- العنوان: الشمس والقمر من آيات الله .
- ألقاها : الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
- المكان: خطبة جمعة في مسجد السعيدي بالجهراء - 16 رجب 1432.
العنوان: الشمس والقمر من آيات الله . ( الخطبة الأولى ) إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له, و أشهد أن محمدًا عبده ورسوله, أما بعد: فإن أصدق الحديث كلام الله, وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-, وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار, أما بعد: عباد الله، فإن الآيات الدالة على كمال قدرة الله –تعالى- وحكمته ورحمته لا تعد ولا تحصى, و من أظهرها الشمس والقمر، فعظم خلقها وانتظام سيرها, وإمساكها في فلكها لا تقع على الأرض دليل ظاهر على كمال قدرة الله التي لا يعجزها شيء. وما جعل فيها من المصالح للعباد بمعرفة السنين والحساب, واختلاف الزروع والثمار, وتقلب الفصول وغير ذلك دليل على كمال حكمته, وعلى واسع رحمته –سبحانه-. إن القرآن الكريم ملئ بالحديث عن هاتين الآيتين العظيمتين فقرر –سبحانه- أنهما مخلوقين لله ليسا خالقين ولا مدبرين, ولا يملكان ضرًا ولا نفعًا, ولا حياة ولا موتًا ولا نشورًا: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾[الأنبياء:33]. وقرر أنهما آيتان تدلان على وحدانيته –سبحانه- فمن خلقهما هو المستحق للعبادة لا الشمس ولا القمر، فقال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾[فصلت:37]. إن الشمس والقمر لا يسجد لهما, ولكنهما هما اللذان يسجدان لله، ومن سجودهما له تصرفهما على حسب مشيئة الله وأمره, لا تطلع إلا بإذنه ولا تغيب إلا بإذنه: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ﴾[الحج:18]. وعن أبي ذر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له حين غربت الشمس: «تدري أين تذهب؟ قلت: الله ورسوله أعلم, قال: فإنها تذهب؛ حتى تسجد تحت العرش, فتستأذن فيؤذن لها, ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها, وتستأذن فلا يؤذن لها, يقال لها: ارجعي من حيث جئت, فتطلع من مغربها حين تقوم الساعة فذلك قوله تعالى: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾[يس:38]» متفق عليه. وامتنّ على عباده بأن جعلهما مسخرين لمصالح العباد, فقال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ *وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾[إبراهيم34:33]. فهذا أنت أيها المخلوق الضعيف يسخر الله لك ما في السماوات وما في الأرض, مما تعلم ومما لا تعلم, من أجل أن تتم بها مصالحك, ويستقيم بها أمر معاشك؛ حتى تعبد الله, وتقوم بالواجب الذي خلقت من أجله بفعل طاعته, واجتناب معصيته, ثم أبى أكثر الناس إلا كفورًا والعياذ بالله. ثم إن مصير هاتين الآيتين العظيمتين أن الله يطفئ نورهما ويلفهما كما تلف العمامة ثم يوضعان في نار جهنم تبكيتًا وتعذيبًا لمن كان يعبدهما فيقال لهما بلسان الحال أو لسان المقال هذه آلهتكم التي كنتم تعبدونها أفأغنت عنكم شيئًا؟ روى البخاري في صحيحه عن أبو هريرة عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «الشمس والقمر مكوران يوم القيامة» وفي رواية غيره «في النار» وفي روايةٍ «ليراهما من عبدهما». وإن من آيات الله الشمس والقمر، أن يذهب بنورهما في الدنيا ذهابًا مؤقتًا؛ حتى يروا عباده كمال قدرته التي قهر بها خلقه، وحتى يعلموا أنهما مخلوقان ضعيفان مدبران بأمر الله، وحتى ينيبوا إلى ربهم ويتوبوا له من معاصيهم، فإن كسوف الشمس والقمر آيتان يخوف الله بهما عباده ليتوبوا ولهذا كان أكمل الخلق علمًا بالله وأكملهم خشيةً له وأتمهم له عبودية –صلوات الله عليه-. لما حدث الكسوف في زمانه –صلوات الله عليه وسلم- في اليوم الذي مات فيه ابنه إبراهيم، وكان يوماً شديد الحر، وبعد ارتفاع الشمس من الضحى، فلما رأى كسوفها فزع وقام إلى المسجد، يجر ردائه وأمر إلى أن يقام للصلاة (الصلاة جامعة) فاجتمع الناس، وصلى بهم صلاة جهرية طويلة، فكبر وقرأ الفاتحة، وقرأ سورة طويلة نحو سورة البقرة؛ حتى كان بعض أصحابه يخرون مغشيًا عليهم من طول القيام والحر، ثم ركع ركوعًا طويلاً، ثم رفع، ثم قرأ الفاتحة، ثم قرأ سورة طويلة دون الأولى، ثم ركع ركوعًا طويلاً دون الأول، ثم رفع، ثم سجد سجدتين طويلتين، ثم رفع ففعل كما فعل في الركعة الأولى. وفي صلاته هذه رآه أصحابه تقدم، ومد يده كأنه يتناول شيئًا، ثم رأوه راكعًا وراءه كأنما يحاذر من شيء؛ حتى رجعت الصفوف من خلفه، وبعد أن أتم صلاته، قام فوعظ الناس وخوفهم من غضب الله وقال رادًا على من زعم أنها كُسفت لموت ابنه إبراهيم «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت احد ولا لحياته»ثم اخبرهم بأنه رأى الجنة والنار وفتنة القبور وشيئًا من عذاب البرزخ في مقامه ذلك، وأنه تقدم لما رأى الجنة ورأى فيها عقودًا من عنب، فأراد أن يتناوله، ثم اعرض عن ذلك، ولو تناوله إياهم لأكلوا منه ما بقيت الدنيا، وأنه لما رأى النار رجع وراءه وأنه ما رأى منظرًا قط أفظع منها، ورأى فيها (عمر الخزاعي) الذي غير دين إبراهيم وصرف الناس إلى عبادة الأصنام وسيب السوائب، رآه وهو يجر أمعاؤه في نار جهنم -والعياذ بالله- ورأى في النار الرجل الذي يسرق أمتعة الحجاج بعصاه، ورأى امرأة تهبشها هرة في النار كانت قد حبستها في الدنيا، فلم تطعمها ولم تطلقها حتى ماتت، ورأى أكثر أهل النار من النساء؛ لأنهن يكثرن من كفر نعمة الأزواج، ورأى فتنة القبر وأن الناس يُسألون ويمتحنون ويفتنون في قبورهم فتنة عظيمة كفتنة الدجال، ثم حذر أمته من الزنا خاصة؛ لأنه إذا فشي وانتشر وظهر كان سببًا في نزول العقوبات العاجلة وخراب الدنيا، فقال: «يا أمة محمد إذ من احد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، يا امة محمد لو تعلمون ما اعلم ؛ لبكيتم كثيرا وضحكتم قليلا..ألا هل بلغت». ثم أمر الناس إذا رأوا هذه الآية أن يفزعوا إلى الصلاة، وإلى الدعاء وإلى التوبة وإلى الصدقة، وإلى عتق الرقاب المملوكة؛ لأن أسباب العقوبات قد انعقدت، وأمارتها قد ظهرت وهذا طريق الخلاص منها. فانظر إلى هدي النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الكسوف، وانظر إلى حالنا وحال كثير من الناس، تجد الفرق العظيم والبون الشاسع، فمن منا حرص على صلاة الخسوف؟ ومن منا تصدق في هذه الليلة؟ أو دعا الله؟ أو اجتهد في الاستغفار والتوبة؟ إنها حقًا الغفلة، نسأل الله ألا نكون من الغافلين. أقول ما تسمعون واستغفر الله العظيم من كل ذنب فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم. ( الخطبة الثانية ) الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه ثم أما بعد؛ عباد الله، إن كسوف الشمس والقمر آيتان عظيمتان، يخوف الله بهما عباده كما صرح بذلك النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في قوله في الحديث الصحيح: «هذه الآية التي يرسلها الله، لا تكون بموت احد ولا لحياته، ولكن يخوف بها الله عباده. فإذا رأيتم شيء من ذلك؛ فافزعوا إلى ذكره، ودعاءه واستغفاره» متفق عليه. وإن معرفة السبب الرئيسي لهما، اعني حجب القمر لضوء الشمس، وحجب الأرض لنور القمر؛ لا يعني أنهما ليسا بآيتين، ولكن هذا الحجب الذي قدره الله بهذا السبب من ورائه من الحكم ما أخبر به النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه تخويفٌ من الله لعباده على ذنوبهم ومعاصيهم وأن عليهم أن يرجعوا إلى ربهم ويرضوه بتسديد التوبة والإنابة وأقام الصلاة جماعات وفرادى، والجماعة أفضل، وان يُكثروا من الصدقة والدعاء، حتى ينجلي ما بهم. عباد الله، إننا قد اُبتلينا بعدد من الكُتاب والمتكلمين الذين يحاولون جاهدين إبطال أثر هذه الآيات في تخويف العباد، فها هم يصورونها على أنها حوادث طبيعية لا دخل لذنوب العباد فيها، فالسيول والغرق ليس لها من سبب إلا الفساد الإداري والعشوائي في البلاد، والزلازل ليس لها من سبب إلا الحركة الداخلية في جوف الأرض-سبحان الله- فمن الذي حرك الأرض فأهلكته؟ ومن الذي أجرى السيول فأغرقته؟ وخسف الشمس والقمر فأظلمت؟ أليس هو الله؟ أليس لو شاء الله لمنع ذلك فلم يقع؟ ومن الذي أخبر بأن هذه الكوارث والمصائب المقصود منها تخويف العباد؛ حتى يتوبوا وينيبوا ويتعظوا ويعتبروا؟ أليس رسول - الذي خلق الخلق؟ علويه وسفليه؟ أليس هو الصادق المصدوق؟ -صلوات الله وسلامه عليه-. إن الكسوف في عهد النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يقع إلا مرة واحدة في السنة الثامنة من الهجرة في اليوم الذي مات فيه ابنه إبراهيم، ثم لم يقع؛ حتى مات -صلوات الله وسلامه عليه- فانظروا وتأملوا كيف كثر وقوعه وحصوله في هذه الأزمان؟ ومع ذلك إلا لكثرة الشرور والمعاصي. فعليكم عباد الله بلزوم ما دلت عليه الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، وإياكم والاغترار بما يخالفها من الآراء وإن زُخرفت بالشبهات الخلابة، والأساليب المعسولة، فإن الله لم يقل إلا الحق، وما بلغ الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلا الحق، فماذا بعد الحق إلا الضلال. اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما آخرنا، وما أسررنا وما أعلننا، وما أنت اعلم به منا، اللهم أعنا على شكرك وذكرك وحسن عبادتك، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وصلى الله وسلم على نبينا محمد.