- خطبة بعنوان: شهر الله المحرم فضله والحذر من الابتداع فيه.
- ألقاها الشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري - حفظه الله تعالى.
- المكان: خطبة في يوم 3 محرم 1445هـ في مسجد السعدي بالجهرا.
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
إنَّ من رحمةِ اللهِ تعالى بعبادِه أن جَعَل لهم من الأزمانِ ما تَتَضاعف فيه الحسنات، وأرشدَ أهل الإيمان إلى استغلاله بفعل الخيرات والأعمال الصالحات، ونهانا أن نظلم فيها أنفسنا بالخطايا والسيئات، فالسَّعيد من اغتنمها فبادر إلى الخيرِ والحسناتِ، والخاسرُ من فرّط فيها وسَعَى إلى الشرِّ والمنكرات.
ومن هذه الأزمنة المباركة الشهور المحرمة الذي ذكرها الله تعالى في كتابه فقالَ:
)إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ( [التوبة:36]، وهذه الشهور ثلاثة متتالية وهي: ذو القَعدة وذو الحِجَّة ومُحرم، وواحد مستقل وهو شهر رجب، قال قتادة رحمه الله: (إنَّ الظلم في الشهر الحرام أعظم خطيئةً ووزرًا من الظلم فيما سواه).
وها نحن مقبلون على شهر الله المحرم، و قد سمى النبي
ﷺ المحرم: (شهر الله) وأضافه إلى الله مما يدل على شرفه و فضله، وممّا يشرع الإكثار منه من الأعمال الصالحة في هذا الشهر كثرة الصيام، فقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ
ﷺ؛ أَنَّ صِيَامَ شَهْرِ اللهِ المُحَرَّمِ أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
ﷺ: «
أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ» [رواه مسلم]،
وينبغي على المؤمن أن لا يفوته خصوصا صيام يوم عاشوراء، فَهُوَ يَوْمٌ لَهُ فَضِيلَةٌ عَظِيمَةٌ وَحُرْمَةٌ قَدِيمَةٌ، قَدْ صَامَهُ مُوسَى u وَقَوْمُهُ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَصَامَهُ نَبِيُّـنَا
ﷺ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ
ﷺ قَدِمَ الْمدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ. فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ
ﷺ: (مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ؟)، فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، أَنْجَى اللهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ، وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا، فَنَحْنُ نَصُومُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
ﷺ: (فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ)، فَصَامَهُ رَسُولُ اللَّهِ
ﷺ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.
وَقَدْ بَيَّنَ
ﷺ أَجْرَ صِيَامِهِ، وَمَا يُكَفِّرُهُ مِنَ الذُّنُوبِ؛ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ t عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ
ﷺ قَالَ: (صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ). وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنْ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ؟ فَقَالَ: (مَا عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
ﷺ صَامَ يَوْمًا يَطْلُبُ فَضْلَهُ عَلَى الْأَيَّامِ إِلَّا هَذَا الْيَوْمَ، وَلَا شَهْرًا إِلَّا هَذَا الشَّهْرَ) يَعْنِي رَمَضَانَ. [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
وَقَدْ عَزَمَ النَّبِيُّ
ﷺ فِي آخِرِ عُمُرِهِ أَنْ لَا يَصُومَهُ مُفْرَدًا، بَلْ يَضُمَّ إِلَيْهِ يَوْمًا آخَرَ، مُخَالِفًا بِذَلِكَ أَهْلَ الْكِتَابِ فِي صِيَامِهِ، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللهِ
ﷺ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وأَمَرَ بِصِيامِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
ﷺ: (فَإِذَا كَانَ الْعَامُ المُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ صُمْنَا اليَوْمَ التَّاسِعَ)، قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ المُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ
ﷺ.
يوم تصومه يكفر الله عنك ذنوب سنة، ويمر هذا اليوم عليك في السنة مرة واحدة، فإياك إياك أن تكون فيه من المفرطين، والحذر الحذر من عدم صومه بحجة الحر، فصم يا عبدالله يوما شديدا حره ليكون رفعة لدرجاتك يوم القيامة، كان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول: (صلوا في ظلمة الليل ركعتين لظلمة القبور، صوموا يوما شديدا حره لحر يوم النشور، تصدقوا بصدقة لشر يوم عسير).
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.
تنبهوا إلى ما يُنشر من الأحاديث في فضائل وأعمال عاشوراء فإنها كلّها ضعيفة لا تصح إلا ما ورد في الصيام وفضله، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وَكَذَلِكَ قَدْ يَرُوجُ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ يَنْتَسِبُ إِلَى السُّنَّةِ أَحَادِيثُ يَظُنُّونَهَا مِنَ السُّنَّةِ وَهِيَ كَذِبٌ، كَالْأَحَادِيثِ الْمَرْوِيَّةِ فِي فَضَائِلِ عَاشُورَاءَ - غَيْرَ الصَّوْمِ - وَفَضْلِ الْكُحْلِ فِيهِ، وَالِاغْتِسَالِ، وَالْحَدِيثِ، وَالْخِضَابِ، وَالْمُصَافَحَةِ، وَتَوْسِعَةِ النَّفَقَةِ عَلَى الْعِيَالِ فِيهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِي عَاشُورَاءَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَيْرَ الصَّوْمِ) انتهى كلامه رحمه الله.
واحذروا كل الحذر مما يفعل في هذا الشهر من أعداء السنة والدين، من دعاء غير الله تعالى، والشرك به سبحانه، وسب الصحابة الكرام والطعن في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم الطاهرات النقيات رضوان الله عليهم أجمعين، والنياحة والجزع وضرب الخدود وشق الجيوب والتعزي بعزاء الجاهلية، فديننا ينهانا عن ذلك، ولا يجوز لنا المشاركة في شيء من ذلك، ولا أكل الطعام الذي يفعل في تلك المناسبات، ويجب أن يكون الولاء لله، والبراء من أعداء الله.
واجْتَهِدُوا -عِبَادَ اللهِ- فِي طَاعَةِ رَبِّكُمْ، وَتَقَرَّبُوا إِلَيْهِ بِمَا شَرَعَهُ لَكُمْ، وَاسْتَغِلُّوا مَوَاسِمَ الْقُرُبَاتِ بالخيرات والحسنات، تَحُوزُوا الأَجْرَ وَالثَّوَابَ وَالْبَرَكَاتِ.