تنبيه المسلمين لأحكام الصائمين
تنبيه المسلمين لأحكام الصائمين
  | 1648   |   طباعة الصفحة


  • خطبة بعنوان: تنبيه المسلمين لأحكام الصائمين.
  • ألقاها الشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري - حفظه الله تعالى.
  • المكان: خطبة في يوم 2 رمضان 1444هـ في مسجد السعدي بالجهرا.

 
  • الخطبة الأولى:
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،  ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ( [آل عمران:102].
  • أَمَّا بَعْدُ:
فإن من أعظم نعم الله على العبد أن يرزقه إدراك هذا الشهر المبارك، فعلينا استحضار قدْرَ نعْمة الله علينا بالصيام، فإنَّ كثيراً من الناسِ يحرمُوا الصيامَ إمَّا بموتِهِم قبل بلوغِهِ، أو بعجْزهم عنه، أو بضلالهم وإعْرَاضِهِم عن القيام به، فَلْيَحْمدِ الصائمُ ربَّه على نعمةِ الصيامِ التي هي سببٌ لمغفرةِ الذنوب، وتَكْفير السيئاتِ، ورفْعةِ الدرجاتِ، في دارِ النعيم بجوارِ الربِّ الكريم، فأدوا حق هذه النعمة بشكرها بالقول والعمل، وأداء واجبات الصيام وآدابه وسننه، فهي أيام معدودة تمر سريعا بين فائز وخاسر، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيدِ اللهِ رضي الله عنه: أَنَّ رَجُلَينِ مِنْ بَلِىٍّ قَدِمَا عَلَى رَسُوْلُ اللهِ وَكَانَ إِسْلاَمُهُمَا جَمِيعاً، فَكَانَ أَحَدُهُمَا أَشَدَّ اجْتِهَاداً مِنَ الآخَرِ، فَغَزَا الْمُجْتَهِدُ مِنْهُمَا فَاسْتُشهِد ثُمَّ مَكَثَ الآخَرُ بَعْدَهُ سَنَةً ثُمَّ تُوُفِّيَ، قَالَ طَلْحَةُ: فَرَأيتُ فِي الْمَنَامِ: بَينَا أَنَا عِندَ بَابِ الْجَنَّةِ إِذْا أَنَا بِهِمَا فَخَرَجَ خَارِجٌ مِنَ الْجَنَّةِ فَأَذِنَ لِلَّذِي تُوُفِّيَ الآخِر مِنْهُمَا، ثُمَّ خَرَجَ فَأَذِنَ لِلَّذِي اسْتُشْهِدَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيِّ فَقَالَ: ارْجِع فَإِنَّكَ لَمْ يَأَنِ لَكَ بَعْدُ، فَأَصْبَحَ طَلحَةُ يُحَدِّثُ بِهِ النَّاسَ، فَعَجِبُوا لِذَلِكَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُوْلُ اللهِ وَحَدَّثوهُ الْحَدِيثَ فَقَالَ :«مِنْ أَيِّ ذَلِكَ تَعْجَبُونَ؟». فَقَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ! هَذَا كَانَ أَشَدَّ الرَّجُلَينِ اجْتِهَاداً، ثُمَّ استُشْهِدَ وَدَخَلَ هَذَا الآخِرُ الْجَنَّةَ قَبْلَهُ؟ فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ : «أَلَيسَ قَدْ مَكَثَ هَذَا بَعْدَهُ سَنَةً؟». قَالُوا: بَلَى ، قَالَ: «وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَ وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا مِن سَجْدةٍ فِي السَّنَةِ؟». قَالُوا : بَلَى ، قَالَ رَسُوْلُ اللهِ : «فَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ الَّسمَاءِ َوالأَرْضِ». [رواه ابن ماجة وصحح الألباني].
  • عباد الله:
وإن خير ما يستقبل به شهر رمضان التفقه في الأحكام المتعلقة به حتى يؤدي المسلم هذا الركن العظيم على الصفة الشرعية المطابقة لكتاب الله ولسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن العبادات لا تقبل إلا إذا كان العبد فيها خالصا لله وموافقا لهدي رسول الله، قال صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) . لقد فرض الله صوم رمضان على كل مسلم بالغ عاقل قادر رجلاً كان أو امرأة، وينبغي تعويد الصغير على الصيام، ويجب على المسلم أن يُبيّت الصوم الواجب قبل طلوع الفجر، وإذا دخل رمضان وحدث المسلم نفسه عازماً أنه يصوم الشهر كله، فهذا يكفي إن شاء الله، وإن جدد نية الصوم كل ليلة فهو أحسن، وتسحره دليل على نيته، والنية محلها القلب والنطق بها بدعة.
  • عباد الله:
من رحمة الله تعالى أن جعل للمسلم أعذاراً تبيح له الفطر، والصوم له أفضل إذا كان يستطيعه، ومن هؤلاء المريض، الذي يشق عليه الصوم، أما صاحب المرض اليسير فليس بعذر، وكذا المسافر بأي وسيلة كانت إذا كان السفر مسافة قصر، ولم يقصد به التحايل على الصيام. ومن الأعذار الكِبَر الذي يشق معه الصوم مشقة بالغة. وأما بخصوص المرأة فلا يجوز صيام الحائض والنفساء، ويجوز الفطر للمرأة الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو ولديهما.
  • عباد الله:
أما مفطرات الصائم فمنها: الأكل والشرب عمداً، فإن أكل أو شرب ناسياً فليس عليه شيء، وما يلحق بالأكل والشرب كاستعمال الإبر المغذية والأدوية المأكولة أو المشروبة. أما غير المغذية فلا تضر الصائم، ومن المفطرات إخراج المني عمدا بمباشرة أو استمناء، أما لو خرج في النوم احتلاماً فصومه صحيح. ومن المفطرات: الحجامة ومثلها التبرع بالدم. أما خروج الدم من جرح بغير إرادته أو رعاف من أنفه أو إخراج الدم اليسير للتحليل أو خروج الدم من خلع الضرس فهذا كله لا يفطر. وكذلك: تعمد إخراج القيء، أما إن قاء أو رجّع بغير إرادته فلا شيء عليه، ومن أعظم المفطرات كفارةً: جماع الرجل زوجته في نهار رمضان. وينبغي على الصائم إن أشكل عليه شيء من الأمور، أهو من المفطرات أم لا؟ فليؤخره إلى الليل، وليسأل عنه أهل العلم.
  • عباد الله:
من أفطر أو أفطرت بسبب سفر أو مرض أو حيض أو نفاس أو أفطرت الحامل والمرضع فليس عليهم إلا القضاء، ومن أفطر بسبب عذر دائم لا يزول كالكبير أو المريض مرضا لا يرجى شفاؤه منه، فيطعم عن كل يوم مسكيناً، ومن أفطر بسبب الجماع فعليه التوبة والقضاء والكفارة المغلظة وهي: عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
  • الخطبة الثانية
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. أما بعد: فأوصيكم – عباد الله - ونفسي بتقوى الله تعالى؛ فإن تقوى الله خير الزاد ليوم المعاد.
  • عباد الله:
من سنن الصيام المستحبة: السُّحُورُ فقد أمَرَ النبيُّ به فقال: «تَسحَّروا فإن في السحورِ بركةً»، [متفق عليه]. وأثْنَى على سَحُورِ التَّمرِ فقال: «نِعْمَ سَحُورُ المؤمنِ التمرُ»، [رواه أبو داود]. والسُّنَّةُ تأخيرُ السُّحورِ وتعجيلُ الفُطور، والسنَّة أنْ يفطِرَ على رُطَبٍ، فإن عُدِم فتمْر، فإنْ عُدِم فَمَاء، لقول أنسٍ رضي الله عنه: «كان النبيُّ يُفطِرُ قبلَ أن يُصَلِّيَ على رُطباتٍ، فإنْ لَمْ تكنْ رطبات فَتَمَرَات، فإن لم تكن تمرات حَسَا حَسَواتٍ من ماءٍ»، [رواه أحمد وأبو داود والترمذي]. وإذا أفطر قال: (ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله)، وعلى الصائم الحرص على أداء صلاة التراويح كل ليلة، (فمن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)، وعليه الاجتهاد في قراءة القرآن والإكثار من ختمه، والذكرِ والدعاءِ والصلاةِ والصدقة. ففي الصحيحين من حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: كان رسولُ الله أجْوَد الناسِ، وكان أجوَدَ ما يكونُ في رمضانَ حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن. فَلَرَسُولَ الله حينَ يَلقاهُ جبريلُ أجْوَدُ بالْخيرِ من الريحِ المُرسلةِ. اللهم وفقنا لمرضاتك، وأعنا على شكرك وحسن عبادتك ....