القوات المسلحة درع الوطن
القوات المسلحة درع الوطن
  | 4676   |   طباعة الصفحة


  • العنوان: القوات المسلحة درع الوطن.
  • القاها: الشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
  •  المكان: خطبة جمعة في يوم 8 شعبان لعام 1438هـ في مسجد أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها - بالقوز ، بدبي، بدولة الإمارات العربية المتحدة، ونقل مباشرا على إذاعة بينونة للعلوم الشرعية.

   
  • الخطبة الأولى:
إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمّداً عبده ورسوله. أمَّا بعد... فإنّ أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمّدٍ -صلّى الله عليه وسلّم-، وشرّ الأُمور مُحدثاتها، وكُلَّ مُحدثة بِدعة، وكُلَّ بِدعة ضلالة، وكُلَّ ضلالة في النّار. أمَّا بعد.. عباد الله، لقد عرفت الأمم والحضارات إعداد القوة منذ فجر التاريخ، لتحمي إنجازاتها، وتحرس مقدراتها، وترد عادية الأعداء، وتردع الطامعين، وتبسط في الوطن الاستقرار والسكينة والاطمئنان، فافتخر قادة سبأٍ بقوة جيشهم قائلين: "نحن أولو قوةٌ وأولو بأس شديدٍ". ويسَّر الله سبحانه لداود -عليه السلام- أسباب القوة التي حمى بها قومه، قال تعالى: ﴿وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾[سبأ: 10/11]، إن إعداد القوة أمرٌ مطلوبٌ شرعًا وعقلًا، فالله تعالى أمر بذلك في كتابه، تنبهًا لكيد الأعداء، ودفعًا لبغي الظالمين. وقال -عزَّ وجلَّ-: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾[الأنفال:60]، وإن من المسلمات إن إعداد القوة والقدرة، أمرٌ في غاية الأهمية لما فيه من حماية الدِّين والأوطان، ومعايش الناس واستقرار حياتهم، وتنمية المقدرات وحراسة الإنجازات، والطمأنينة لقلوب الرعية، فحيثما حلَّ الأمن حلت مظاهر الاستقرار والعمل والإنجاز، وقبل ذلك أمن الناس في عباداتهم لله تعالى. عباد الله، إن خدمة بلدك المسلم، وحماية مكتسباته أمرٌ تدل عليه الشريعة، وتدعو إليه العقول السليمة، ويحث عليه خلق الوفاء، الوفاء للوطن، والوفاء لولاة الأمر، وهذا ليس مهمة الجانب العسكري وحده؛ بل كل فردٍ في الأُمَّة فهو جنديٌ في خدمة بلده ودينه، وإن كان يقع الأمر الأكبر والجهد الأعظم بعد عون الله تعالى وتوفيقه، على جيش البلد وحراس أمنه، وفقهم الله وسددهم، ونفع بهم ودفع عنهم. عباد الله، إن في هذا البلد المعطاء وجنوده المخلصين، الذين هم عين الوطن الساهرة ودرعه الحصين، وعملهم رفيع القدر، وثوابهم –إن شاء الله- عظيم الأجر، وكلما كانت المهمة أشد وأخطر، كان الأجر أعظم وأكبر إذا خالطه الإخلاص لله –عزَّ وجلَّ-، حتى تكون الليلة الواحدة لأحدهم، أفضل ثوابًا من ليلة القدر، قال رسول -صلى الله عليه وسلم-:«ألا أنبئكم بليلةٍ أفضل من ليلة القدر؟ حارس الحرس في أرض خوفٍ، لعله ألا يرجع إلى أهله».  فهم يتعرضون لمواقفٍ عصيبة، ومحنٍ شديدة، ويخاطرون بحياتهم حتى ينعم بالاستقرار وطنهم، ويتعبون كي يشعر بالراحة أهلهم، ويسهرون كي ينام غيرهم، وقد قدمت قوات هذه البلد المسلحة كثيرًا من البطولات والتضحيات؛ لتظل هذه الدولة عزيزةً قويةً شامخة، تمتلك زمام أمورها، وقد ثبت ذلك من جهدها وجهادها، فقد شاركت هذه القوات المسلحة في التحالف العربي لإخماد الفتنة، بعد استنفاد الحلول السلمية لأهل اليمن، بما يحقق لها الازدهار والاستقرار، ويخلصها من المكايد، وقد قدمت دماء زكيةً من جنودها، ومن نحتسبهم شهداء من أبنائها، من أفرادها وضباطها، ونبشر كل مصاب وجريح بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :«ما من مكلومٍ يكلم-أي: جريحٍ يجرح- في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وكلمه –أي: جرحه- يدمى، اللون لون دم، والريح ريح مسك». وأمَّا الشهداء  الذين نحسبهم كذلك، فيقول الله –سبحانه وتعالى- فيهم: ﴿وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6)﴾[محمد: 4/6]. عباد الله، إن الشهادة في سبيل الله، دفاعًا عن الدِّين والوطن المسلم، لها أجرٌ عظيمٌ، ومنزلةٌ كبيرة،  فالشهيد يتمنى العودة للدنيا للموت مرةً أخرى في سبيل الله، قال أنس بن مالكٍ –رضي الله تعالى عنه-، عن النبي –صلى الله عليه وسلم-: «ما من عبدٍ يموت له عند الله خيرٌ يحب أن يرجع إلى الدنيا، وإن له الدنيا وما فيها، إلا الشهيد لما يرى من فضل الشهادة، فإنه يسَّرُه أن يرجع إلا الدنيا فيقتل مرةً أخرى»، وجاء عن مسروقٍ –رحمه الله تعالى- أنه قال: "سألنا عبد الله عن هذه الآية: ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾[آل عمران:169]، قال: إما إنَّا قد سألنا عن ذلك، فقال: أرواحهم، أي: قال –صلى الله عليه وسلم-: «أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ، لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، تَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ، ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ، فَاطَّلَعَ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمُ اطِّلَاعَةً، فَقَالَ: هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئًا؟ قَالُوا: أَيَّ شَيْءٍ نَشْتَهِي وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْنَا؟ فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَنْ يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يُسْأَلُوا، قَالُوا: يَا رَبِّ، نُرِيدُ أَنْ تَرُدَّ أَرْوَاحَنَا فِي أَجْسَادِنَا حَتَّى نُقْتَلَ فِي سَبِيلِكَ مَرَّةً أُخْرَى، فَلَمَّا رَأَى أَنْ لَيْسَ لَهُمْ حَاجَةٌ تُرِكُوا». ومن فضل الدفاع عن دينك ووطنك، ما يكون للمرابط من الأجر، فقد جاء عن سهل بن سعدٍ –رضي الله تعالى عنه- أنه قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «رباط يومٍ في سبيل الله، خيرٌ من الدنيا وما عليها»، وعند مسلمٍ «لغدوةٍ في سبيل الله خيرٌ من الدنيا وما عليها»، رواه البخاري. اللهم تقبل عندك من قضى نحبه من عبادك المؤمنين، واجعلهم عندك من الشهداء، وأدخلهم الجنة يا رب العالمين، واجعل لهم ما عندك خيرًا مما لهم عندنا، أقول ما تسمعون واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.  
  • الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبع هداه. أمَّا بعد.. عباد الله، إن نعمة الأمن هي منةٌ من الله تعالى على هذه الأمة المرحومة، قال تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ﴾[الأنفال:26]، وقال –عزَّ وجلَّ-: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ﴾[العنكبوت:67]، إن نعمة الأمن مع نعمتي العافية والرزق، هو تملكٌ للدنيا بما فيها، فعن عبيد الله بن محصن الأنصاري –رضي الله عنه-، عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافًى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها». وإن من منطلق أن يكون الشباب هم صمام الأمان، بعد عون الله وتوفيقه، فيكسبون الخبرات دفاعًا عن دينهم وبلدهم وحمايةً لمكتسباتهم فقد قامت مشاريع جوهرية تتعلق بهم ومن ذلك قانون الخدمة الوطنية والاحتياطية؛ لما له من دورٍ جليٍ في تعزيز الهوية الوطنية, وإرفاد القوة العسكرية بكوادر تتمتع بالجاهزية، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف».  ومما يفرح ويشعر بالاعتزاز والفخر، ويستحق الإجلال والتقدير، تلبية نداء الواجب فور صدور ذلك القانون من الشباب؛ لنيل شرف هذه الخدمة بشكلٍ منقطع النظير, وهذا إن دل فإنَّما يدل على حرص الشباب على هذا الأمر العظيم، والذين ينالون به الأجر الوفير، طاعةً لله ورسوله في الإعداد، ثم سمعًا وطاعةً لولاة أمرهم، ائتمارًا بأمر الله تعالى القائل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾[النساء:59]. اسأل الله –تبارك وتعالى- أن يبارك في شبابنا وإخواننا وشباب المسلمين، وأن يحمي هذا البلد وسائر بلاد المسلمين، من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد...