صلاة الاستخارة استحبابها وفضلها
صلاة الاستخارة استحبابها وفضلها
  | 3538   |   طباعة الصفحة


  • خطبة بعنوان: صلاة الاستخارة استحبابها وفضلها.
  • ألقاها لشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري - حفظه الله تعالى.
  • المكان: خطبة في يوم 19 شوال 1443هـ في مسجد السعدي بالجهرا.

 
  • الخطبة الأولى:
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،  ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ( [آل عمران:102].
  • أَمَّا بَعْدُ:
فإنَّ من تمام توكل العبد على الله والتجائه لمولاه، أن يسند إلى ربه جميع أموره، ويستخيره في كل ما يقدم عليه أو يتركه مما لم يتضح له فيه الخير من الشر، من أمور الدنيا، فإذا لجأ العبد إلى الله ودعا ربه وسأله وألحّ عليه، أعانه الله للخير، ويسر له طرقه، وصرف عنه الشر، وجنبه مسالكه، (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)، فلا حول للعبد إلا بالله، ولا قوة له إلا بربه، فلا شيء أفضل للعبد من تعلق قلبه بالله، وصرف أموره كلها إليه.
  • عباد الله:
ومما أرشدنا إليه النبي مما ينبغي للمؤمن المحافظة عليه خصوصا في هذا الزمان الذي قلّ من يطبق فيه هذه السنة ويكررها: ألا وهي صلاة الاستخارة، وصفتها أن يصلي ركعتين مثل بقية صلاة النافلة، يقرأ في كل ركعةٍ فاتحة الكتاب وما تيسر من القرآن، ثم يرفع يديه بعد السلام ويدعو بالدعاء الوارد في ذلك، وهذا ما كان يعلمُه أصحابَه في أمورهم كلِّها، من أمور الدنيا كتجارة أو اختيار زوج أو زوجة أو سفر أو غير ذلك مما لا يظهر فيه الخير من الشر، أما أمور العبادات أو الأمور التي فيه الخير واضح لا اشتباه فيه فلا استخارة فيها، فخيرها ظاهر والمسابقة إليها مطلوبة. فعن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: كان رسولُ اللهِ يُعلِّمُ أصحابَه الاستخارةَ في الأمورِ كلِّها، كما يُعلِّم السورةَ من القرآنِ؛ يقول: ((إذا همَّ أحدُكم بالأمرِ فلْيركَعْ ركعتينِ من غيرِ الفريضةِ، ثم لْيقُل: اللهمَّ إني أستخيرُك بعِلمك، وأستقدرُكُ بقُدرتِك، وأسألُك من فَضلِك؛ فإنَّك تَقدِرُ ولا أَقدِرُ، وتَعلمُ ولا أَعلم، وأنت علَّامُ الغيوب، اللهمَّ فإنْ كنتَ تَعلَمُ هذا الأمْرَ- ثم تُسمِّيه بعَينِه- خيرًا لي في عاجلِ أمْري وآجلِه- قال: أو في دِيني ومعاشي وعاقبةِ أمري- فاقْدُرْه لي، ويَسِّره لي، ثم بارِكْ لي فيه، اللهمَّ وإنْ كنتَ تعلمُ أنَّه شرٌّ لي في دِيني ومعاشي وعاقبةِ أمْري- أو قال: في عاجِلِ أمْري وآجِلِه- فاصْرِفني عنه، واقدُرْ لي الخيرَ حيثُ كانَ ثمَّ رضِّني به). [رواه البخاري]. (وإذا كان لا يعرف هذا الدعاء يدعو بما تيسر، يقول: اللهم قدر لي الخير، اللهم يسر لي الخير، اللهم اشرح صدري لهذا السفر إن كان خيرًا، اللهم اشرح صدري لهذا الزواج إن كان خيرًا، يدعو بما يفهم بما يعرف بعد السلام، يرفع يديه ويدعو بعد الصلاة الركعتين). كما قاله سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله. فإن تبين له ما يفعله بعد ذلك فَعَلَهُ، وإن لم يَتبين له الأمر ولم ينشرح صدره بذلك، أعاد الاستخارة مرة أخرى حتى يترجح عنده ما يختاره الله له، وقد ورد عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما كما في صحيح مسلم أنه قال عند همّه بتجديد بناء الكعبة: (إِنِّي مُسْتَخِيرٌ رَبِّي ثَلَاثًا، ثُمَّ عَازِمٌ عَلَى أَمْرِي)، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (ثم إذا قدر له أن يكون الشيء فهذا دليل على أن الله تعالى اختار له أن يكون، وإذا صرف عنه بأي نوع من الصوارف دل على أن الله تعالى اختار له ألا يكون، وأما قول بعض الناس: لا بد أن يرى الإنسان في الرؤية أنه اختير له الإتيان أو الترك، فهذا لا أصل له، لكن بمجرد ما يستخير ثم يهيأ له الفعل أو الترك فإننا نعلم أن الله اختار له ما هو خير، لأنه قد سأل ربه أن يختار له ما هو خير). أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
  • الخطبة الثانية
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ -عِبَادَ اللهِ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ؛ فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.
  • عباد الله:
فليسأل كل منّا نفسه متى رفع يديه إلى ربه، ومتى ألحّ عليه والتجأ بالدعاء إلى مجيب الدعوات، متى بكينا بين يديه في ثلث الليل الآخر نسأله الخير والجنة، ونستعيذ به من الشر والنار، الدعاء -يا عباد الله- من أعظم العبادة، بل هو العبادة كما قاله ، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: عَنِ النَّبِيِّ : «لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللهِ سُبْحَانَهُ مِنَ الدُّعَاءِ» [رواه الترمذي وحسنه الألباني]. والله تعالى لا يخيب سائلا دعاه، عَنْ سَلْمَانَ الفَارِسِي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : عَنِ النَّبِيِّ قَالَ :«إِنَّ اللهَ تَعَالَى حَييٌّ كَرِيْمٌ ، يَسْتَحيِي إَذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْةِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صفْراً خَائِبَتَيْنِ» [رواه الترمذي وصححه الألباني]. وعلى العبد أن يكثر من هذه العبادة، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ : قَالَ رَسُوْلُ اللهِ : «إِذَا سَأَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيُكْثِر فَإِنَّمَا يَسْأَلُ رَبَّهُ» [رواه ابن حبان وصححه الألباني]. وليجتهد في دعاء الله حال الرخاء لينجيه حال الشدة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُوْلُ اللهِ : «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيْبَ اللهُ لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالْكُرَبِ فَلْيُكْثِرِ الدُّعَاءَ فِي الرَخَاءِ» [رواه الترمذي وحسنه الألباني]، فلا تكن يا عبدالله أعجز الناس، فعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجِزَ عَنِ الدُّعَاءِ وَأَبْخَلُ النَّاسِ مَنْ بَخِلَ بِالسَّلاَمِ» [رواه الطبراني في الأوسط وصححه الألباني]. ومن دعا الله تعالى فهو بين إحدى ثلاث كما في حديث أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا قَالُوا إِذًا نُكْثِرُ قَالَ اللَّهُ أَكْثَرُ). [رواه أحمد وصححه الألباني]، لكن العبد يكون بين هذه الثلاث بشرط ألا ييأس ويقول: دعوة الله ولم يَسْتَجب لي، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النبي أَنَّهُ قَالَ: «لاَ يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ». قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الاِسْتِعْجَالُ قَالَ: «يَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لي فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ». [رواه مسلم]. فأكثروا عباد الله من الدعاء، والتجأوا إلى رب الأرض والسماء، لتكونوا من السعداء، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك....