فضائل الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما
فضائل الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما
  | 2103   |   طباعة الصفحة


  • خطبة بعنوان: فضائل الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما
  • ألقاها الشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري - حفظه الله تعالى.
  • المكان: خطبة في يوم 11 شعبان 1444هـ في مسجد السعدي بالجهرا.

  خالد بن ضحوي الظفيري   إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
  • أَمَّا بَعْدُ: فيا عباد الله:
لَقَدْ بَعَثَ اللهُ نَبِيَّهُ  فِي خَيْرِ القُرُونِ، وَاخْتَارَ لَهُ مِنَ الأَصْحَابِ أَكْمَلَ النَّاسِ عُقُولًا، وَأَقْوَمَهُمْ دِينًا، وَأَغْزَرَهُمْ عِلْمًا، وَأَشْجَعَهُمْ قُلُوبًا، جَاهَدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ، فَأَقَامَ اللهُ بِهِمُ الدِّينَ، وَأَظْهَرَهُمْ عَلَى جَمِيعِ العَالَمِينَ. وَمَا أَحَدٌ مِنَ الأُمَّةِ عَرَفَ قَدْرَ كِتَابِ اللهِ وَحَفِظَهُ وَعَمِلَ بِكُلِّ مَا فِيهِ وَاعْتَصَمَ بِهِ مِثْلَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ  فَحَمَاهُمُ اللهُ مِنَ الضَّلَالِ وَالشِّرْكِ وَالبِدَعِ وَمَسَاوِئِ الأَخْلَاقِ وَأَلْوَانِ البَاطِلِ، فَكَانُوا كَمَا وَصَفَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه حَيْثُ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ  خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ، ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ، يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ، فَمَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ، وَمَا رَأَوْا سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ سَيِّئٌ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ].
  • عباد الله:
ومن هؤلاء الصحابة الأجلاء، والعلماء والأتقاء، والملوك العدول الأنقياء، أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب القرشي الأموي رضي الله عنه وعن أبيه وعن أمه، وكان له إلى النبي  نسب ومصاهرة، فإنه يلتقي مع النبي  في جده عبد مناف. وأختُه أم حبيبة هي أم المؤمنين رضي الله عنها، ولذا كان بعض السلف يلقبه بخال المؤمنين. ولقد شرح الله صدر هذا الصحابي الجليل للإسلام، فآمن عام الفتح أو في العام الذي قبله، وبذلك نال شرف صحبة النبي ، وهو الشرف الذي لا يدانيه شرف، والفضل الذي لا يعدله فضل، فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه  قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ : «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ» [رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]، فمعاوية رضي الله عنه داخل في جميع النصوص الدالّة على فضل الصحبة وعلو شأنها ومكانة أصحابها –رضي الله عنهم أجمعين-، قال رجل: للمعافى بن عمران: عمر بن عبد العزيز أفضل من معاوية، فغضب وقال: (لا يقاس أحد بأصحاب النبي ، معاوية صاحبه وصهره وكاتبه وأمينه على وحي الله عز وجل). وقد سئل عبد الله بن المبارك: أيهما أفضل: معاوية بن أبي سفيان، أم عمر بن عبد العزيز؟ فقال: (والله إن الغبار الذي دخل في أنف معاوية مع رسول الله  أفضل من عمر بألف مرة، صلى معاوية خلف رسول الله ، فقال: سمع الله لمن حمده، فقال معاوية: ربنا ولك الحمد. فما بعد هذا؟). وحظي هذا الصحابي الجليل بدعوات مباركة من النبي صلى الله عليه وسلم إذ دعا له فقال: (اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا وَاهْدِ بِهِ). [رواه الترمذي من حديث عبدالرحمن بن أبي عميرة وصححه الألباني]. وعن العرباض بن سارية قال: سمعت رسول الله قال: (اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب) [رواه أحمد وصححه الألباني]، فتأمل هذه الأدعية من النبي الصادق المصدوق وأن أدعيته لأمته لا سيما أصحابه مقبولة غير مردودة؛ تعلم أن الله تعالى استجاب لرسول الله  هذا الدعاء لمعاوية رضي الله عنه لجعله هاديا للناس مهديا في نفسه، وكفى بهذا منقبة ومزية.
  • عباد الله:
ولقد كان معاوية رضي الله عنه محل ثقة النبي حتى جعله كاتباً للوحي وأميناً عليه، وقد قال رسول الله  لابن عباس –رضي الله عنهما-: (اذْهَبْ فَادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ) قَالَ: وَكَانَ كَاتِبَهُ، فَسَعَيْتُ فَأَتَيْتُ مُعَاوِيَةَ، فَقُلْتُ: أَجِبْ نَبِيَّ اللَّهِ  فَإِنَّهُ عَلَى حَاجَةٍ. [رواه أحمد]. وعن عبد الله بن عمرو –رضي الله عنهما- قال: (كان معاوية رحمه الله كاتبا لرسول الله ) [رواه الآجري في الشريعة]. وقد جاهد مع رسول الله وشهد معه غزوة حنين وتبوك، وبعد موت النبي انطلق معاوية مجاهداً في سبيل الله فولاه أبو بكر الصديق رضي الله عنه لثقته به ورضاه عنه ولاية بعض جيوش الشام ففتح الله على يديه بيروت وصيدا وغيره. وفي زمن عمر الفاروق رضي الله عنه ولاه الأردن ثقة به وبدينه وعدالته وصلاحيته لهذه الأمانة، وقد بقي أميراً عليها حتى مات عمر، وفتح الله على يديه في زمنه قيسارية بعد جهاد عظيم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وَعُمَرُ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِأَحْوَالِ الرِّجَالِ، وَأَحْذَقِهِمْ فِي السِّيَاسَةِ، وَأَبْعَدِ النَّاسِ عَنِ الْهَوَى، لَمْ يُولِّ فِي خِلَافَتِهِ أَحَدًا مِنْ أَقَارِبِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ يَخْتَارُ لِلْوِلَايَةِ مَنْ يَرَاهُ أَصْلَحَ لَهَا ; فَلَمْ يُوَلِّ مُعَاوِيَةَ إِلَّا وَهُوَ عِنْدُهُ مِمَّنْ يَصْلُحُ لِلْإِمَارَةِ). وفي زمن عثمان ولاه عثمان الشام كلها لِما رأى من حسن سياسته وإدارته وحزمه وحلمه وعدله وفضله، وعندما ولي معاوية الشام كانت سياسته مع رعيته من أفضل السياسات، وكانت رعيته تحبه ويحبهم، قال قبيصة بن جابر: (ما رأيت أحداً أعظم حلماً، ولا أكثر سؤدداً، ولا أبعد أناة ولا ألين مخرجا ولا أرحب باعاً بالمعروف من معاوية).
  • عباد الله:
لقد حسن بلائه رضي الله عنه في سبيل الله،  فغزا البحر في زمن عثمان وفتح قبرص وغيرها من الجزر في بلاد الروم، فكان معاوية أول من غزا البحر في سبيل الله من هذه الأمة، وبذلك نال وعد النبي بالجنة لأول من يغزو البحر من هذه الأمة. ففي البخاري عن أم حرام عن النبي أنه قال: (أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ الْبَحْرَ قَدْ أَوْجَبُوا)، قَالَتْ أُمُّ حَرَامٍ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا فِيهِمْ. قَالَ: (أَنْتِ فِيهِمْ...). ثم ولي الخلافة واجتمعت عليه الكلمة حين تنازل له الحسن بن علي رضي الله عنهما عام الجماعة، واستمر في جهاده فامتدت الفتوح في زمنه شمالاً حتى بلغت عاصمة الروم، وشرقا حتى جاوزت كابل، وغربا حتى وصلت جيوشه تونس وما وراءها، فرضي الله عنه وأرضاه. وساس خلافته بعدله وحلمه، وتقواه وورعه، ولهذا كثر ثناء علماء السلف من الصحابة والتابعين عليه، فقد شهد له ابن عباس رضي الله عنهما بالفقه، وعن مجاهد قال: (لو رأيتم معاوية لقلتم هذا المهدي)، وقال الزهري: (عمل معاوية بسيرة عمر بن الخطاب سنين لا يخرم منها شيئاً)، وعن الأعمش أنه ذكر عنده عمر بن عبد العزيز وعدله، فقال: (فكيف لو أدركتم معاوية؟ قالوا: يا أبا محمد يعني في حلمه؟ قال: لا والله بل في عدله)، وقال قتادة: (لو أصبحتم في مثل عمل معاوية لقال أكثركم: هذا المهدي). أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
  • الخطبة الثانية
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي أَرْسَلَهُ رَبُّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ.
  • أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ –عِبَادَ اللهِ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ. مَعَاشِرَ المُسْلِمِينَ: إِنَّ لِصَحَابَةِ رَسُولِ اللهِ  عَلَيْنَا كَثِيرًا مِنَ الحُقُوقِ، الَّتِي يَجِبُ عَلَيْنَا أَدَاؤُهَا، فَمِنْ حُقُوقِهِمْ: التَّلَقِّي عَنْهُمْ وَحُسْنُ التَّأَسِّي بِهِمْ فِي العِلْمِ وَالعَمَلِ، وَالدَّعْوَةِ وَالأَمْرِ وَالنَّهْيِ. وَمِنْ حُقُوقِهِمْ: التَّرَحُّمُ عَلَيْهِمْ وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمْ؛ تَحْقِيقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: )وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ( [الحشر:10].  وَمِنْ حُقُوقِهِمْ: الكَفُّ عَنِ الخَوْضِ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ مِنْ خِلَافٍ، وَاعْتِقَادُ أَنَّهُمْ مُجْتَهِدُونَ مُثَابُونَ، فَالمُصِيبُ لَهُ أَجْرَانِ، وَالمُخْطِئُ لَهُ أَجْرٌ، وَخَطَؤُهُ مَغْفُورٌ لِاجْتِهَادِهِ. وَمِنْ حُقُوقِهِمْ: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَتَوَلَّاهُمْ، وَنُحِبَّهُمْ، وَنَتَرَضَّى عَنْهُمْ، وَنُنْزِلَهُمْ مَنَازِلَهُمْ، فَإِنَّ مَحَبَّتَهُمْ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ، وَحُبَّهُمْ دِينٌ وَإِيمَانٌ وَقُرْبَةٌ إِلَى الرَّحْمَنِ، وَبُغْضَهُمْ عِصْيَانٌ وَطُغْيَانٌ؛ فَهُمْ حَمَلَةُ هَذَا الدِّينِ، فَالطَّعْنُ فِيهِمْ طَعْنٌ فِي الدِّينِ كُلِّهِ، قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: «إِذَا رَأَيْتَ رَجُلًا يَذْكُرُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ بِسُوءٍ فَاتَّهِمْهُ عَلَى الإِسْلَامِ»، وَقَالَ الإِمَامُ أَبُو زُرْعَةَ-رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -: «إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يَنْتَقِصُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ زِنْدِيقٌ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الرَّسُولَ عِنْدَنَا حَقٌّ، وَالقُرْآنَ حَقٌّ، وَإِنَّمَا أَدَّى إِلَيْنَا هَذَا القُرْآنَ وَالسُّنَنَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ ، وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ أَنْ يَجَرِّحُوا شُهُودَنَا لِيُبْطِلُوا الكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، وَالجَرْحُ بِهِمْ أَوْلَى، وَهُمْ زَنَادِقَةٌ».