تذكير المؤمنين والمؤمنات بحقوق الإخوة والأخوات
تذكير المؤمنين والمؤمنات بحقوق الإخوة والأخوات
  | 11530   |   طباعة الصفحة


  • خطبة بعنوان: تذكير المؤمنين والمؤمنات، بحقوق الإخوة والأخوات.
  • القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
  • المكان: خطبة في يوم 28  محرم - عام 1441هـ في مسجد السعيدي.

 
  • الخطبة الأولى:
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيرًا،)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( [آل عمران:102]، )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا( [النساء:1]، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا( [الأحزاب:70-71]. أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كَلَامُ اللهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ. عباد الله: إن الأسرة من الآباء والأمهات والإخوة والأخوات مِن أعظم النعم التي أنعم الله بها على العبد، ومَن أعطي نعمة وجب عليه أداء حقوقها والقيام بواجباتها، وكثيرا ما يتكلم الناس عن حقوق الآباء والأمهات، ولكنهم يغفلون عن حقوق الإخوة والأخوات. فعن المقدام بن معدى كَرِب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله يوصِيكم بأمهاتكم ثم يوصِيكم بأمهاتكم ثم يوصِيكم بآبائكم ثم يوصِيكم بالأقرب فالأقرب). [رواه ابن ماجه وصححه الألباني] فالقيام بحقوق الإخوة والأخوات من صلة التي الرحم التي أمر الله بصلتها، وحرّم قطيعتها، حتى قال ﷺ: ( لا يدخلُ الجنة قاطعُ). [متفق عليه]، والعقوق للأخوة والأخوات مما يعجل الله عقوبته في الدنيا قبل الآخرة، قال ﷺ: (ما مِنْ ذنب أحْرَى أن يُعَجِلَ الله لصاحِبِه العقوبة في الدنيا مع ما يُدَّخرُ له في الآخرة من قَطيعة الرحم والبغي). [رواه الترمذي وأبو داود]. عباد الله: وفي قصة موسى عليه السلام من بر الأخ لأخيه وبر الأخت لأخيها ما يؤكد لنا هذه الحقوق، فأخت موسى تتبعته حتى كانت سببا في إرجاع موسى لأمه حين قالت: (هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون)، وهذا موسى دعا ربه أن يمنّ على أخيه بالنبوة فيكون له ردءا ومعينا، (وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ)، وكان من دعاء موسى عليه السلام :( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ). قال ابن كثير: (ولهذا قال بعض السلف: ليس أحد أعظم مِنَّةً على أخيه، من موسى على هارون، عليهما السلام، فإنه شفع فيه حتى جعله الله نبيًّا ورسولا معه إلى فرعون وملئه). عباد الله: وهذا نبينا يوصي الأخ الكبير بالشفقة والرحمة على الأخ الصغير، ويوصي الصغير باحترام وتوقير وتقدير الكبير، فعن أنس رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: ( لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا ) [رواه الترمذي وصححه الألباني]. وينبغي على العبد أن ينظر في حاجة أخيه وأخته ويتفقد أحاولهما فإن كان أحدهما في حاجة مدّ له يد العون وهذا من أعظم أبواب الصدقة والإحسان، فهو صدقة وصلة، وإن لم يكن في حاجة فلا أقل من صلته بالهدية التي تجمع النفوس وتقرب البعيد وتلين قلوب الإخوة بعضهم على بعض، فعَنْ طَارِقٍ الْمُحَارِبِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ ، فَإِذَا رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَائِمٌ يَخْطُبُ النَّاسَ وَهُوَ يَقُولُ :«يَدُ الْمُعْطِي الْعُليَا ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ ، أُمَّكَ وَأَبَاكَ ، وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ» رواه النسائي. وحق الأخت على الأخ من أعظم الحقوق، فعلى الأخ أن يتفقدها ويرعى شأنها ويكون لها خير معين وناصر، فيروي أهل السير أن الشيماء بنت الحارث، حين وقعتْ في الأَسْر مع بني سعد، قالتْ: يا رسول الله، إني أُختك من الرضاعة، قال: وما علامة ذلك؟ قالتْ: عضة عضضتَنيها في ظهْري وأنا مُتَوركتُك، فعرَفَ رسول الله ﷺ العلامة، فبسطَ لها رداءَه، فأجْلَسَها عليه وخيَّرها، وقال: ((إنْ أحببتِ فعندي مُحَببة مُكرمَة، وإنْ أحببتِ أن أُمتِّعك وترجعي إلى قومك فعلتُ))، فقالتْ: بل تُمتِّعني وتردُّني إلى قومي، فنحلَها غلامًا وجارية، وردَّها إلى قومها، وفي رواية قال لها: ((سَلِي تُعْطَي، واشْفَعَي تُشَفَّعي)). وهذا جابر بن عبدالله لما استشهد أبوه رضي الله عنهما في غزوة أحد كان له تسع أخوات، تزوَّج جابر رضي الله عنه امرأة ثيبا لتقوم عليهم وتحسن إليهن، فقدّم حاجتهن على رغبته، ففي الحديث قال له رسول الله ﷺ: ((تَزَوَّجْتَ؟)) قلتُ: نعم، قال: ((بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟))، قلتُ: بَلْ ثَيِّبًا، قال: ((أفلا جارية تُلاعِبُها وتُلاعِبك))، قلتُ: (إن لي أَخَوَاتٍ فأحببْتُ أنْ أتزوَّجَ امْرأة تَجْمَعهنَّ وتمشطهنَّ، وتقومُ عليهنَّ). وفي رواية: (تُوُفِّيَ وَالِدِي أَوْ اسْتُشْهِدَ وَلِي أَخَوَاتٌ صِغَارٌ فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ مِثْلَهُنَّ فَلَا تُؤَدِّبُهُنَّ وَلَا تَقُومُ عَلَيْهِنَّ فَتَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا لِتَقُومَ عَلَيْهِنَّ وَتُؤَدِّبَهُنَّ). وفي رواية: (إنَّ لي أخوات، فخَشِيتُ أن تدخلَ بَيْنِي وبينهن) رواه الشيخان. وقد جاءت الوصية عن النبي ﷺ برعاية الأخوات وجعل على ذلك الأجر والثواب ودخول الجنات، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ : قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :«لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِي يَعُولُ ثَلاَثَ بَنَاتٍ ، أَوْ ثَلاَثَ أَخَوُاتٍ ، فَيُحْسِنُ إِلَيْهِنَّ ، إِلاَّ كُنَّ لَهُ سِتْراً مِنَ النَّارِ» وقال ﷺ: (من عال ابنتين أو ثلاث بنات أو أختين أو ثلاث أخوات حتى يمتن (وفي رواية: يبن وفي أخرى يبلغن) أو يموت عنهن كنت أنا وهو كهاتين وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى). ومن أعظم أبواب الإحسان إلى الأخوات حفظ حقوقهن في الميراث وأدائه كما أمر به الله تعالى، فمن الناس من لا يتق الله تعالى في ميراث النساء من الزوجات أو الأخوات أو البنات ولا يؤدي حقوقهن، وهذا من أعظم الظلم. ومن الظلم للأخوات عضلها وعدم تيسير أمر زواجها فإذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، أو السعي بعد زواجها لإفساد أسرتها وتطليقها من زوجها لأتفه الأسباب، أو عدم الرضا برجوع أخته لزوجها إذا طلقها وأراد إرجاعها وليس فيه بأس، روى البخاري عن الحسن: في قوله تعالى:{ فلا تعضلوهن } قال حدثني معقل بن يسار أنها نزلت فيه قال زوجت أختا لي من رجل فطلقها حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها فقلت له: زوَّجتك وفرشتك وأكرمتك فطلَّقتها، ثم جئت تخطبها لا والله لا تعود إليك أبدا، وكان رجلا لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فأنزل الله هذه الآية {فلا تعضلوهن}، فقلت: الآن أفعل يا رسول الله. قال: فزوجها إياه. فكونوا عباد الله مصلحين ولا تكونوا مفسدين، فعلى العبد أن يتق الله في أخواته، وعلى الأخت أن تحفظ أخاها في غيبته وعرضه. أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي ولكم، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
  • الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الأَمِينُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً مَزِيدًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى؛ فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ. عباد الله: إن من أعظم المصائب ومن أكبر المحرمات قطيعة الرجل لأخيه أو أخته، وتهاجرهما بل قد يصل الأمر بينهما إلى المعارك والنزاع والمحاكم، وهذا للأسف مما نراه ونسمعه في مجتمعاتنا، فأيها القاطع لرحمه كيف تقابل ربك وما عذرك وما جوابك؟!!. أما تعلم أنك على خطر عظيم، أما تعلم أنك في باب من أبواب غضب الله تعالى، بادر ببذل أسباب الصلاح والاجتماع، تنازل لأجل لمّ شعث أسرتك، واجتماع أخوتك، أيها الأخ الكبير كن كبيرا في عقلك ودينك وأصلح أمرك مع أخوتك، أيها الأخ الصغير احترم أخاك فهو بمنزلة أبيك، اجتهد في تقديره واحترامه، أغلقوا أبواب شياطين الإنس والجن من الذين يدعونكم إلى القطيعة وإفساد ذات البين. فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: (لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث). [رواه مسلم]. وكلما طال الهجر فالإثم أشد، فعن أبي خراش السلمي أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: (من هجر أخاه سنة، فهو كسفك دمه). [رواه أبو داود وصححه الألباني]. وهذه الأحاديث في أخوة الدين وإذا اجتمعت أخوة الدين والنسب كانت القطيعة أعظم وأشد جرما، فإن بينهم رحماً قد أمر الله بصلتها ونهى عن قطعها، واعلموا أنكم بهذه القطيعة يفوت عليكم كثير من أجور أعمالكم، فعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن النبي ﷺ قَالَ: ( تُعْرَضُ الأَعْمَالُ فِى كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ فَيَغْفِرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِى ذَلِكَ الْيَوْمِ لِكُلِّ امْرِئٍ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلاَّ امْرَأً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ ارْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ارْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا). رواه مسلم. فبادر أيها القاطع لرحمك وأيها الهاجر لأخيه أو أخته السنين الطويلة إلى التوبة إلى الله قبل أن تقبل عليه فيحاسبك، اجعل العفو شعارك في هذه الدنيا فهو عزك ورفعتك عند الله وسبب لنيل مرضاة الله، قال تعالى: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُوْلِ اللهِ ﷺ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْداً بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللهُ» رواه مسلم.