القلوب وعلامات صحتها
القلوب وعلامات صحتها
  | , 1665   |   طباعة الصفحة


  • العنوان: وقفة تأمل / القلوب وعلامات صحتها.
  • القاها: الشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
  • لقاء: في إذاعة القرآن الكريم بدولة الكويت في ذي الحجة عام 1436هـ.

 
  • بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد:
  • فهذه حلقة جديدة مع برنامجنا وقفة تأمل وهذه الوقفة سنجعلها مع القلوب وعلامات صحتها فقلب الإنسان هو ملك أعضائه وجوارحه الأخرى فعن أمره تصدر بصلاحه تصلح وبفساده تفسد لذلك قال صلى الله عليه وسلم كما في حديث بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلُحت صلُح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهو القلب".
  • فالجوارح إن فعلت الطاعة أو المعصية علمنا أنها تصدّق هوى القلب وما يتمنّاه قال صلى الله عليه وسلم: "كُتِب على بن آدم نصيبه من الزنا فهو مدرك ذلك لا محالة فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطى، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدّق ذلك الفرج أو يكذّبه".
  • فاستقامة العبد إذا دليل واضح على سلامة قلبه إلاّ إن كان منافقا قال صلى الله عليه وسلم: "لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه" بل إن عقل الإنسان وتدبّره وتفكّره كله في القلب لذلك قال الله سبحانه وتعالى: (لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ) [46-الحج]. وقال: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) [ 24-محمد]. وقال صلى الله عليه وسلم: "العقل في القلب".
  •  وكذلك ضلال الإنسان إنما هو دليل على ظلمة قلبه وزيغه يقول عزّ وجلّ: (فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [46-الحج]. ويقول عزّ وجلّ: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ) [5-الصف]. وقال سبحانه (وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) [100-الأعراف]. والقلوب سمِّيت قلوبا لأنها تتقلّب وتتغيّر بحسب ما يرد عليها من الفتن والبلاء فإن عاشت في الفساد اسودّت وطمُست وإن وردت عليها الحسنات وردّت الفتن ابيضّت وانشرحت كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم:"تُعرَض الفتن على القلوب عرض الحصير عودا عودا فأيما قلب أُشربها نُكِتت فيه نكتة سوداء، وأيما قلب أنكرها نُكِتت فيه نكتة بيضاء حتى تصير القلوب على قلبين قلب أبيض كالصفى لا تضرّه فتنة مادامت السموات والأرض وقلب أسود مرباد كالكوز مجَخِيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أُشرب من هواه". ولذلك سمّي القلب تقلّباً لتقلّبه وتحوله من حال إلى حال كما قال عليه الصلاة والسلام: "إنما سمّي القلب من تقلّبه إنما مثل القلب مثل ريشة بالفلاة تعلّقت في أصل شجرة يقلّبها الريح ظهرا لبطن". وقال صلى الله عليه وسلم: "لقلب ابن آدم أشدّ تقلّبا من القدر إذا اجتمعت غليانا". وقلوب بني آدم كلها بين أُصُبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرّفه كيف يشاء كما قاله صلوات ربي وسلامه عليه لذلك كان يدعو ربه تعالى ويقول: "اللهم مصرّف القلوب صرّف قلبي إلى طاعتك" ويقول: "يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك" وقد جاء الثناء في كتاب الله سبحانه وتعالى وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم على أصحاب القلوب السليمة العاملة التي سلمت من الشرك ومن البدع ومن الباطل والحسد والمعاصي أصحاب القلوب التي سلَّمت لعبودية ربها حياء وخوفا وطمعا ورجاء وحبا وتصديقا فهو بالتالي سلّم جميع أحواله وأقواله وأعماله ظاهرا وباطنا لله وحده يقول سبحانه وتعالى: (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [88-89-الشعراء]. وقال عن إبراهيم: (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [83-84-الصافات]. وقال تعالى: (مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ) [33-ق]. وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "وأهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكلّ ذي قريب، ومسلم عفيف متعفّف متصدّق ذو عيال" وقال صلى الله عليه وسلم مثنيا على أصحاب تلك القلوب: "أفضل الناس كلّ مخموم القلب صدوق اللسان قالوا: صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب يا رسول الله؟ قال: التقيّ النقيّ لا إثم فيه ولا بغي ولا غلّ ولا حسد". لذلك كان الغنى الحقيقي والذي يتعلّق بالقلب قال صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذرّ أترى كثرة المال هو الغنى قلت: نعم يا رسول الله قال: إنما الغنى غنى القلب والفقر فقر القلب".
  • ولذلك يجب على المسلم أن يتّجه بجميع أعماله القلبية وغيرها لله سبحانه وتعالى ولا يشرك به أحدا سواء كانت أعمال القلوب الواجبة كالإخلاص والتوكّل والمحبّة والصبر والإنابة والرّجاء أو كانت مستحبّة كالرضى والخشوع وفي مقابل ذلك يبتعد عن جميع أدواء القلوب وأمراضها كالكبر والرياء والعُجب والحسد والغفلة والنفاق والفخر والخيلاء وغير ذلك وأصل الأعمال القلبية الواجبة هو الإخلاص لله سبحانه وتعالى في جميع عمله يقول سبحانه وتعالى: (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ) [11-الزمر]. فالعمل لا يُقبل عند الله تعالى إلاّ إذا كان مخلصا لله تعالى متّبعا فيه للنبي صلى الله عليه وسلم وكذلك المحبة فهي أصل دين الإسلام الذي يدور عليه قطب رحاه فبكمالها كمال التوحيد وبنقصها ينقص توحيد الإنسان (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [ 24-التوبة]. وجاء في حديث أنس رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبّ إليه من مما سواهما، وأن يحبّ المرء لا يحبّه إلاّ لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يُقذف في النار". ودليل صدق محبة الله تعالى هو اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم لذلك قال الله سبحانه وتعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) [31-أل عمران].
  • ومن أجمع أنواع العبادات القلبية وأعظمها التوكّل على الله سبحانه وتعالى وذلك لما ينشأ عنه الأعمال الصالحة فإنه إذا اعتمد على الله في جميع أموره الدنيوية والدينية دون كل من سواه صحّ إخلاصه ومعاملته مع الله تعالى يقول عزّ وجلّ: (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [32-المائدة]. ويقول سبحانه وتعالى:( رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) [9-المزمل]. والأدلة الواردة في الكتاب والسنة على أعمال القلوب والحثّ عليها وبيان أهميتها كثيرة جدا فعلى المؤمن أن يعرفها ليعمل بها فإن العمل المقبول لا يأتي إلاّ بالتعلّم الصحيح يقول الله سبحانه وتعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [2-الأنفال]. وقد ذكر أهل العلم مشاهد وعلامات تدلّ على صلاح القلب وتركها يدلّ على فساده.
  • فانظر أيها المستمع إلى هذه العلامات في قلبك أم لا وبها تعرف من أيّ القلوب قلبك فاجتهد بعد ذلك في صلاحه نفعك الله تعالى وتابع على ذلك فكثرة العبادات دليل على صحة القلب كما قال الله سبحانه وتعالى: (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ) [92-التوبة]. فصاحب القلب السليم يتحسّر قلبه على الطاعة التي فاتته فلم يعملها لعذر من الأعذار وكذلك تحرص على الوقت فتعلم أنك مسؤول عن كل لحظة تمرّ عليك في حياتك إن خيرا فخير وإن شرا فشرّ فلا يلومنّ إلا نفسه وصحيح القلب والذي تكون راحته في الصلاة لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أرحنا بها يا بلال" ويقول: "جُعلت قرة عيني في الصلاة". أما الذي يملّ من الصلاة وينقرها نقر الغراب ثم يتسابق إلى الباب هذا إن صلى في المسجد فهذا من أصحاب القلوب المريضة فليعالج نفسه ومن أدلة صلاح القلب وسلامته حرصه على اتباع الكتاب والسنة وتقديم كلام الله وكلام النبي صلى الله عليه وسلم على كل كلام أحد كائن من كان وكذلك من علامات صحة القلوب أنه يؤنبه ضميره إذا فعل معصية ونختم بهذه الآية التي تدل على أن من علامات القلوب الحزن حين ارتكاب المعاصي قال الله سبحانه وتعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [135-أل عمران].
  • جعلني الله وإياكم من أهل القلوب السليمة الصافية وثبّتنا الله وإياكم على السنة يا مقلّب القلوب ثبّت قلوبنا على دينك والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.