- العنوان: اجتنبوا السبع الموبقات .
- ألقاها : الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
- المكان: خطبة جمعة في مسجد السعيدي بالجهراء - 9 ربيع الاخر 1433.
خطبة بعنوان ( اجتنبوا السبع الموبقات )
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمد ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد: فإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد –صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. أما بعد: عباد الله لقد أوجب الله تعالى على خلقه طاعته، ووعد من استقام على أمره رضوانه وجنته، ونهاهم عن معصيته، وتوعد من عصاه من سخطه وعقوبته، وقد شاء الله –عز وجل- أن تكون الطاعات على درجات، فليس ثواب الطاعات واحدة، كما شاء أن تكون المعاصي درجات فليس جزاء المعاصي سواء، إذا بعض الذنوب أعظم من بعض، فثمة ذنوب صغائر، وأخرى كبائر، وأشد الذنوب الكبائر، وهي كل ذنب قرن به وعيد بالنار، أو حد في الدنيا، أو لعن، أو نفي إيمان فما كان كذلك فهو من كبائر الذنوب، وما كان دون ذلك فهو من الصغائر، ومن أعظم الكبائر ما أخبر به النبي –صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أبو هريرة –رضي الله عنه- أنه –صلى الله عليه وسلم- قال: «اجتنبوا السبع الموبقات» أي المهلكات، «قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات» متفق عليه. - عباد الله إن الشرك بالله هو الكبيرة الكبرى التي ذكرها النبي –صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث، وهو أعظم من كل كبيرة، وأخطر من أي جريرة، قال –عز وجل-: ﴿إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾[لقمان:13]، وهو الذنب الذي لا يغفره الله لصاحبه إلا بالتوبة، وإن مات من غير توبة كان خالدًا مخلدًا في النار أبدًا، قال سبحانه: ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ﴾[المائدة:72]، وهو الضلال البعيد الذي ليس بعده ضلال كما قال –عز وجل-: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا [النساء:116]، فمن اعتقد إله غير الله أو ربًّا سواه، أو إلهًا معه، أو جعل بينه وبين الله وسائط وشفعاء يدعوهم ويلجأ إليهم فهو مشرك بربه، ﴿وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾[المؤمنون:117] ومن صرف العبادة لغير الله، أو ادعى علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله فهو مشرك، يقول –سبحانه وتعالى-: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾[الأنعام163:162]. - عباد الله فالموبقة الثانية هي السحر وهو نوعان: - أولهما: عقد ورقاء؛ أي قراءات وطلاسم. - والثاني: أدوية وعقاقير تؤثر في بدن مسحور أو قلبه، أو عقله، وكلا النوعين من كبائر الذنوب، وحرام تعلمه وتعليمه، وفعله وممارسته يقول –عز وجل-: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾[البقرة:102]، والسحر كفر بالله تعالى، وأثره جدة خطير، فكم فرق من أسر وشتت من جماعة، وأذهب من عقول، وضيع من جهود، وأفسد من أديان، وأتعب من أبدان، ولذا شدد الشرع الحنيف النكير على من يتعاطاه وأغلظ العقوبة حتى بلغت قتل الساحر فعن بجالة بن عبدة –رضي الله عنه- قال: كتب عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- أن اقتلوا كل ساحر وساحرة، فقتلنا ثلاث سواحر. والقول بقتل السحرة موافق للقواعد الشرعية؛ لأنهم يسعون في الأرض فسادًا، وفسادهم من أعظم الفساد والله لا يحب المفسدين، فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يعمل بالسحر، ولا يتعامل مع السحرة، ولو ادعى أنه يقصد خيرًا، أو يريد شفاء، فالشفاء من عند الله، والله –عز وجل- حرم السحر. - عباد الله ولا يخفَ أن قتل النفس بغير حق أمره عظيم وجرمه جثيم، وهو من أكبر الآثام وأعظم الحرام، ومرتكبه فاسق فاسد، يستحق غضب الله وعقابه، يقول –عز وجل-: ﴿وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾[الإسراء:33]، وشدد العقوبة على قتل النفس المؤمنة عمدًا بغير حق، فقال عز من قائل: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾[النساء:93]، بل الدنيا بأسرها تهون دون قتل نفس مؤمنة بغير حق، فعن البراء بن عازب –رضي الله عنهما- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: «لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق» رواه ابن ماجه. وكما نهى الإسلام عن قتل النفس المؤمنة، فقد نهى عن قتل كل نفس معصومة كنفس الذمي والمعاهد، والمستأمن وتوعد فاعل ذلك بحرمان الجنة، وما ذاك من الإسلام إلا تعظيم لكل نفس بشرية معصومة، فعن عبد الله بن عمر بن العاص –رضي الله عنهما- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عامًا» رواه البخاري. - عباد الله ولما كان الربا كسبًا يفسد الأخلاق والذمم ويدمر الشعوب والأمم، ويجلب التعاسة والشقاء، وينزل النقم والبلاء، ويسلط الأخلاق النفعية، ويخرب العلاقات الاجتماعية، فقد حرمه الإسلام وعده من كبائر الآثام، ومن المهلكات العظام وذمه الله تعالى وتوعد آكليه بالعقوبة والنكال، وبمحق البركة في الأموال، يقول عز من قائل: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ، يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ﴾[البقرة276:275]. وجاء لعن المتعاملين بالربا أخذًا وإعطاءً، وكتابة وشهادة على لسان نبينا –صلى الله عليه وسلم-، فعن جابر –رضي الله عنه- قال: «لعن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، قال: وهم سواء» أخرجه مسلم. وصوره –صلى الله عليه وسلم- بأقبح الصور حين جعل آكل الربا كناكح أمه والعياذ بالله، وأي عاقل يرضى بمثل هذه الفعلة الشنعاء، يقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «الربا ثلاثة وسبعون بابًا أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه» وعند عبد الله بن حنظلة –رضي الله عنه- قال: قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ست وثلاثين زنية» أخرجه أحمد. فكيف يطيب لآكل الربا أكله بعد هذا الوعيد، وكيف يستسيغه بعد هذا الزجر والتهديد، وهل يقوم بهذا المحذور إلا كل جبار عنيد، رضي من الدنيا بالدنية، ولم يتفكر في المصير حين تخرمه الملية، وقاني الله وإياكم من شر المهلكات، و منَّ علينا جميعًا بالعافية, ورزق الطيبات. أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.الخطبة الثانية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد: - عباد الله ومن هذه الموبقات أكل مال اليتيم: ذلك أن اليتيم غالبًا يكون كسير القلب، فقد أباه الذي يحنو عليه ويرعاه فأحاطه الإسلام بالعطف والرعاية والرحمة والعناية، وحث على مراعاة حقه وتربيته، ورغب في عظيم أجر الإحسان إليه وكفالته. فعن سهل بن سعد –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وقال: بأصبعيه السبابة والوسطى، وفرَّج بينهما شيءً» أخرجه البخاري. ومقابل هذا جعل الإسلام التعدي على اليتيم وظلمه وأكل ماله بالباطل وهضمه من المهلكات التي تتبع صاحبها في الدنيا المهانة والعار، وتغمسه في الآخرة في النار. يقول –عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾[النساء:10] - عباد الله ولما كان الإدبار عن الأعداء خلق الخوارين الجبناء فقد حرم الإسلام التولي يوم الزحف، ومقابلة الأعداء بالخور والضعف؛ لأنه يكسر شوكة المسلمين، ويغري الأعداء في المؤمنين، فلا يجوز للمسلم أن يفر أمام عدوه عند تلاحم الصفوف، وتقارع السيوف في الجهاد الإسلامي الصحيح، فإنه من كبائر الذنوب، ومسقطات علام الغيوب، يقول –عز وجل-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَار، وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾[الأنفال16:15]، والمعنى أن الله نهى عن الفرار أمام الكفار إلا في حالتين: - الأولى أن يفر مكيدة لفصل. - والثانية: أن يتحيز إلى فئة أخرى من المسلمين ليعاونهم على عدوهم. - عباد الله والموبقة السابعة التي نهى عنها النبي –صلى الله عليه وسلم- قذف المحصنات المؤمنات الغافلات: وما أكثر ما يقع هذا في الإشاعات التي تنتشر في هذه الأيام وغيرها، أي رمي المؤمنات الحرائر العفيفات بالزنا وهن لا يخطر لهن ببال، وقذف الرجل كقذف المرأة في الحرمة والإثم، وإنما خص المرأة لأن الغالب أن القذف يكون للنساء أكثر؛ ولأن ضرره عليهن أشد، ولهذا شدد الشرع العقوبة على القاذف فقال –عز وجل-: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ، إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾[النور5:4] فإذا كان هذا في القذف في الفاحشة، فكيف بالفاحشة نفسها؟!، فلنكن يا عباد الله على حذر من هذه الموبقات المهلكات التي تلقي بصاحبها في أسفل الدركات، اللهم جنبنا الفواحش ما ظهر من هنا وما بطن، اللهم جنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق، لا يهديني أحسنها إلا أنت، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.