- العنوان: أحكام العشر الأول من ذي الحجة مع أحكام الأضحية
- القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى
- المكان: خطبة جمعة في مسجد السعيدي بالجهراء 2 ذي الحجة عام 1435هـ، ونقلت مباشراً على إذاعة موقع ميراث الأنبياء
الخطبة الأولى:
- فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أما بعد... عباد الله، اتقوا الله تعالى واعلموا أن تقوى الله -عز وجل- هي خير زاد يبلغ إلى رضوان الله تعالى، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، واتقوني يا أولي الألباب عباد الله إننا نعيش أيام فاضلة وأزمنة شريفة وموسما مباركا ووقتا هو خير وقت ومغنم للخير والعمل الصالح عباد الله إننا نعيش هذه الأيام، الأيام العشر الأول من شهر ذي لحجة وهي أيام مباركات خصها الله -عز وجل- بخصائص وميزها بميزات وقفة من المؤمن مع خصائص هذه الأيام تجدد النشاط فيه ليقبل بقلبه ونفسه على طاعة الله -عز وجل-، وحسن العبادة وحسن الإقبال عليه عز وجل، فمن خصائص هذه الأيام أن الله -عز وجل- اختارها واصطفاها وجعلها أفضل أيام السنة على الإطلاق والله -جل وعلا- يخلق ما يشاء ويختار، فجعل سبحانه هذه الأيام الأول من شهر ذي الحجة خير الأيام وأفضلها ومن خصائص هذه الأيام وفضائلها أن الله تبارك وتعالى أقسم بها تشريف لها وتعلية من شأنها فقال -سبحانه وتعالى-: {والفجر وليال عشر والشفع والوتر}[الفجر:1، 2] يقول ابن عباس وغيره من المفسرين المراد بالعشر في الآية العشر الأول من شهر ذي الحجة، ومن خصائص هذه الأيام أنها خير أيام العمل الصالح، فما تقرب إلى الله متقربا بعبادة أفضل من التقرب إليه تبارك وتعالى في هذه الأيام الشريفة الفاضلة ففي صحيح البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: " ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه العشر " يعني العشر الأول من شهر ذي الحجة قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء ومن خصائص هذه العشر عباد الله أنها أيام تجتمع فيها أمهات الطاعات ما لم يجتمع فيه من أيام السنة، ففي هذه العشر تجتمع الصلاة والصيام والحج والذبح وغيرها من الطاعات الجليلة والعبادات العظيمة ولا يتأتى اجتماع هذه الطاعات إلا في هذا الوقت الشريف الفاضل ومن خصائصها أن الله تبارك وتعالى جعلها موسما لحج بيت الله الحرام وجعل فيه أيامه العظام ففي هذه العشر يوم التروية وهو اليوم الثامن من شهر ذي الحجة وفيه يصعد الناس على عرافات، وفيه يصعد من مكة على منى ملبين بالحج، وفيها يوم عرفة وهو خير يوم طلعت فيه الشمس فيها يوم النحر وهو أعظم الأيام عند الله كما صح بذلك عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أن قال: " أعظم الأيام عند الله يوم النحر " عباد الله هذه جملة من الخصائص والفضائل لهذا الموسم العظيم الفاضل فماذا قدمنا وسنقدم عباد الله؟ ماذا قدمنا اتجاه هذه الأيام الفاضلة أحالنا مع هذه الأيام سيكون كحالنا مع أيام السنة أأدركنا عباد الله قيمة هذه الأيام وفضلها ومكانتها أم أنها وبقية أيام السنة سواء عباد الله هل ستتحرك قلوبنا في هذه الأيام توبة وإنابة ورجوعا وإقبالا على الله وعلى الطاعات أم ستكون ساكنة جامدة، عباد الله لقد جرت عادة تجار الدنيا ألا يفوتون المواسم العظيمة، بل يستعدون لعا أتم استعداد بجلب البضائع وإحضار السلع وبذل الأوقات وبذل الجهود العظيمة وهذا موسم رابح لتجار الآخرة وحسن الإقبال على الله -عز وجل- فما هو حالنا في هذه الأيام؟ عباد الله يشرع في أيام عشر من ذي الحجة التكبير المطلق وهو في جميع الأوقات من أول دخول شهر ذي الحجة على آخر أيام التشريق لقوله سبحانه: {ليشهدوا منافع لهم ليذكروا اسم الله في أيام معلومات} [الحج:28]وهي الأيام العشر، وقوله -عز وجل-: {واذكروا الله في أيام معدودات} [البقرة:203]وهذه هي أيام التشريق لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله -عز وجل-" رواه مسلم في صحيحه وذكر البخاري في صحيحه تعليقا عن ابن عمر وهريرة -رضي الله عنهما- أنهما كانوا يخرجان إلى السوق في الأيام العشر فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما، وأما تكبير المقيد فيكون في أدبار الصلوات أي بعد الصلوات المفروضة وهذا يبدؤوا من صلاة الصبح يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق، وقد دل على مشروعية ذلك الإجماع كما قال الإمام أحمد وفعل الصحابة -رضي الله عنهم-: اللهم اجعلنا من الطائعين وجنبنا دروب الهالكين أقول ما تسمعون واستغفر الله العظيم لكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.الخطبة الثانية
- الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد... عباد الله مما يشرع للمسلم في هذه العشر المباركة الصدقات بأنواعها وبذل الإحسان وصلة الأرحام والبر بأبوابه الفسيحة ومجالاته الواسعة ومن الأعمال الصالحة التي يشرع للمسلم العناية بها في هذه العشر المباركة وما بعدها من أيام العيد أن يتقرب إلى الله -سبحانه وتعالى- بنحر أضحيته في يوم النحر وهو اليوم العاشر من هذه الأيام تقربا إلى الله وطلبا لثوابه، فإن الحجاج جحاج بيت الله الحرام يتقربون إلى الله في يوم النحر بنحر الهدايا، والمسلمون في البلدان يتقربون إلى الله -جل وعلا- بنحر وذبح الضحايا ولأهمية هذه الأضحية وعظم أجرها اختلف العلماء في حكمها فنص بعضهم على وجوبها ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-، ولكن الصحيح هو قول جمهور العلماء أنها سنة مؤكدة لا ينبغي لقادر وواجد أن يتركها، وأول وقتها بعد صلاة العيد وينتهي وقت الأضحية بغروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، فإن كان قبل ذلك، فهو لا شك أفضل في وقوع الخلاف بين أهل العلم في إجزاء الأضحية في اليوم الثالث عشر، والذي يضحى به بهيمة الأنعام فقط لقوله تعالى: {ولكل أمة جعلنا منسكا ويذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام}[الحج: 34] وبهيمة الأنعام هي الإبل والبقر والغنم من ضأن ومعز وتجزئ الواحدة من الغنم عن الشخص الواحد ويجزئ سبع البعير أو البقرة عن ما تجزئ عنه الواحدة من الغنم لحديث جابر -رضي الله تعالى عنه- قال: " نحرنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة " رواه مسلم، ويشترط بلوغ السن المعتبر شرعا في الأضحية بأن تكون ثنيا إن كان من الإبل أو البقر أو الماعز وجزعًا إن كان من الغنم، فالثني من الإبل ما تم له خمس سنين، الثني من البقر ما تم له سنتان، والثني من الماعز ما تم له سنة، والجزع من الغنم ما تم له نصف سنة، ويشترط كذلك في الأضحية السلامة من العيوب المانعة من الإجزاء وهي المذكورة في حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- حديث البراء -رضي الله وتعالى عنه- قال: قال فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: " أربع لا تجوز في الأضاحي وفي رواية لا تجزئ العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضلعها والكسير التي لا تنقي أي الهزيلة الضعيفة" رواه الخمسة، ويستحب في الأضحية تثليثها كما في قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: "كلوا وادخروا وتصدقوا " رواه مسلم من حديث عائشة -رضي الله عنها-، وقال النبي -عليه الصلاة والسلام -:" كلوا وأطعموا وادخروا " رواه البخاري من حديث سلمة بن الأكوع عباد الله قد جاء في صحيح الإمام مسلم عن نبينا -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: "إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئا" وفي رواية "إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره" رواية فيها الأمر بالإمساك ورواية فيها النهي عن الأخذ من الشعر والأظافر والأمر الأصل فيه للوجوب والنهي الأصل فيه للتحريم، ولهذا عباد الله فإن من أراد أن يضحي فعليه إذا دخلت العشر أن لا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي وهذا حكم خاص بمن أراد أن يضحي أما أهله وأولاده ومن يضحي عنهم فإنهم لا يشملهم ذلك الحكم، وكذلك من كان وكيلا وإن كان موكلا بذبح الأضحية فليس هو صاحبها فإنه لا يشمله النهي ويجوز له الحلق ويخطئ من يظن أن ذلك إحرامًا أو يسميه إحرام بل يجوز له الطيب والإجماع وغير ذلك مما يمنع على المحرم ومن أخذ من المضحين شيئا من شعره أو أظفارهن فإنه يأثم بذلك، وليس عليه كفارة، وإنما عليه الاستغفار ولا يضر ذلك أضحيته فإن أضحيته مجزئة وإنما عليه التوبة والاستغفار، اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم، واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم، ربنا أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وصلى الله وسلم على نبينا محمد.