اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة
اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة
  | 4856   |   طباعة الصفحة


  • العنوان: اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة
  • القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى
  • المكان: خطبة جمعة في مسجد السعيدي بالجهراء 17 ذي القعدة عام 1435هـ، ونقلت مباشراً على إذاعة موقع ميراث الأنبياء.

 

الخطبة الأولى

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا  وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد،،، فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار أما بعد،،، عباد الله اعلموا أن الله -جل جلاله- قد أنزل القرآن نورًا وهدىً للناس، وجعله لأهله سعادة. يقول -سبحانه وتعالى- في شأنه: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا﴾ [الإسراء:82]. وقال -عز وجل-: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ﴾ [الأنعام:92]. ومن حِكم الله أنه فضل بعض القرآن على بعض مع كونه كله مباركًا عظيمًا نافعا، فالله يختص ما يشاء بما يشاء -سبحانه وتعالى-. ومن السور التي اختُصت بمزيد فضلٍ على عامته سورة البقرة. فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- جملةً من الأحاديث في فضلها، وفضل بعض آياتها، والتنويه بشأن حفاظها العاملين بما فيها. فعن أبي أمامه الباهلي -رضي الله تعالى عنه-  يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه، اقرءوا الزهراوين؛ البقرة، وآل عمران فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو كأنهما فرقان من طيرٍ صواف تُحاجان عن صاحبهما، اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة -أي؛ السحرة-». قال معاوية بن سلام: ''بلغني أن البطلة السحرة'' أخرجه مسلم. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث أو أنه بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعثًا وهم ذو عددٍ فاستقرءهم فقرأ كل رجلٍ ما معه من القرآن، فأتى على رجلٍ من أحدثهم سنًا أي؛ أصغرهم سنًا، فقال: «ما معك يا فلان؟» قال: معي كذا وكذا، وسورة البقرة، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أمعك سورة البقرة؟!» قال: نعم، قال: «اذهب فأنت أميرهم» الحديث رواه الترمذي وحسنه. وأرشد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى قراءتها في البيوت فقال: «لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان يفر من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة» رواه مسلم. ومعنى الحديث: لا تهجروا القرآن، ولا تهجروا قراءته في البيوت فتجعلوها بمنزلة المقابر، فإن المقابر لا يُشرع فيها قراءة القرآن، وإنما تُزار القبور لتذكر الآخرة، والدعاء لموتى المسلمين لا يُصلى عندها، ولا يُقرأ القرآن فيها ثم نبه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى منفعةٍ من منافع قراءتها في البيوت إضافةً لما في قراءتها من الأجر والثواب، وهو طرد الشياطين من البيوت كانت، وهو طرد الشياطين من البيوت فإن الشياطين تفر من ذكر الله، ولاسيما من قراءة سورة البقرة، فإذا خرجت الشياطين من البيوت كانت بيوتًا معمورة بالذكر والطاعة؛ لأن فرار الشياطين من أسباب العون على الطاعة، ومن أسباب السلامة من كثيرٍ من الشرور والآفات الحسية، والمعنوية. ومن الناس من لا يقرأ سورة البقرة في بيته بل يستبدل ذلك بتشغيل التلاوات المسجلة، وهذا عملٌ فيه نظر بل أفتى بعض أهل العلم بأنه لا يُفيد في طرد الشياطين؛ لأنه لا تجد أحدًا يُتابع هذه القراءة، ولا يُصغي لها بل ربما وجدت أهل البيت في لهوٍ وغفلة بل ربما وجدتهم على بعض المعاصي السمع والبصر في الحال التي تُتلى فيه تلك الآيات الواعظات، والذاكرات الزاجرات، فلنحرص على قراءتها بأنفسنا، ولنربي أزواجنا، وأولادنا على قراءتها، وعمران بيوتنا بآياتها الزاكية لقلوبنا أولًا، وحمايةً لبيوتنا ثانيًا. ومن الآيات ذات الشأن في سورة البقرة آية الكرسي بل في حديث أُبي بن كعبٍ أنها أعظم آيةٍ في كتاب الله على الإطلاق فقد سأله النبي -صلى الله عليه وسلم-: «يا أبا المنذر أتدري أي آيةٍ في كتاب الله معك أعظم أو من كتاب الله معك أعظم؟» قلت: الله لا إله إلا هو الحي القيوم، فضرب في صدري فقال وقال: «ليهنك العلم أبا المنذر» رواه مسلم. ومن قرأ هذه الآية في ليلةٍ لم يقربه شيطانٌ حتى يُصبح، ولا يزال عليه من الله حافظ كما في قصة أبي هريرة -رضي الله عنه- مع الشيطان. ومن الآيات ذات الشأن في هذه السورة الكريمة خواتيم سورة البقرة فعن أبي مسعودٍ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة كافتاه» متفقٌ عليه. والمعنى والله أعلم: أنها تكفيه من كل سوءٍ، وشرٍ في ليلته تلك. وفي صحيح مسلمٍ من حديث ابن مسعودٍ -رضي الله عنه-: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أُعطي هذه الآيات ليلة عُرج به إلى السماء وهو عند سدرة المنتهى» والمقصود بخواتيم سورة البقرة الآيتان الآخرتان منها من قوله -عز وجل-: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ [البقرة:285] إلى قوله: ﴿فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة:286 ]. فاتقوا الله عباد الله، وأكثروا من قراءة القرآن، ومن قراءة سورة البقرة في بيوتكم، وأحرصوا على قراءة خواتيمها إذا أمسيتم، وعلى تلاوة آية الكرسي إذا أمسيتم، وفي دبر كل صلاة، فإن تلاوتها دبر كل الصلوات من أسباب دخول الجنة كما في الحديث الذي رواه ابن السني وحسنه الألباني. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد،، عباد الله إن الله -عز وجل- أنزل القرآن لنتلوا آياته، ونتدبرها، ونعمل بما فيها ابتغاء وجه الله -سبحانه وتعالى- ومرضاته، فمن فعل ذلك كان من السعداء، ومن أعرض عنه فلم يتله، ولم يعمل بما فيه كان من الخاسرين الأشقياء. إن أحوالنا مع القرآن شيءٌ يبعث على الأسى والحزن إلا من رحم الله -عز وجل- فما أكثر انشغالنا عنه بأنواعٍ له، والمُشغلات من متابعة الصحف، والقنوات، وشبكة النت وفضلًا عن غيرها مما استهلكنا فيه كثيرًا من اعمالنا مع قلة نفعٍ، وندرة فائدة، واشتمال أكثرها على الضرر العقدي، والأخلاقي. فعل من وقفةٍ صادقة مع النفوس لنحملها على الحفاظ على وردٍ يوميٍ من كتاب الله -عز وجل- نقرأه ولا نتخلف عنه، نتلوه تتفقه ما فيه، ونُجاهد أنفسنا على العمل بما فيه. فاجعل لنفسك يا عبد الله مقدارًا معينًا من القرآن تتعاهد على قراءته يوميًا حتى تختم القرآن كل فترةٍ من الزمن، وحتى لا تكون من الهاجرين لكتاب الله الذين قال الله -عز وجل- عنهم، وقال الرسول: ﴿يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ [الفرقان:30]. اللهم أيقظ قلوبنا من غفلتها، وأخرجها من سكرتها، وأرزقنا حُسن الاستعداد لآخرتها، والانشغال بما ينفعها في عاجلها، وآجلها. ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار. اللهم اغفر للمؤمتين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.