التحذير من السحره وعلاماتهم
التحذير من السحره وعلاماتهم
  | , 11855   |   طباعة الصفحة


  • العنوان: التحذير من السحره وعلاماتهم .
  • ألقاها : الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
  • المكان: خطبة جمعة في مسجد السعيدي بالجهراء - 16 ربيع الاخر 1433.

خطبة بعنوان: (التحذير من السحرة وعلاماتهم )

الخطبة الأولى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:- فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار أما بعد:- عباد الله، فإن من نواقض الإسلام، ومن القوادح في العقيدة التي تورد صاحبها المهالك، ويكون بسببها من أهل الموبقات، ومن أهل الشرك بالله، السحر، والكهانة، والشعوذة، وما يلحق بها وتعلمها وتعليمها، بل سؤال الساحر واستفساره عن أي أمر خطرٌ عظيم وذنب كبير. فالسحر هو عزائم ورقى، وعقد تؤثر في القلوب، والأبدان فتمرضه، وتقتله، وتفرق بين المرء وزوجه، يقول -عز وجل-: ﴿وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ﴾ [الفلق: 4]، يعني السواحر التي يعقدن في سحرهن، وينفثن في عقدهن. والسحر له حقيقة، وله تأثير وهو قول أهل السنة والجماعة، وقد جاء تحريم السحر، وبيان عظم ذنبه، والوعيد لفاعله في الكتاب والسنة، يقول -عز وجل-: ﴿وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾ [البقرة: 102]، يقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: "ما له من نصيب"، وقال الحسن رحمه الله: "ليس له دين"، ودلت الآية على تحريم السحر، وكذلك هو محرم في جميع أديان الرسل عليهم الصلاة والسلام، كما قال -عز وجل-: ﴿وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ﴾ [طه: 69]. والسحر وتعلمه كفر بالله تعالى، وشرك به؛ لذلك سماه الله -عز وجل- كفرًا في قوله: ﴿إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ﴾ [البقرة: 102]، وقوله: ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا ﴾ [البقرة: 102]، يقول ابن عباس -رضي الله عنهما- عن الآية الأولى: وذلك أنهما علما الخير والشر، والكفر والإيمان، فعرفا أن السحر من الكفر، بل إن الساحر لا يكون ساحرًا إلا إذا تقرب إلى الشياطين بطاعتهم بالذبح أو السجود لهم، أو الاستغاثة بهم، أو دعائهم، أو إهانة المصحف وأكل النجاسات أعزكم الله، وغير ذلك من القبائح، والفواحش التي يتقربون بها إلى الجن، فإذا فعل ذلك وأشرك بالله خدمته الشياطين، وفعلت له ما يريد من الإضرار بالأبرياء، يقول -عز وجل-: ﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ﴾ [الشعراء: 221 - 223]. والسحر من الموبقات المهلكات، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: «اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا يا رسول الله ، وما هن؟ قال : الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات » متفق عليه. بل حذر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من سؤال الكهان والسحرة، وتصديقهم في ذلك، فقد روى مسلمٌ في صحيحه عن بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-، أنه قال: «من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يومًا»، و عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-» رواه أبو داود. ويدخل في ذلك ما تساهل فيه، كثيرٌ من الناس إلى الذهاب إلى المشعوذين الذين يستعرضون الناس بخوارق ليست من فعل البشر، فيخيلون إلى الناس أنهم يمشون على النار أو الماء، أو يطيرون في الهواء، أو يدخلون السيوف والسكاكين في أبدانهم، أو الذهاب إلى ما يسمى بالسرك لرؤية السحرة والمشعوذين، كل ذلك محرم، وفاعله داخل في الوعيد السابق، فلا يجوز الذهاب إليهم، ولا النظر إلى برامجهم وتصديق أفعالهم، فإنهم لا يفعلونها حقيقة، بل يخيل إلى الناظر أنهم يفعلونها، كما قال -عز وجل- ﴿يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى﴾ [طه: 66]، وقال سبحانه: ﴿سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ﴾ [الأعراف: 116]، وقد جاء عن عمران بن حصين -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له» وفي هذا وعيد شديد لمن تطير، أو فعل الطيرة، وهي التشاؤم، كأن يسجر الطير فإذا ذهبت يمينا أقدم على الفعل، وإن ذهبت شمالا لم يقدم، أو قبل قول المتطير له وتابعه. وكذا من تكهن أو تُكهن له، كالذي يأتي الكاهن ويصدقه ويتابعه، وكذلك من فعل السحر أو فعل الساحر له السحر، فكل من تلقى هذه الأمور عن من تعاطاها فقد برئ منه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لكونها إما شرك أو كفر، فمن رضي بذلك وتابع فهو كالفاعل لقبوله الباطل واتباعه. ويدخل في هؤلاء السحرة، ويدخل في هؤلاء السحرة، والكهان أهل التنجيم، والعرافين والرمالين،  وقراء الكفوف والفناجين، وغير ذلك ففي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: «إن أخوف من أتخوفه على أمتي أخر الزمان ثلاثًا: إيمانًا بالنجوم، وتكذيبًا للقدر، وحيف السلطان» والمقصود بعلم النجوم المنهي عنه، هو كما قال الخطابي رحمه الله: "ما  يدعيه أهل التنجيم من علم الكواهن، والحوادث التي ستقع في مستقبل الزمان، وما في معناها من الأمور التي يزعمون أنها تدرك معرفتها بسير الكواكب، ويدعون أن لها أثرًا في السفليات". ويدخل في ذلك، ما يكثر في هذه الأزمان من ربط السعادة والشقاوة، وغير ذلك بالأبراج الفلكية، فيقولون: اعرف برجك تعرف حظك، وهذا باطل وتنجيم محرم، ومن أنواع السحر كذلك: ما يسمى بالصرف والعطف، ويستخدم لتحبيب الزوج إلى زوجته والعكس، أو صرفه أو صرفها عنه، وبغضه لها، وهو ما يفعله كثير من النساء الخبيثات، وينتشر بينهن فيجب التحذير والحذر منه، يقول -عز وجل-: ﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 102]. عباد الله، إن السحر له خطر عظيم، وأثم كبير؛ لذلك جعل الشارع حده القتل والضرب بالسيف على الصحيح من أقوال أهل العلم، وقد صح ذلك عن ثلاثة من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، عن عمر بن الخطاب، وعن حفصة أم المؤمنين،  وعن جندب بن كابر -رضي الله عنهم- أجمعين، وما ذلك إلا حماية للمجتمع المسلم من ضرره وشره، وللوقاية من كثير من مفاسده ولاقتلاع جذور الشرك بالله تعالى. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.  

الخطبة الثانية

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه وأما بعد:- عباد الله، إن للساحر والكاهن علامات يُعرفون بها فيحذرون، ومن تلك العلامات سؤالهم عن اسم الأم، وتبيتهم يطلبون من المريض أن يبيت عندهم أو يبيت أي شيء من ملابسه. ومن علاماتهم، ادعائهم علم الغيب والإخبار بشيء من الغيبيات، وكذلك معرفتهم بالفساد الخلقي والديني. ومن علاماتهم، صرفهم للمريض أشياء غريبة للعلاج بها، كجمجمة أو عظم أو غير ذلك، ومن علاماتهم أيضًا، التمتمة بكلمات غير مفهومة، أو كتابة أوراق كالطلاسم وغيرها، وصرفهم للحجب والتمائم، أو يقول لك: أغمض عينيك وأخبرني بما تراه أو تخيل أمامك الذي حسدك، أو أنه يزعم أن عندهم قراءة إن أعطاها لأحد أو سمعها أحد فسدت وأصبحت لا تنفع، أو أنه يعطيه ورقة مكتوب فيها كلمات فيها دعاء غير الله. والاستعانة بالجن والشياطين، أو يعطي العلاج لشخص غير مريض؛ لأن المريض بعيد فيقول له: اشربه وسيشفى مريضك حتى كذلك، من يقول: بأنه ينوم التنويم المغناطيسي، وقد نص كبار العلماء على أن ذلك من السحر المحرم. أو من يدعي أنه له قرين يتعاون معه، أو أنه يستعين بالجن وتساعده، فكل هذه من علامات السحرة، وغير ذلك من العلامات التي تظهر لكل لبيب عاقل، فيجب الحذر ممن اتصف بمثل هذه الصفات. وقد أرشد الشارع الحكيم إلى طريق الوقاية من السحر، وذلك لكمال التوحيد، والتوكل على الله، ولالتجاء إليه بالدعاء، يقول -عز وجل-: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3]، فاجعل قلبك معلقا بربك لا ، ولا بالقبر الفلاني، ولا بالولي الفلاني، وعلى المسلم أن يتحصن بالأذكار، والأدعية الصحيحة الواردة في الكتاب والسنة صباحًا ومساءً حسب الصيغة التي وردت بها، والاجتهاد كذلك في تلاوة كتاب الله فهو شفاء ورحمه، وعن أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه-، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «عليكم بسورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة، ولا تسطيعها البطلة» أي السحرة، أي لا يقدر السحرة على إضرار من قرأها وحفظها، وحافظ على قراءتها، وكذلك قراءة سورة الفاتحة فإنها رقية، وقراءة المعوذتين ويلتجئ المسلم إلى ربه بالدعاء، واللهج بذلك والإلحاح به، فهو الذي بيده الشفاء سبحانه وتعالى، حتى يحميه ربه من السحر والسحرة ، ويفك عنه ما ألم به، ولا يجوز له أن يحل السحر بسحر مثله، أو يذهب إلى السحرة لعلاج سحره، وهو ما يسمى بالنشرة فإن الله لم يجعل الشفاء فيما حرمه الله، عن جابر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سُئل عن النشرة فقال: «هي من عمل الشيطان » رواه أحمد. ولينتبه المسلم لكثير ممن يدعون أنفسهم من المعالجين والقراء الذي يفتحون لذلك العيادات فإن أكثرهم من الدجالين الذين يريدون التجارة والمال على حساب المرضى وأهل الحاجات؛ لذلك تجدهم يقرؤون القراءة الجماعية، أو على كميات كبيرة من الماء لغرض التكسب، نسأل الله لنا ولكم العافية. اللهم إنا نستعيذ بك، ونلتجئ إليك، ونتوكل عليك، فحفظنا بحفظك، وكلئنا برعايتك، اللهم إنا نعوذ بك من همزات الشياطين، اللهم إنا نعوذ بك من همزات الشياطين، ونعوذ بك ربي أن يحضرون. اللهم احفظنا، واحفظ أولادنا وأهلينا وآبائنا، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، ربنا أتنا في الدنيا حسنة، وفي الأخرة حسنة وقنا عذاب النار، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.