- العنوان: الأحكام المتعلقة بالخروج إلى البر .
- ألقاها : الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
- المكان: خطبة جمعة في مسجد السعيدي بالجهراء - 14 محرم 1433.
( الأحكام المتعلقة بالخروج إلى البر ) الخطبة الأولى: إنَّ الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أمَّا بعد، فإنَّ أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ – صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور مُحدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار. أمَّا بعد، عباد الله،كثيرٌ من الناس الآن يخرجون إلى البر والصحراء، يقضون فيها عطلهم وبعض أيامهم، وهناك من الأحكام الشرعية التي ينبغي عليهم معرفته والعناية بها، ولنا معكم فيها وقفة نبين فيها بعض تلك الأحكام، فعند وصوله إلى منزله الذي يريد أن ينزل إليه، يدعو بما ورد في حديث خولة بنت حكيمٍ – رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يقول: «من نزل منزلٍ، ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيءٌ حتى يرتحل من منزله ذلك»، رواه مسلم. أمَّا عن أحكام الطهارة فأنه إذا أراد قضاء حاجته، فعليه البعد، إلا إذا كان هناك مكانًا يستره كحمامٍ أو نحوه، عن المغيرة بن شعبة – رضي الله عنه- قال: قال لي النبي – صلى الله عليه وسلم- «خذ الإداوة فانطلق، خذ الإداوة فانطلق حتى توارى عنِّي، فقضى حاجته» متفقٌ عليه. وعن جابرٍ – رضي الله عنه-: «أنَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم- كان إذا أراد البراز انطلق حتى لا يراه أحد»، رواه أبو داود، وعليه أن يستر عورته قدر المستطاع فعن ابن عمر – رضي الله عنه-: «أن النبي – صلى الله عليه وسلم- كان إذا أراد حاجةٍ لا يرفع ثوبه، حتى يدنو من الأرض» رواه أبو داود، ويقال، ويقول أيضًا: ذكر الخلاء وهو «باسم الله، أعوذ بالله من الخبث والخبائث»، عندما يريد الشخص أن يرفع ملابسه لقضاء الحاجة هذا إذا كان في البر، أمَّا إذا كان هناك حمامٌ فقبل دخوله. وجاء النهي عن قضاء الحاجة في طريق الناس أو ظلهم، أو في أماكن جلوسهم، عن أبي هريرة – رضي الله عنه-، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-:«اتقُّوا اللعانيّن الذي يتخلَّى في طريق الناس أو ظلهم »، رواه مسلم. ويجوز الاستجمار بالحجارة بشرط ألا تقل عن ثلاثة أحجار، ولا يجوز الاستجمار بالروث والعظم، عن سلمان – رضي الله عنه- قال: «لقد نهانا رسول الله – صلى الله عليه وسلم- وذكر فيما نهى أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيعٍ، أو عظمٍ» رواه مسلم. ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها حال قضاء الحاجة، عن سلمان – رضي الله عنه- قال: «نهانا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن نستقبل القبلة بغائطٍ، أو بول» أخرجه مسلم، وعن أبي أيوب الأنصاري – رضي الله عنه-، عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- أنه قال في حديثه:« ولا تستقبلوها بغائطٍ أو بول، ولكن شرقوا أو غربوا». وللوضوء عند اشتداد البرد والصبر عليه أجرٌ عظيم، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه-، أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قال: «ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره» رواه مسلم، لكن لا حرج عليه في تسخين الماء، وقد يكون أفضل إذا خشي الضرر أو الإخلال في الوضوء. وبعضهم يتساهل في الوضوء فينتقل إلى التيمم، مع قدرته على الوضوء، وهذا لا يجوز، فالتيمم لمن عجز عن الوضوء؛ لشدة البرد، وخشي الضرر مع عدم قدرته على تسخينه، أمَّا مجرد التأذي من الماء البارد، فلا يجوز له التيمم؛ بل يجب عليه أن يمس الماء ويتوضـأ. ويجب على من يخرجون للصحراء، ويبيتون فيها الليلة والليلتين، أن يحتاطوا ويستعدوا إذا ما احتاج أحدهم إلى غسل الجنابة، بأن يعدوا مكانًا مناسبًا مستورًا، ومحاطًا لمن أراد الغسل من الجنابة، ويحرص على إيجاد ما يسخن به الماء من حطبٍ أو غيره، ويجب عليه أن يغتسل بالماء ويعمم سائر جسده بالماء، وإذا كان الماء باردًا جاز له أن يسخنه، وإذا لم يتيسر له وجود الماء جاز له التيمم، بأن يضرب كفيه على الأرض ضربةً واحدة ويمسح بها وجهه وكفيه، وإذا وجد الماء وكان باردًا جدًا، بحيث يضره ضررٌ متحقق، أو يغلب على ظنه الضرر والمرض، أو يكون سببٌ في تأخر شفائه من مرضه، ولم يتيسر له تسخينه جاز له التيمم. وإذا حان وقت الصلاة فعليه بالآذان في الصحراء، ولو كان وحده عن أبي سعيدٍ الخدري – رضي الله عنه- قال: قال لي النبي – صلى الله عليه وسلم-: «إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك، أو كنت في باديتك فأذنت للصلاة، فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جنٍ ولا إنس ولا شيءٌ، إلا شهد له يوم القيامة»، قال أبو سعيد الخدري: سمعته من رسول الله – صلى الله عليه وسلم-، رواه البخاري، وزاد ابن ماجة «ولا حجرٍ، ولا شجرٍ، إلا شهد له»، وعن ابن عمر – رضي الله عنهما –، قال: قال النبي – صلى الله عليه وسلم- «يغفر للمؤذن منتهى آذانه، ويستغفر له كل رطبٍ ويابس سمعه»، رواه أحمد. ولا يتكاسل الإنسان عن أداء الصلاة جماعة فيمن معه، فالصلاة في البر لها فضلٌ عظيمٌ، فعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: «الصلاة في الجماعة تعدل خمسًا وعشرين صلاة، فإذا صلاها في فلاةٍ»، أي: في صحراء، «فأتم ركوعها وسجودها بلغت خمسين صلاة»، رواه أبو داود. وإذا صليت فلا تمسح الأرض التي تسجد عليها، إذا صليت فلا تمسح الأرض التي تسجد عليها، فعن معيقيبٍ – رضي الله عنه-، أن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تمسح وأنت تصلي، فإن كنت لا بد فاعلًا فواحدةٌ تسوية الحصى» متفقٌ عليه، وعن جابرٍ قال: سألت النبي – صلى الله عليه وسلم- عن مسح الحصى في الصلاة، «فقال: واحدة، ولأن تمسك عنها خيرٌ لك من مائة ناقة، كلها سود الحدق» رواه ابن خزيمة. وتجوز الصلاة في النعال، فقد جاء أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم»، رواه أبو داود، وجاء أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قال:«إذا صلى أحدكم فليلبس نعليه، أو ليخلعهما بين رجليه، ولا يؤذي بهما غيره». ويجب عليه وضع السترة عند الصلاة فقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم-: «لا تصلي إلا إلى سترة، ولا تدع أحدًا يمر بين يديك، فإن أبى فلتقاتله فإن معه القرين» وعليه تحري القبلة للصلاة في الصحراء، ويجتهد في ذلك، فإن صلى بغير اجتهادٍ وأخطأ فعليه القضاء، وأن أصاب فصلاته صحيحة على القول الراجح، وإن اجتهد في القبلة وبحث عنها وتحرى، فتبين بعد الصلاة أنه صلى إلى غير القبلة، فلا يلزمه الإعادة؛ لأنَّه صلى باجتهاده بحسب ما أمر به. وجاء النهي من النبي – صلى الله عليه وسلم- عن تغطية الفم في الصلاة، فيكره ذلك إلا لحاجة عن أبي هريرة – رضي الله عنه- قال: «النبي – صلى الله عليه وسلم- نهى أن يغطى الرجل فاه في الصلاة». وتصح الصلاة في مرابض الغنم ولا تصح الصلاة في أعطان الإبل؛ لقول النبي – صلى الله عليه وسلم- «صلوا في مرابض الغنم، ولا تصلوا في أعطان الإبل»، رواه مسلم. عباد الله،كثيرٌ من الناس إذا خرج إلى البر لا يهتم بالصلاة جماعة، ولا بالآذان، ولا يذكر أهله وأولاده بالصلاة والجماعة، فاجعل أخي المسلم رحلتك مع أهلك وأولادك دعوةً لهم إلى الخير، تعلمهم الصلاة وتجتهد بها جماعة، يقتدون بك، ويكبروا على الطاعة فيكونوا لك من أجورهم وطاعاتهم أجرًا ونصيبا، يقول – عزَّ وجل-: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾ [طه:132]، أقول ما تسمعون، واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفور رحيم. الخطبة الثانية الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه. أمَّا بعد، عباد الله، فمن الأحكام كذلك إطفاء النار عند النوم خشية الاحتراق أو الاختناق، ومثلها المدفئة بأنواعها، فعن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه- قال: احترق بيت من المدينة على أهله، فَحُدِّث بشأنها النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: «إن هذه النار إنما هي عدوٌ لكم، فإذا نمتم فأطفئوها عنكم»، متفقٌ عليه. وعن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما-، أن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تتركوا النار في بيوتكم حين تناموا»، متفقٌ عليه. ومن السنن كذلك، التعوذ عند سماع نباح الكلاب أو نهيق الحمار، ففي الصحيحين عن أبي هريرة – رضي الله عنه-، عن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان، فإنها رأت شيطانًا، وإذا سمعتم الديكة، فاسألوا الله من فضله فإنها رأت ملكًا» وعن جابر بن عبد الله – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: «إذا سمعتم نباح الكلب ونهيق الحمار بالليل، فتعوذوا بالله منهن، فإنهن يرين ما لا ترون»، أخرجه البخاري. اهتموا عباد الله بشئون دينكم، واجعلوا رحلاتكم في طاعة الله، ولا تغفلوا عن ذكر الله، ولا تجعلوها في معصية الله، فالمخيمات التي فيها الغناء والفجور، لا يجوز حضورها ولا الرضا عنها، ولا التي من أجل الغيبة والنميمة، فابتعد عن كل ما يغضب الله، فالعمر قصير والدنيا فانية، والآخرة خيرٌ وأبقى. اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات. وصلى الله وسلم على نبينا محمد