آفات اللسان
آفات اللسان
  | , 9141   |   طباعة الصفحة


  • العنوان: آفات اللسان.
  • القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
  • المكان: خطبة جمعة في مسجد السعيدي بالجهراء 29 جمادى الأولى عام 1436هـ، ونقلت مباشراً على إذاعة موقع ميراث الأنبياء.

  • الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد،،، فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار أما بعد،، عباد الله، فإن البيان من نعم الله –عز وجل- على العبد  قال –سبحانه وتعالى-: ﴿الرَّحْمَنُ﴾[الرحمن:1] ﴿عَلَّمَ الْقُرْآنَ﴾[الرحمن:2] ﴿خَلَقَ الإِنسَانَ﴾[الرحمن:3] ﴿عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾[الرحمن:4] أي؛ علمه النطق كما قال الحسن البصري-رحمه الله تعالى- فخلق له لسانًا وشفتين وركب له حنجرةً بها يستطيع التعبير عما في نفسه بلا كلافةٍ ولا تعب. ومع عظم المنةِ بنعمة النطق والبيان إلا أنها قد تكون وبالًا على صاحبها حين لا يضبط لسانه بضوابط الشرع كما يجب حتى يكبه في نار جهنم والعياذ بالله. ولما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لمعاذٍ: «أمسك عليك هذا» – يعني؛ لسانك - تعجب معاذٌ وقال : وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به يا رسول الله؟ قال: «ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس على وجوههم في النار إلا حصائد ألسنتهم». فمن آفات اللسان: أن يقع المسلم في الشرك الأكبر الموجب لصاحبه الخلود في النار كمن يدعو غير الله –عز وجل-، ويستغيث بغيره فإن هذه عبادات من صرفها لغير الله فقد جعل لله ندًا وشريكا. ومن آفات اللسان: أن يخرج المسلم بسببه من الإسلام بعد أن كان فيه كمن يستهزئ بالله أو بالرسول -صلى الله عليه وسلم- أو بالدين كما –عز وجل-:﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ﴾[التوبة:65] ﴿لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾[التوبة:66]. ومن آفات اللسان: أن يقع به في الشرك الأصغر كمن يحلف بغير الله تعالى كالحلف بالنبي أو الولي أو الأب والأم والحياة والشرف والأمانة، وكل محلوف به سوى الله تعالى لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك». ومنها أن يقع به في كفر النعمة، وذلك بنسبتها إلى غير الله –عز وجل- باعتبار ذلك الغير سببًا لا خالقًا كنسبة المطر إلى النجوم كما في الحديث القدسي أن الله –عز وجل قال: (من قال مطرنا بنوء كذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب). ومنها أن يقع به في كبيرة من الكبائر التي توجب الحد الشرعي، وذلك بقذف محصن أو محصنة بالزنا والفاحشة، فإنه إن لم يقم الشهادة الشرعية المعتبرة على ذلك، وطالب المقذوف بحقه يجلد ثمانين جلدة كما قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾[النور:4] ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾[النور:5]. ومنها: أن يستعمله في السخرية بالمسلمين، وازدرائهم سواءً بالنطق أو بالإشارة يقول –عز وجل-: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾[الهمزة:1] ثم توعده بالعذاب الأليم فقال: ﴿كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ﴾[الهمزة:4] ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ﴾[الهمزة:5] ﴿نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ﴾[الهمزة:6] ﴿الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ﴾[الهمزة:7] ﴿إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُوصَدَةٌ﴾[الهمزة:8] ﴿فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ﴾[الهمزة:9]. قال ثابت البُناني –رحمه الله تعالى-: تحرقهم إلى الأفئدة وهم أحياء، ثم يقول: لقد بلغ منهم العذاب، ثم يبكي –رحمه الله-. ومن السخرية السخرية بأنساب الناس، والطعن فيها، والسخرية ببلدانهم أو ألوانهم أو فقرهم أو بغير ذلك من الأمور، ومن السخرية ما يفعله الشعراء في المحاورات من الطعن في الأنساب والأحساب الذي هو من فعل أهل الجاهلية. ومن آفات اللسان ومصائبه استعماله طريقًا للفاحشة باستمالة النساء مباشرة أو بالهواتف أو ببرامج الحديثة فإن هذه الفواحش العظيمة إنما تبدأ بالكلام حتى تصل إلى ما تصل إليه والعياذ بالله. ومن آفات اللسان: استعماله في شهادة الزور وهي كل شهادةٍ باطلة وما أكثر اجتراء الناس عليها في هذا الزمان. يقول –عليه الصلاة والسلام-: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؛ الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئًا فجلس اهتمامًا بشأنها وتعظيمًا لذنبها، فقال: ألا وشهادة الزور ألا وشهادة الزور» فما زال يكررها قال الراوي: حتى قلنا ليته سكت أي شفقةً عليه ورحمةً به -صلى الله عليه وسلم-. ومن آفات اللسان: التلاعب بالطلاق والاستهانة بشأنه كمن يجعل الطلاق يمينًا له في كل صغيرٍ وكبير، وخطيرٍ وحقير، وكمن يطلق لاعبًا مازحا، وكمن يطلق في غير العدة الشرعية، وكمن يطلق إضرارًا قال –عز وجل-:  ﴿وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا﴾[البقرة:231] يعني به الطلاق واللعب به، عن الحسن البصري –رحمه الله تعالى- قال: كان الرجل يُطلق ويقو: كنت لاعبا، ويُعتق ويقول: كنت لاعبا، وينكح ويقول: كنت لاعبا. ومن آفات اللسان الطعن في العلماء والأمراء كما تفعله الخوارج والمعتزلة ومن تأثر بهم إذ الطعن في الأمراء يؤدي إلى فساد الدنيا والطعن في العلماء يؤدي إلى فساد الدين وسبيل إصلاح أغلاطهم بالمناصحة السرية لا بالطعن والتشهير. ومن آفات اللسان الوقيعة في الأعراض بالغيبة يقول –عز وجل-: ﴿وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾[الحجرات:12]. عن أنسٍ بن مالك قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : « لما عرج بي مررت بقومٍ لهم أظفار من نحاس، يخمشون وجوههم وصدورهم، قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم» رواه أبو داوود. وليس من الغيبة التحذير من البدع وأهلها نصحًا للمسلمين واتقاءً لشرهم. ومن آفات اللسان المشي بالنميمة لإفساد ذات البين بين الزوجة وزوجها، والابن وأبيه، والصديق وصديقه إن النمام لا يدخل الجنة كما في الحديث «لا يدخل الجنة قتات» أي؛ نمام كما أن النميمة من أسباب عذاب القبر كما في حديث ابن عباس في الصحيحين.  ومن أعظم آفات اللسان وأشدها خطرًا القول على الله بغير علم يقول –عز وجل-: ﴿وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ﴾[النحل:116] ويقول –عز وجل-: مبينًا خطر القول عليه بغير علم: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾[الأعراف:33] عباد الله هذه بعض اللسان ومزالقه، وآفاته المهلكة المردية فاحذروا ألسنتكم حتى لا تكون جسرًا لكم إلى النار أعاذنا الله وإياكم من ذلك. أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
  • الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد،، عباد الله، إن اللسان عظيم الخطر قد يرفع الله بسببه العبد إلى أعلى درجات الجنة، وقد يهوي إلى أبعد دراكات النار والعياذ بالله، فالسعيد من خزن لسانه، وراقب ألفاظه، وتذكر أن ثمة من يحصي عليه كل شيءٍ  وكل ما يخرج منه من شرٍ أو خير ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾[ق:18] لقد كان السلف أشد الناس علمًا بخطر اللسان لذلك قال ابن مسعود –رضي الله عنه-: (ما شيءٌ أحق بطول سجن من اللسان) وعن الأوزاعي قال: كتب إلينا عمر بن عبد العزيز -رحمه الله تعالى- برسالةٍ لم يحفظها غيري وغير مكحولٍ: "قال: أما بعد فإنه من أكثر ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير ومن عد كلامه من عمله قل كلامه فيما لا ينفعه. عباد الله، إن خلاصة سياسة المرء مع لسانه يجب أن تكون على ما أرشد إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت» فإذا لم يكن في كلامك منفعة في دينٍ أو دنيا فالزم الصمت؛ لأنه حينئذٍ سلامة والسلامة لا يعدلها شيء. عن أنسٍ –رضي الله عنه- قال: لقي رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أبا ذر فقال: «يا أبا ذر، ألا أدلك على خصلتين هما أخف على الظهر، وأقل في الميزان من غيرهما» قال: بلى يا رسول الله، قال: «عليك بحسن الخلق، وطول الصمت فو الذي نفسي بيده ما عمل الخلائق مثلهما، وقد تكفل الله لمن حفظ لسانه وفرجه أن يدخله الجنة» فقد روى البخاري عن سهل بن سعدٍ –رضي الله عنه- عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «من يضمن لي ما بين لحييه، وما بين رجليه أضمن له الجنة». اللهم احفظنا، واحفظ ألسنتنا من كل سوء، اللهم اجعل عملنا في رضاك، وأقوالنا في طاعتك، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار اللهم اغفر لنا ولوالدينا اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات وصلى الله وسلم على نبينا محمد.