(مَا يلْفِظُ مِنْ قوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)
(مَا يلْفِظُ مِنْ قوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)
  | 3772   |   طباعة الصفحة


  • خطبة بعنوان: (مَا يلْفِظُ مِنْ قوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ).
  • ألقاها الشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري - حفظه الله تعالى.
  • المكان: خطبة في يوم 21 ربيع الأول 1445هـ في مسجد السعيدي بالجهرا.

 
  • الخطبة الاولى:
  إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،  (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
  • عباد الله:
إِنَّ عَلَى المُسْلِمِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الكَلِمَةَ الَّتِي يَتَكَلَّمُ بِهَا بِلِسَانِهِ شَأْنُهَا عَظِيمٌ،  وَخَطَرُهَا جَسِيمٌ، فَرُبَّ كَلِمَةٍ تَرْزُقُهُ السَّعَادَةَ،  وَرُبَّ كَلِمَةٍ تُورِدُهُ المَهَالِكَ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ» [رَوَاهُ البُخَارِيُّ]. لِذَلِكَ كَانَ لِلِّسَانِ أَثَـرٌ عَلَى جَمِيعِ الأَعْضَاءِ، فَإِمَّا أَنْ يُهْلِكَهَا أَوْ يُنْجِيَهَا؛ فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ: «إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الْأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ [أَيْ: تَخْضَعُ لَهُ]، فَـتَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا، فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ، فَإِنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا، وَإِنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا» [رَوَاهُ التِّـرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ]. وَمَنْ أَرَادَ النَّجَاةَ وَالسَّلَامَةَ، فَلْيَكُفَّ عَلَيْهِ لِسَانَهُ، إِلَّا مِنْ خَيْرٍ يُعْلِي شَأْنَهُ؛ فَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا النَّجَاةُ؟ قَالَ: «أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ]. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ r لِمُعَاذٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَثِيرًا مِنْ أُمُورِ الإِسْلَامِ: «أَلَا أُخْبِرُكَ بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟، قُلْتُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ، قَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ». [رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ].
  • أَيُّهَا الـمُسْلِمُونَ:
لِهَذِهِ الأَحَادِيثِ وَهَذَا الوَعِيدِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى المُسْلِمِ أَنْ يُحَافِظَ عَلَى لِسَانِهِ مِنْ أَنْ يَقُولَ مَا لَا يُرْضِي اللَّهَ تَعَالَى،  وَأَنْ يُدَقِّقَ وَيُعِيدَ النَّظَرَ فِيمَا يَقُولُهُ وَيَتَلَفَّظُ بِهِ؛ فَإِنَّ العَبْدَ أَحْيَانًا يَقُولُ كَلِمَةً لَا يَحْسُبُ لَهَا حِسَابًا،  تَكُونُ عِنْدَ اللهِ جُرْمًا عَظِيمًا، وَإِثْمًا كَبِيرًا؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]. فَعَلَى المُسْلِمِ عِبَادَ اللهِ، أَنْ يَمْلِكَ وَيُمْسِكَ عَلَيْهِ لِسَانَهُ،  وَأَنْ يُحَافِظَ عَلَيْهِ مِنَ الزَّلَلِ وَالخَطَلِ؛ فَإِنَّهُ مَسْؤُولٌ عَنْ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق:18]. وقد تكفّل الرسول r بالجنة لمن حفظ لسانه وفرجه من الولوج في الحرام قولا وفعلا، فَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ). [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
  • عباد الله:
وَلَقَدْ كَانَ السَّلَفُ أَشَدَّ النَّاسِ عِلْمًا بِخَطَرِ اللِّسَانِ؛ لِذَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (مَا شَيْءٌ أَحَقُّ بِطُولِ سِجْنٍ مِنَ اللِّسَانِ)،  وَعَنِ الأَوْزَاعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ قَالَ: كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ رَحِمَهُ اللهُ بِرِسَالَةٍ لَمْ يَحْفَظْهَا غَيْرِي وَغَيْرُ مَكْحُولٍ: (أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّهُ مَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ المَوْتِ رَضِيَ مِنَ الدُّنْيَا بِالْيَسِيرِ،  وَمَنْ عَدَّ كَلَامَهُ مِنْ عَمَلِهِ قَلَّ كَلَامُهُ فِيمَا لَا يَنْفَعُهُ)،  فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي كَلَامِكَ مَنْفَعَةٌ فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا فَالْزَمِ الصَّمْتَ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ سَلَامَةٌ،  وَالسَّلَامَةُ لَا يَعْدِلُهَا شَيْءٌ. فكم هلك إنسان بسبب جرأته على قول الباطل أو تجاسره على خوضه فيما لا يعمله؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ r يَقُولُ: «كَانَ رَجُلَانِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مُتَوَاخِيَيْنِ، فَكَانَ أَحَدُهُمَا يُذْنِبُ، وَالْآخَرُ مُجْتَهِدٌ فِي الْعِبَادَةِ، فَكَانَ لَا يَزَالُ الْمُجْتَهِدُ يَرَى الْآخَرَ عَلَى الذَّنْبِ، فَيَقُولُ: أَقْصِرْ. فَوَجَدَهُ يَوْمًا عَلَى ذَنْبٍ فَقَالَ لَهُ: أَقْصِرْ. فَقَالَ: خَلِّنِي وَرَبِّي، أَبُعِثْتَ عَلَيَّ رَقِيبًا؟! فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ أَوْ لَا يُدْخِلُكَ اللَّهُ الْجَنَّةَ، فَقَبَضَ أَرْوَاحَهُمَا، فَاجْتَمَعَا عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَقَالَ لِهَذَا الْمُجْتَهِدِ: أَكُنْتَ بِي عَالِمًا أَوْ كُنْتَ عَلَى مَا فِي يَدِي قَادِرًا؟! وَقَالَ لِلْمُذْنِبِ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي، وَقَالَ لِلْآخَرِ: اذْهَبُوا بِهِ إِلَى النَّارِ» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَوْبَقَتْ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ].
  • عباد الله:
إِنَّ الأَقْوَالَ الخَاطِئَةَ وَالْمَنَاهِيَ اللَّفْظِيَّةَ وَالَّتِي قَدْ تَصِلُ إِلَى حَدِّ الشِّرْكِ بِاللَّهِ تَعَالَى كَثِيرَةٌ وَعَدِيدَةٌ، بَلْ تَتَجَدَّدُ وَتَتَعَدَّدُ كُلَّمَا ازْدَادَ النَّاسُ جَهْلًا وَابْتِعَادًا عَنْ كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُجَانَبَةً لِأَهْلِ العِلْمِ وَالحِرْصَ عَلَى سُؤَالِهِمْ. فَعَلَى العَبْدِ أَنْ يَتَعَلَّمَ دِينَهُ لِيَلْقَى رَبَّهُ طَاهِرًا مِنَ الشِّرْكِ وَالبِدَعِ وَالذُّنُوبِ؛ فَإِنَّ الإِنْسَانَ مُحَاسَبٌ عَلَى اعْتِقَادَاتِهِ وَأَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، )وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا( [الإسراء:36]. أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
  • الخطبة الثانية
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
  • أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ؛ فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.
  • عِبَادَ اللهِ:
لمّا كان إطلاق اللسان فيما لا يرضي الرحمن سبب عظيم من أسباب حصول الخسران، وجب على أهل الإيمان أن يحذروا الوقوع في معاصي اللسان. فإياكم والألفاظ الشركية، كدعاء غير الله تعالى، والحلف بغير الله، والاستغاثة والاستعانة بالمخلوقين فيما لا يقدر عليه إلا الله، كدعاء المقبورين والأولياء، والالتجاء للسحرة والعرافين والكهان، (إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار).  وإياكم وشهادة الزور والنميمة والغيبة وهي ذكرك أخاك بما يكره، (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ). واحذروا غاية الحذر مما يفرق المجتمعات ويروث البغضاء والخلافات وخصوصا بين الراعي والرعية كالطعن في الولاة على المنابر وذكر مساوئهم في المجالس والمحافل ونشر الشائعات الكاذبة والدعاوى المغرضة، فإن هذا من أسباب خروج الرعية على ولاتهم فتحصل الفوضى ويذهب الأمن والأمان، فالخروج على الولاة سببه الأعظم الخروج باللسان،  فعن أنس بن مالك t  قال: ((أمرنا أكابرنا من أصحاب محمد r أن لا نسب أمراءنا، ولانغشهم، ولانعصيهم، وأن نتقي الله ونصبر فإن الأمر قريب)). عباد الله: إن من أعظم أسباب حفظ اللسان أن تشغله بطاعة الرحمن، فإن ذكر الله تعالى هو الحصن الحصين.