أشراط الساعة / يأجوج ومأجوج
أشراط الساعة / يأجوج ومأجوج
  | , 6790   |   طباعة الصفحة


  • العنوان: أشراط الساعة / يأجوج ومأجوج
  • ألقاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى
  • المكان: خطبة جمعة في مسجد السعيدي بالجهراء 10 صفر 1435هـ

 

الخطبة الاولى :

  عباد الله، لقد ذكر الحق -تبارك وتعالى- في سورة الكهف أن ذا القرنين في طوافه في الأرض بلغ بين السدين، فوجد من دونهما قوما، قوما لا يكادون يفقهون قولا فاشتكى لهم من الضرر الذي يلحق بهم من يأجوج ومأجوج وطلبوا منه أن يقيما بينه وبينهم سدًا يمنع عنهم فسادهم، فاستجاب لطلبهم كما قال تعالى: {ثم أتبع سببا حتى إذا بلغ بين السدين}، [الكهف: 92، 93] قال المفسرون: ذهب متوجهًا من المشرق قاصدًا للشمال، فوصل إلى ما بين السدين، وهما سدان كان معروفين في ذلك الزمان سدان من سلاسل الجبال المتصلة يمنًا ويسارًا حتى تتصل بالبحار بين يأجوج ومأجوج وبين الناس، وجد من دون السدين قوما لا يكادون يفقهون قولا لعجمة ألسنتهم واستعدام أذهانهم وقلوبهم، وقد أعطى الله ذي القرنين من الأسباب العلمية ما فهم به ألسنة أولئك القوم وراجعهم وراجعوه، فاشتكوا إليه ضرر يأجوج ومأجوج، وهما أمتان عظيمتان من بني آدم، فقالوا إن يأجوج ومأجوج مفسدين في الأرض بالقتل وأخذ الأموال وغير ذلك، {فهل نجعل لك خرجا}[ الكهف:94]، أي جعلا ومالا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا، ودل ذلك على عدم اقتدارهم بأنفسهم على بنيان السد، وعرضوا اقتدار ذي القرنين عليهم، فبدلوا لهم أجرة ليفعل ذلك، وذكروا له السبب الداعي وهو إفسادهم في الأرض، فلم يكن ذي القرنين ذا طمع ولا رغبة في الدنيا، ولا تاركا لإصلاح أحوال الرعية بل قصدهم الإصلاح فلذلك فأجاب طلباتهم لما فيها من المصلحة ولم يأخذ منهم أجرة، وشكر ربه على تمكينه واقتداره فقال لهم: {ما مكني فيه ربي خير} [الكهف:95]. أي مما تبذلون لي وتعطونني وإنما أطلب منكم أن تعينني بقوة منكم بأيديكم{ أجعل بينكم وبينهم ردما } [الكهف :95]. أي مانعا من عبورهم كليكم {آتوني زبر الحديد} [الكهف:96]أي: قطع الحديد فأعطوه ذلك {حتى إذا ساوى بين الصدفين}[الكهف:96] أي الجبلين اللذين بنيا بينهما السد قال: {انفخوا} أي أوقدوا إقادًا عظيمًا واستعملوا لها المنافيخ لتشتد فتذيب النحاس، فلما ذاب النحاس الذي يريد أن يلصقه بين قطع الحديد، {قال آتوني افرغ عليه قطرا}[الكهف:96]أي: نحاس مذابا فأفرغ عليه القطر فاستحكم السد استحكامًا هائلاً وامتنع به من وراءه من الناس من ضرر يأجوج ومأجوج {فما استطاعوا أن يظهروه، وما استطاعوا  له نقبا}[الكهف:97]. أي فما لهم استطاعة ولا قدرة على الصعود عليه لارتفاعه ولا على نقبه لإحكامه وقوته، فلما فعل هذا الفعل الجميل، والأثر الجليل أضاف النعمة إلى موليها فقال: {هذا رحمة من ربي}[الكهف:98]. أي من فضله وإحسانه عليه، وهذه حال الخلفاء والصالحين إذا من الله عليهم بالنعم الجليلة أزداد شكرهم وإقرارهم واعترافهم بنعمة الله، {فإذا جاء وعد ربي}[الكهف:98]. أي: الخروج يأجوج ومأجوج جعله أي ذلك السد المحكم المتقن دكا؛ أي دكه وانهدم واستواه هو والأرض { كان وعد ربي حقا}[الكهف:98]. {وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض}[الكهف:99]. أي إن يأجوج ومأجوج إذا خرجوا على الناس من كثرتهم واستيعابهم للأرض كلها يموج بعضهم ببعض، كما قال تعالى: {حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون}[الأنبياء:96]. أي: يسرعون في الإفساد في الأرض، والحدب هو المرتفع ما ارتفع في الأرض، وهذه صفتهم حال خروجهم، وذلك قرب قيام الساعة والنفخ في السور، لذلك قال بعد ذلك سبحانه: {ونفخ في السور فجمعناهم جمعا}[الكهف:99]، فكان خروج يأجوج ومأجوج من علامات الساعة الكبرى، ويأجوج ومأجوج عباد الله أمتان كثيرة العدد وهما من ذرية آدم    -عليه السلام- ثبت في الصحيحين أن النبي-صلى الله عليه وسلم- إن الله تعالى يقول يا آدم، فيقول لبيك وسعديك، ويقول أبعث بعث النار، قال وما بعث النار؟ سيكون من كل ألف تسع مائة وتسع وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة، فحين إذا يشيب الصغير، وتضع كل ذات حمل حملها فقال إن فيكم أمتين ما كانتا في شيء إلا كثرتا يأجوج ومأجوج، وقد أخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن فتح من ردم يأجوج ومأجوج في عصره فتحة صغيرة، كالحلقة التي تكون من الإبهام والتي تليها ففي صحيح البخاري من حديث زينب بنت جحش-رضي الله عنها-: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل عليها يوما فزعا، فقال: لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا، وحلق بإصبعيه الإبهام والذي تليها، قالت زينب: فقلت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال نعم، إذا كثر الخبث"، وخروجهم يقع بعد نزول عيسى-عليه السلام ـ، وهزيمته وقتله للدجال ، ففي صحيح مسلم من حديث النواس بن سمعان -رضي الله تعالى عنه- في حديثه الطويل الذي فيه تفاصيل قصة يأجوج ومأجوج قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم يأتي عيسى بن مريم قوم قد عصمهم الله منه أي: من الدجال، فيمسح عيسى عن وجوههم، ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة، فبينما هم كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى أني قد أخرجت عباد لي لا يدان لأحد بقتالهم، أي: لا يستطيع أحد قتالهم لقوتهم وكثرتهم،  فحرز عبادي على الطور أي: أذهب بعبادي على الطور، ويبعث الله يأجوج ومأجوج، {وهم من كل حدب ينسلون }[الأنبياء:96]، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية، وهي بحيرة عظيمة، فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقول، لقد كان بهذه مرةً ماء، وفي رواية ثم يسيرون؛ حتى ينتهوا إلى جبل الخمر، وهو جبل بيت المقدس فيقولون لقد قتلنا من في الأرض بعد أن يعثون فيها فسادًا، هلما فلنقتل من في السماء، فيرمون نشابهم أي: رماحهم إلى السماء فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دما ابتلاء وفتنة لهم من الله -عز وجل-، ويحصر نبي الله عيسى وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خير من مائة دينار لأحدكم اليوم، فتنة عظيمة وبلاء شديد، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه أن يدعون الله -عز وجل- أن يفرج عنهم، فيرسل الله عليهم أي على يأجوج ومأجوج النغف، وهو دود يكون في أنوف الإبل والغنم في رقابهم، فيصبحون فرسا أي قتلى، كموت نفس واحدة، ثم يهبط الله نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض، فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملئه زهمهم ونتنهم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه مرة أخرى، فيرسل الله طيرا كأعناق البخت فتحملهم، فتطرحهم حيث شاء الله، ثم يرسل الله مطرا  لا يكُنُ منه، أي لا يمنع منه بيت مدر أي بيت طين ولا وبر، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة أي كالمرأة، ثم يقال للأرض أنبتي ثمرتكي، وردي بركتك، فيومئذ تأكل العِصابة من الرمانة، ويستظلون بقحفها، أي يستظلون بقشرتها لعظمتها، ويبارك الله في الرسل أي في اللبن، حتى إن اللِقحة أي الناقة ذات اللبن من الإبل لا تكفي الفئامة أي الجماعة من الناس، واللِقحة من البقر لا تكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لا تكفي الفخذ من الناس، فبينما هم كذلك إذا بعث الله ريحا طيبة، فتأخذهم تحت أباطهم فتقبض روح كل مؤمن، وكل مسلم، ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر، فعليهم تقوم الساعة عباد الله بعد طغيان يأجوج ومأجوج وإفسادهم وعتوهم في الأرض، وإهلاكهم للحرث والنسل يتضرع نبي الله عيسى بن مريم، -عليه السلام- وأصحابه إلى الله ليكشف عنهم ما حل بهم من البلاء والمحن التي لم يجدوا بأنفسهم حيلة ولا قوة لدفعها، فيستجيب الله لهم، فيسلط الله على يأجوج ومأجوج الدود الصغير لما طغوا وتكبروا، أهلكهم الله بمخلوق صغير من مخلوقاته، فيهلكهم، فيصبحون موتا، موتا الجراد بعضهم فوق بعض فتمتلئ الأرض من نتنهم، فيؤذون الناس بنتنِهِم أشد من حياتهم، فيتضرع نبي الله وأصحابه ثانيا، فيرسل طيرا تحملهم وتطرحهم في البحر، ثم يرسل مطرا تغسل آثارهم، ثم يأمر الله لترد بركتها، لترد الأرض بركتها وتنبت ثمارها، فيعم الرخاء وتطرح البركة، فيعيش عيسى ابن مريم وأصحابه على ما ذكرنا وذكر النبي-صلى الله عليه وسلم-في هذا الحديث:" اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن أقول ما تسمعون واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم .  

الخطبة الثانية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد.... عباد الله، يجب على كل مؤمن الإيمان بما جاء في الكتاب والسنة عن السد ويأجوج ومأجوج، ولا عبرة بمن أنكر وجودهم، ووجود السد الذي بناه ذي القرنين بينهم وبين الناس بحجة ظهور دول الكفر المتقدمة في الصناعة، وأن هؤلاء استطاعوا أن يكتشفوا كل ما في الأرض، ولم يتركوا منها شيئا إلا أتوا عليه ولكنهم لم يعثروا على يأجوج ومأجوج، ولم يروا سد ذي القرنين، ولا شك أن هذا قول فاسد؛ لأنه تكذيب صريح لما جاء في كتاب الله، ولما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم-  الذي لا ينطق عن الهوى ومن كذب بشيء جاء في الكتاب والسنة، فقد كفر كما قال تعالى: {وما يجحدوا بآياتنا إلا الكافرون} [العنكبوت: 47] وأما دعواهم أن الأرض اكتشفت كلها ولم يجدوا فيها يأجوج ومأجوج والسد، فهي دعوة باطلة تدل على عجز البشر وقصورهم؛ لأن معرفة جميع بقاع الأرض، والإحاطة بما فيها من المخلوقات لا يقدر عليه إلا الله -عز وجل- الذي أحاط بكل شيء علما، ولا يلزم من عدم رؤيتهم عدم وجودهم؛ لأنه قد يكون الله عز وجل صرف الناس عن رؤية يأجوج ومأجوج ورؤية السد، أو جعل بينهم وبين الناس أشياء تمنع من الوصول إليهم كما حصل لبني إسرائيل حين ضرب الله عليهم التيه في فراسخ قليلة من الأرض فكانوا يدورون هذه المنطقة فلم يطلع الله الناس عليهم حتى انتهى أمد التيه أربعين سنة، والله -سبحانه وتعالى-على كل شيء قدير، وجعل لكل شيء أجلا ووقتا، وكذب به قومك وهو الحق {قل لست عليكم بوكيل} [الأنعام:66]. وقال تعالى: {لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون} [الأنعام:67]. وما عجز الأوائل عن اكتشاف ما اكتشفه المتأخرون إلا لأن الله -عز وجل- جعل كل شيء أجلا عباد الله، إنها أهوال عظيمة وساعات عصيبة أسأل الله العافية من الفتن والبلاء عباد الله إذا تدبرتم ما أنتم فيه من النعم وعدم وقوع الفتن عليكم، فاشكروا الله عليها، واسألوا الله -عز وجل- الثبات، وتذكروا إخوان لكم في الشام واليمن وما هم فيه من البلاء، فأكثروا من الدعاء لهم اللهم احفظ إخواننا في سوريا واليمن، اللهم احفظ إخواننا في سوريا واليمن، اللهم احفظهم يا رب العالمين، اللهم فرج عنهم يا رب العالمين، اللهم اكسوا عارهم واطعم جائعهم ، واشفي مريضهم، وارحم موتاهم يا رب العالمين، ربنا أتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.