تنفيذ الخطة الخبيثة، في رمضان، في موسم من مواسم العبادة، عند خروج الثلاثة إلى صلاة الفجر وفي مسجد من مساجد الله وهم يصلون، كما هي عادة الخوارج في هذا العصر، فنفذوا خطتهم، ونفذ القضاء ونفذ القدر في عليّ –رضي الله عنه- فأكرمه الله –عز وجل– بالشهادة، وسلم الله معاوية وعمرو –رضي الله عنهم– ومن هنا نعلم أن الخوارج أبعد الناس عن كتاب الله وعن سنة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وعن سبيل المؤمنين، وعن تعظيم شعائر الله وحرمات المسلمين، فلم يراعي أولهم حرمة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ولم يراعي تلامذته وورثته حرمة صحابة النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا حرمة مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، ويركع ويسجد لله –عز وجل- ويصلي، وها هم اليوم لا يراعون حرمة بيوت الله التي أمر الله أن ترفع وأن يُذكر فيها اسمه، وأن تُطهر للمصلين والركع السجود، فقتلوا المصلين الركع السجود، وكذلك هم لا يراعون حرمة الأزمان الفاضلة، كرمضان والحج والأشهر الحُرم وأشهر الحج.
إن الخوارج قتلوا من الصحابة عددا واستحلوا دماء الموحدين المصلين، واغتالوهم في المساجد ركعا سجدا، وانظر كيف قلبوا يوم الجمعة الذي هو يوم عبادة وعيد من أعياد المسلمين، إلى يوم يجتمعون فيه للمظاهرات والانقلابات فيسمونها جمعة الغضب وجمعة الانتقام، بل يخططون للقتل والتفجير، في يوم الجمعة والناس يصلون، فخوفوا الآمنين وقلبوا أعياد المسلمين إلى تفجير وتدمير، فهل تنتظرون منهم أن يسمعوا، أن يُطيعوا لولاة الأمر، أن يطيعوا لولاة الأمور في هذا العصر، ولا تنتظروا منهم أن يلتزموا الجماعة وأن يحافظوا على وحدة الصف، وهل تنتظروا منهم أن ينظروا بعين التوقير والاحترام لعلماء المسلمين، ما داموا على عقيدتهم الفاسدة، ومناهجهم النتنة.
عباد الله، إن النتائج لها أسباب ولابد، إن تبني بعض أبناء المسلمين لهذه الأفكار له أسباب، ومعرفة الأسباب الصحيحة تساعد على العلاج والوقاية، وإن من أعظم الأسباب: الاغترار بهم بسبب الجهل بعقيدة السلف الصالح فقد نشأ كثير من الشباب وهم لا يعرفون عقيدة السلف الصالح من الصحابة ومن بعدهم القائمة على الكتاب والسنة، في التكفير ولا في السمع والطاعة، ولا في أمور الجهاد، ونحو ذلك من المسائل الكبيرة فسهُل اصطيادهم من قِبل دعاة الشر الذين يتربصون بهم ويتحينون الفرص لسلبهم من أسرهم ومجتمعهم، ليجندوهم ضدهم ومن الأسباب وجود من يُحرضهم صراحة ويزين لهم الخروج على الدولة واغتيال رجال الأمن، والسعي في الأرض بالفساد، باسم الجهاد في سبيل الله، وطلب جنات النعيم، ومن الأسباب استدراج كثير من الشباب إلى مواطن الفتن، بحجة الجهاد، فإذا وصلوا إليهم لقنوهم التكفير، ورغبوهم في العودة إلى بلدانهم ليقتلوا أقرب الناس إليهم بحجة أنهم مرتدين، أتدرون من هم المرتدون الذين يقصدونهم؟ إنهم ولاة أمركم، وولاة أمور المسلمين، وكلما زاد البلد في التمسك بالإسلام وبتطبيق الشريعة كلما ازدادوا له كرها وعداء، لذلك تجدهم يشنون الحرب الضروس على المملكة العربية السعودية مع تحكيمها للشريعة وتطبيقها للحدود الشرعية، إن المرتدين في نظرهم هم علماءكم وأهل الفتوى فيكم الذين أفنوا أعمارهم في دراسة كتاب الله وسنة نبيه –صلى الله عليه وسلم– وعقيدة السلف الصالح وتدريسها وتعليمها، انهم أبناءكم وإخوانكم من رجال الأمن الذين يحفظون أمننا ومقدساتنا وحدودنا ويقفون في وجه كل معتد أثيم يريد بنا شرا، ومن الأسباب أن كثيرا من الأسر لا تحرص على متابعة أبناءهم، مع من يمشون؟ وماذا يقرأون؟ وفي ماذا يقرأون في مواقع التواصل الحديثة؟ فلا تفجأ إلا بابنها مطلوبا امنيا أو مفجرا منتحرا، أو متصلا بهم، يبلغهم عن وصوله إلى أرض الفتن، ومن الأسباب الكبيرة الخطيرة التحريض غير المباشر وصوره كثيرة جدا، ومنها على سبيل المثال: تزكية رؤوس الخوارج في هذا العصر، الذين نظروا وقعدوا للتكفير والخروج على الحكام، والدفاع عنهم وتبرئتهم من الإرهاب جملة وتفصيلا، ومن صورة، الطعن في رجال الأمن عامة، ورجال المباحث والاستخبارات والشرطة والجيش حتى يُخيل لمن سمعهم أن الانتساب لهذه الجهة سبة قبيحة وعار شنيع بل يكفرون كل من عمل معهم.
ومن صور التحريض الخفي: التحريض على ولاة الأمر، بستر محاسنهم وقلبها إلى سيئات وبذكر مساوئهم والنقص الذي يكون فيهم مع الكذب والتهويل في هذا الباب، وإثارة الشعب على الرعية، مستغلون كل ما يمكن استغلاله، لإثارة حنق الناس وسخطهم، ومن صور التحريض الخفي تشويه سمعة كل من يحارب الجماعات والكتب والمنظرين والدعاة والأحزاب، إلى عقيدة الخوارج ورميهم بكثير من الأوصاف القبيحة المنفرة، حتى يسقطوهم فلا يأخذ الناس عنهم ومن صوره أن يُصدر بعض الرموز الفتاوى المجيزة للعمليات الانتحارية بدعوى أنها دعوات استشهادية، قليلة الكلفة عظيمة الأثر، تسرع صاحبها إلى الحور العين في الجنة، ومع أن الله –عز وجل- يقول:
﴿وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ﴾ [النساء:29]، وإصدار الفتاوى التي تبيح نقد الحكام علنا، مع أن النبي –صلى الله عليه وسلم- نهى عن ذلك، وأمر بالإصرار في نصيحة ولاة الأمر، وإصدار الفتاوى، التي تبيح المظاهرات والاعتصامات بدعوى الحرية مع أبداء الرأي مع مباركة الثورات وإظهار الفرح والغبطة بها، واعتبارها مقدمة ومبشرة بقيام الخلافة مع أن النبي –صلى الله عليه وسلم- أمر بالصبر على جور الأئمة وترك منازعتهم فهذا التحريض الخفي يولد شبابا بل جيلا حانقا على وطنه وحانقا على ولاة أمره وعلى علماء أهل السنة والتوحيد، ومن يدافع عنهم من رجال الأمن فلا عجب أن يستجيبوا لنداءات خوارج العصر وتنفيذ أجندتهم نسأل الله بعزته وقوته أن يقينا شر الأشرار وفجور الفجار، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم، من كل ذنب فاستغفروا إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، أما بعد،،
عباد الله، اتقوا الله – عز وجل- واعلموا أن المخرج من فتنة هؤلاء الخوارج يكون بالتزامكم لكتاب الله، وسنة النبي –صلى الله عليه وسلم- وما كان عليه السلف الصالح فاسمعوا وأطيعوا لولاة أمركم بالمعروف وحافظوا على جماعة المسلمين، وإياكم في السعي في تفريق الكلمة ولو بكلمة، فقد ثبت في الحديث أن النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول:
‹‹من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع رفقة الإسلام من عنقه››، يقول –تعالى-:
﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران:103]، ويقول –عز وجل-:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء:59]، ولتلزموا بما عليه كبار العلماء، وأهل الرسوخ في العلم والسنة، كما قال –عز وجل-:
﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل:43]، وقال –عليه الصلاة والسلام:
‹‹العلماء ورثة الأنبياء››، واحذروا من كل من يحرضكم على وطنكم وولاة أمركم، ويسخر من علمائكم، فيرميهم بالنفاق والمداهنة وغير ذلك من ألقاب السوء، واحذروا ممن يزين لكم الثورات والمظاهرات والاعتصامات، فإنهم دعاة على أبواب جنهم، يجرونكم إلى نار الدنيا قبل نار الآخرة، فانظروا كيف أحرقت الثورات بلاد كانت آمنة مطمئنة على ما فيها، فلكم فيها عظة وعبرة.
عباد الله: التزموا بطاعة الله –عز وجل- وطاعة رسوله –صلى الله عليه وسلم- وأولي الأمر منكم في غير معصية، ومحبتهم والتعاون معهم على البر والتقوى ورفض كل دعوة فتنة، إننا بذلك نحطم كل المكائد والمخططات، بإذن الله مهما بلغت، وإننا بذلك نعبر ببلادنا وبلاد المسلمين وأنفسنا، وأجيالنا إلى بر الأمان، في خضم هذه الفتن المتلاطمة، والنيران الملتهبة، لأن ذلك من الإيمان، لأن ذلك من الإيمان والتقوى، والله –عز وجل- يقول في كتابه:
﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ﴾ [الأعراف:96]، اللهم صلى وسلم على نبينا محمد، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم آمنا في أوطاننا، اللهم آمنا في أوطاننا، اللهم آمنا في أوطاننا، اللهم أصلحنا وأصلح ولاة أمورنا، وارزقهم البطانة الصالحة، التي تعينهم على الخير، وتدلهم عليه يا رب العالمين، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.