حلاوة الإيمان
حلاوة الإيمان
  | 712   |   طباعة الصفحة


  • خطبة بعنوان: حلاوة الإيمان.
  • ألقاها الشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري - حفظه الله تعالى
  • المكان: خطبة في يوم  13 جمادى الأول 1446هـ في مسجد السعيدي بالجهرا.

 
  • الخطبة الأولى
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا). أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كَلَامُ اللهِ تَعَالَى، وخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
  • عباد الله:
لقد شبه الله سبحانه الإيمان بالشجرة في قوله: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ}. والشجرة لها ثمرة، والثمرة لها حلاوة، فكذلك شجرة الإيمان لا بد لها من ثمرة ولا بد لتلك الثمرة من حلاوة. لكن قد يجدها المؤمن وقد لا يجدها، فحلاوة الإيمان هي لذة القلب ونعيمه وسروره وغذاؤه، وهي شيء محسوس يجده أهل الإيمان في قلوبهم، ويحرم منه أهل الفسق والعصيان والبدعة والكفران، فحقيقة معنى حلاوة الإيمان استلذاذ الطاعات وتحمل المشاق، وإيثار ذلك على أغراض الدنيا، ومحبة العبد لله بفعل طاعته وترك مخالفته، وكذلك الرسول صلي الله عليه وسلم. ومن أعظم المنن على العبد أن يحبب الله الإيمان له، ويزينه في قلبه، ويذيقه حلاوته، وتنقاد جوارحه للعمل بشرائع الإسلام، ويبغض الله إليه أصناف المحرمات، كما قال: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ}. ومن أعظم أسباب حصول هذه اللذة كما ثبت في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم، قال: «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يرجع عن دينه، كما يكره أن يقذف في النار». فذكر أصل الإيمان الذي هو محبة الله ورسوله، ولا يَكتفي بمطلق المحبة، بل لا بد أن تكون محبة الله مقدمة على جميع المحاب. وذكر تفريعها بأن يحب لله، ويبغض لله. فيحب الأنبياء والصديقين، والشهداء والصالحين؛ لأنهم قاموا بمحاب الله، واختصهم من بين خلقه. وذكر دفع ما يناقض الإيمان وينافيه، وأنه يكره أن يرجع عن دينه أعظم كراهة، بل أعظم من كراهة إلقائه في النار. وأخبر في هذا الحديث أن للإيمان حلاوة في القلب، إذا وجدها العبد سلته عن المحبوبات الدنيوية، وعن الأغراض النفسية، وأوجبت له الحياة الطيبة. فإن من أحب الله ورسوله لهج بذكر الله فمن أحب شيئا أكثر من ذكره، واجتهد في متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقدم متابعته على كل قول، وعلى إرادة النفوس وأغراضها. من كان كذلك، فنفسه مطمئنة مستلذة للطاعات، قد انشرح صدر صاحبها للإسلام؛ فهو على نور من ربه. فعلامة المحبة الصادقة أن يكون الله ورسوله عند العبد أحب إليه مما سواهما حبًّا قلبيًا، فيميل بكليته إلى الله وحده حتى يكون وحده محبوبه ومعبوده، وإنما يحب من سواه تبعًا لمحبته كما يحب الأنبياء والمرسلين والملائكة والصالحين لما كان يحبهم ربه سبحانه، وذلك موجب لمحبة ما يحبه سبحانه وكراهة ما يكره، وإيثار مرضاته على ما سواه والسعي فيما يرضيه ما استطاع وترك ما يكره. فهذه علامات المحبة الصادقة ولوازمها.
  • عباد الله:
من رضي بهذا الدين وآمن بالله وسيد المرسلين حصلت له من اللذة الإيمانية والحلاوة اليقينية ما لا يجده من هو في ظلمات الجهل والضلال، فعَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ، مَنْ رَضِيَ بِالله رَبًّا، وَبِالإِسْلامَ دِيناً، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً». رواه مسلم. ولو علم المبتعدون عن الدين والاستقامة ما حرموا أنفسهم من هذه اللذة والحلاوة لاجتهدوا غاية الاجتهاد لحصولها وذوقها، كما قال إبراهيم بن أدهم: (لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من السرور والنعيم إذا لجالدونا على ما نحن فيه بأسيافهم أيام الحياة على ما نحن فيه من لذة العيش وقلة التعب)، وقال آخر: (مساكين أهل الدنيا، خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها؟ قيل: وما أطيب ما فيها؟ قال: محبة الله تعالى ومعرفته وذكره). وقال آخر: (إنه لتمر بالقلب أوقات يرقص فيها طرباً). وقال آخر: (إنه لتمر بي أوقات أقول إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب). فهذه هي الحياة الطيبة التي ينالها أهل الإيمان كما قال الرحمن: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ). أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
  • الخطبة الثانية
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي أَرْسَلَهُ رَبُّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ.
  • أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ –عِبَادَ اللهِ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.
  • عباد الله:
استمع معي ما يقول الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية الذي عذب وأوذي في حياته من أهل الباطل والضلال لدعوته للحق ونصرته للسنة حتى مات وهو في السجن رحمه الله، يقول عنه تلميذه العلامة ابن القيم: (سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة. وقال لي مرة: ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري، إن رحت فهي معي لا تفارقني، إنَّ حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة. وكان يقول في محبسه في القلعة: لو بذلت ملء هذه القاعة ذهباً ما عدل عندي شكر هذه النعمة. أو قال: ما جزيتهم على ما تسببوا لي فيه من الخير، ونحو هذا. وكان يقول في سجوده وهو محبوس: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ما شاء الله، وقال لي مرة: المحبوس من حبس قلبه عن ربه تعالى. والمأسور من أسره هواه. ولما دخل إلى القلعة وصار داخل سورها نظر إليه وقال: {فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب}. وعلم الله ما رأيت أحداً أطيب عيشاً منه قط، مع ما كان فيه من ضيق العيش وخلاف الرفاهية والنعيم بل ضدها، ومع ما كان فيه من الحبس والتهديد والإرهاق، وهو مع ذلك من أطيب الناس عيشاً، وأشرحهم صدراً، وأقواهم قلباً، وأسرَّهم نفساً، تلوح نضرة النعيم على وجهه. وكنا إذا اشتد بنا الخوف وساءت منا الظنون وضاقت بنا الأرض أتيناه، فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله وينقلب انشراحاً وقوة ويقيناً وطمأنينة. فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه، وفتح لهم أبوابها في دار العمل، فآتاهم من روحها ونسيمها وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها والمسابقة إليها) انتهى كلامه رحمه الله.
  • عباد الله:
نصيحة لمن كان من أهل الاستقامة وذاق تلك اللذة كيف لك أن تتركها وتذهب مع أهل الفسق بفسقهم، كيف لك أن تركن إلى الدنيا وتترك الآخرة، كيف لك أن تترك لذة العلم وطلبه وتبقى في مجالس الغيبة والجهالة والفراغ، ارجع إلى ربك وحاسب نفسك قبل أن تندم على فرطت من إنعام الله عليك بالاستقامة والهداية. اللهم ثبتنا على دينك.