- خطبة بعنوان: وجوب الإيمان برسل الله وأنبيائه، وفيها التحذير من بدعة الاحتفال بالإسراء والمعراج.
- ألقاها الشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري - حفظه الله تعالى.
- المكان: خطبة في يوم 26 رجب 1444هـ في مسجد السعدي بالجهرا.
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
عباد الله: إن من أركان الإيمان بالله تعالى، أن تؤمن بأنبيائه ورسله، ويكون بالتصديق الجازم بأن الله قد بعث في كل أمة رسولا يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، والكفر بما يعبد من دونه. وأن جميعهم صادقون مُصدَّقون بارُّون راشدون كرام بررة أتقياء أمناء هداة مهتدون. وأنهم بلغوا رسالات الله جميعا. وأن الله اتخذ إبراهيم خليلا، واتخذ محمدا خليلا، وكلم موسى تكليما، ورفع إدريس مكانا عليا، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، عليهم الصلاة والسلام أجمعين.
وأن الله فضل بعضهم على بعض، وأن محمد
ﷺ سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر. وأن دعوتهم من أولهم إلى آخرهم اتفقت في أصل الدين، وهو توحيد الله تعالى بألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، فجميع الأنبياء والرسل مسلمون لله رب العالمين، قال تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ). وقال تعالى عن نوح: (وأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ). وقال تعالى عن موسى: (يا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ)، وقال تعالى عن سليمان على لسان بلقيس: (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ). وعدد الرسل: ثلاثمائة وخمسة عشر. والأنبياء: مائة وأربعة وعشرون ألفًا.
وقد سمى الله تعالى لنا جملة منهم، كآدمَ، ونوحٍ، وإدريسَ، وهودٍ، وصالحٍ، وإبراهيمَ، وإسماعيلَ، وإسحاقَ، ويعقوبَ، ويوسف، ولوطٍ، وشعيبٍ، ويونسَ، وموسى، وهارونَ، وإلياسَ، وزكريا، ويحيى، واليسع، وذي الكفل، وداود، وسليمان، وأيوب، وذكر الأسباط جملة، وعيسى ومحمد صلى الله وسلم عليهم أجمعين.
وقص علينا من نبئهم وأخبارهم ما فيه كفاية وعبرة وعظة: (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً)، فنؤمن بجميعهم تفصيلا فيما فصل الله، وإجمالا فيما أجمل الله.
ونؤمن بأن جميع الرسل والأنبياء بشر مخلوقون ليس لهم من خصائص الربوبية شيء. ونؤمن بأنهم من عباد الله أكرمهم الله بالرسالة، ووصفهم بالعبودية في أعلى مقاماتهم، وفي سياق الثناء عليهم قال تعالى: (قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَعلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).
ونؤمن بأن الله تعالى ختم الرسالات برسالة محمد
ﷺ فأرسله إلى جميع الثقلين: الإنس والجن، (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ). فلا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم، فمن ادعى بعده النبوة كفر، قال الله تعالى: (وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ)، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي
ﷺ قال: " فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون".
وأخبر تعالى أنه أخذ العهد على النبيين إن أدركوا زمن نبينا محمد
ﷺ أن يتبعوه، وفي هذا دليل واضح على أن رسالته صلى الله عليه وسلم خاتمة الرسالات، وأنها ناسخة لكل رسالة مضت، قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ * فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).
وقد بشر الرسل – صلوات الله وسلامة عليهم أجمعين- برسالة محمد صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ)، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله
ﷺ: "والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار). فمن كذب برسالة محمد
ﷺ فقد كفر بجميع الرسل حتى برسوله الذي يزعم أنه مؤمنٌ به متبعٌ له، قال تعالى: (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ)، فجعلهم مكذبين لجميع الرسل مع أنه لم يسبق نوحًا رسولٌ. ومن كذب برسالة أحد من الأنبياء والمرسلين فقد كفر، هذا هو عباد الله معتقد أهل السنة والجماعة في الإيمان بالرسل، فتمسكوا به تكونوا من الناجين. أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
فيا عباد الله: لقد أجمع السلف الصالح على أن اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية من البدع المحدثة التي نهى عنها
ﷺ بقوله: (إياكم ومحدثات الأمور, فإن كل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة). فالاحتفال بليلة الإسراء والمعراج بدعة محدثة لم يفعلها الصحابة والتابعون، ومن تبعهم من السلف الصالح، وهم أحرص الناس على الخير والعمل الصالح. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ولا يعرف عن أحد من المسلمين أنه جعل لليلة الإسراء فضيلة على غيرها، ولا كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان يقصدون تخصيص ليلة الإسراء بأمر من الأمور ولا يذكرونها، ولهذا لا يعرف أي ليلة كانت". وإن كان الإسراء من أعظم فضائله صلى الله عليه وسلم ومع هذا فلم يشرع تخصيص ذلك الزمان بعبادة شرعية، قال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله: "وهذه الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج لم يأت في الأحاديث الصحيحة تعيينها، وكل ما ورد في تعيينها فهو غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم بالحديث، ولله الحكمة البالغة في إنساء الناس لها، ولو ثبت تعيينها لم يجز للمسلمين أن يخصوها بشيء من العبادات، ولم يجز لهم أن يحتفلوا بها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم لم يحتفلوا بها، ولم يخصوها بشيء، ولو كان الاحتفال بها أمرًا مشروعًا لبينه الرسول
ﷺ للأمة، إما بالقول أو الفعل، ولو وقع شيء من ذلك لعرف واشتهر، ولنقله الصحابة رضي الله عنهم إلينا)). فاللهم أصلح أحوال المسلمين، وجنبنا البدع والمحدثات في الدين...