- خطبة بعنوان: وجوب اتباع السنة والأخذ بها.
- ألقاها الشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري - حفظه الله تعالى.
- المكان: خطبة في يوم 24 محرم 1445هـ في مسجد السعيدي بالجهرا.
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].
فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كَلَامُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ
ﷺ، وشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُها، وكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
لقد أنعم الله عز وجل على هذه الأمة ببعثة خير البرية وسيد الخلق والبشرية، فبشرهم وأنذرهم، وهداهم وأرشدهم، إلى ما فيه خير الدنيا والآخرة، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)، فأعلى الله مكانته وأمر باتباعه، وقرن طاعة رسوله بطاعته في كثير من الآيات، قال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ(، وقال سبحانه: ( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ )، فمن أطاع الرسول نال رحمة الله تعالى كما قال: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)، ومن أراد الفلاح فعليه بطاعة الرسول، ( فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )، ومن اتبعه اهتدى ومن تركه ضل وغوى، (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ)، وطاعته سبب لمحبة الله ومغفرته ورضاه، (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ)، ومخالفة الرسول
ﷺ سبب للعذاب والهلاك، )فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
جاءت الأحاديث المتكاثرة عن النبي
ﷺ في وجوب الأخذ بسنته، والعمل بها والتسليم لأوامره والتصديق بأخباره، (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)، وسنته كل ما صح عنه
ﷺ من قول أو فعل أو تقرير، فعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
ﷺ قال: (من أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي). [متفق عليه]، وبين أن الاتباع له من أعظم أسباب دخول الجنة والسلامة من النار، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
ﷺ قَالَ: « كُلُّ أُمَّتِى يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، إِلاَّ مَنْ أَبَى». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى؟!. قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى». [رواه البخاري].
أخبر نبينا
ﷺ عن أقوام يعارضون سنته ولا يأتمرون بأمره ولا يقتدون بفعله، ويُفرقون بين القرآن والسنة، مع أن السنة لا تعارض القرآن فهي مبينة له وموضحة، (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)، والسنة وحي كما أن القرآن وحي، فعن الْمِقْدَامِ بن معديكرب عن رسول اللَّهِ
ﷺ أَنَّهُ قال: (ألا إني أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ معه، ألا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ على أَرِيكَتِهِ يقول: عَلَيْكُمْ بهذا الْقُرْآنِ فما وَجَدْتُمْ فيه من حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وما وَجَدْتُمْ فيه من حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ). [رواه أبو داود وصححه الألباني]، فلا يجوز معارضة سنته بالعقول والأهواء، ولا ردها لقول أحد كائن من كان، فعن عمر بن عبد العزيز رحمه الله قال: «لا رأي لأحد مع سُنة رسول الله
ﷺ)، وقال أحمد بن حنبل: (منْ رَدَّ حَدِيثَ النَّبِيِّ
ﷺ فَهُوَ عَلَى شَفَا هَلَكَةٍ)، وعن أبي قلابة قال: (إذا حدثت الرجل بالسنة فقال دع ذا وهات كتاب الله فاعلم أنه ضال).
إن مِن حفظ الله تعالى لسنة نبينا
ﷺ أن هيأ لها رجالا ونساءً يحملونها إلى من بعدهم، وينقلونها كما جاءت، وعلى رأس هؤلاء أصحاب رسول الله
ﷺ، فهم من حمل لنا هذه السنة، فالواجب معرفة فضلهم والترضي عنهم، فالطعن فيهم طعن في شهودنا إلى رسول الله
ﷺ وهو طعن فيما يروونه وينقلونه إلينا من الدين، وكذا من بعدهم من التابعين وأتباعهم وأئمة الإسلام وأهل الحديث الذين بذلوا الغالي والنفيس، وقطعوا الفيافي والبلدان، وأفنوا الأعمار والأبدان، في حفظها ونقلها، وشرحها وترتيبها وتقريبها، فميزوا لنا الصحيح من الضعيف، والصدق من الكذب، حتى جاءتنا هذه الأحاديث والروايات سهلة بين أيدينا مسطرة مدونة، فجزاهم الله عنا خير الجزاء، فعن زَيْدِ بن ثَابِتٍ قال سمعت رَسُولَ اللَّهِ
ﷺ يقول: (نَضَّرَ الله امْرَأً سمع مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حتى يُبَلِّغَهُ فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إلى من هو أَفْقَهُ منه وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ ليس بِفَقِيهٍ). [رواه أبو داود والترمذي وحسنه].
يجب على كل مسلم أن يحذر من نسبة حديث إلى رسول الله
ﷺ لم يقله من الأحاديث الضعيفة والموضوعة، خصوصا مع سهولة نقل المعلومات عبر وسائل التواصل، فيجب التأكد والسؤال والبحث والتحري قبل نشر المعلومة حتى لا تكون مشاركا في الكذب على رسول الله
ﷺ فتدخل في الوعيد، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
ﷺ: (مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ) [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]، ومن تساهل في ذلك خشي عليه أن يدخل في قوله
ﷺ: (مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِين) [رَوَاهُ مُسْلِمٌ من حديث سمرة رضي الله عنه].
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
فَأُوصِيكُمْ -عِبَادَ اللهِ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.
من العلماء الأخيار وأهل الحديث الكبار -ممن لهم فضل بعد الله تعالى على من بعده لحفظهم صحيح سنة النبي
ﷺ وأخباره وأيامه وسيرته وأقواله-: الإمامان الجليلان صاحبا الصحيح: الإمام البخاري والإمام مسلم رحمهما الله تعالى، فمن حق هذين العالمين ذكرهما بالمعروف والثناء عليهما بالخير، وحفظ مكانتهما ومكانة كتابيهما، فالطعن في الصحيحين علامة على الضلال والانحراف، وهو طعن وتشكيك بسنة النبي
ﷺ، قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: (وَأَصَحُّ مُصَنَّفٍ فِي الْحَدِيثِ بَلْ فِي الْعِلْمِ مُطْلَقًا الصَّحِيحَانِ لِلْإِمَامَيْنِ الْقُدْوَتَيْنِ: أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ البُخَارِيِّ وَأَبِي الْحُسَيْنِ مُسْلِمِ بْنِ الحَجَّاجِ الْقُشَيْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُمَا نَظِيرٌ فِي المُؤَلَّفَاتِ). وَقَالَ أَيْضًا: (اتَّفَقَ العُلَمَاءُ -رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى- عَلَى أَنَّ أَصَحَّ الكُتُبِ بَعْدَ القُرْآنِ العَزِيزِ الصَّحِيحَانِ: البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَتَلَقَّتْهُمَا الأُمَّةُ بِالْقَبُولِ). فاحذر أيها المسلم أشد الحذر من الطاعنين في الصحيحين وغيرهما من كتب السنة، فعلامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر.