الكسوف والخسوف آيات يخوف الله بهما عباده
الكسوف والخسوف آيات يخوف الله بهما عباده
  | 1335   |   طباعة الصفحة


  • خطبة بعنوان: الكسوف والخسوف آيات يخوف الله بهما عباده.
  • ألقاها الشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري - حفظه الله تعالى.
  • المكان: خطبة في يوم 3 ربيع الثاني 1444هـ في مسجد السعدي بالجهرا.

 
  • الخطبة الاولى
  إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،  ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ( [آل عمران:102].
  • أَمَّا بَعْدُ: عباد الله:
لا زالت آيات الله تعالى الكونية والشرعية تمر على العباد يرونها بأعينهم أو يسمعونها بآذانهم فمنهم من تثمر له خوفا وخشية وإنابة وتوبة، ومنهم من تزيده إعراضا وعنادا، وكفرا وطغيانا وبعدا، فكن أيها العبد لله طائعًا وعند آياته خاشعا، ومن تلك الآيات البينات والدلائل القاهرات، آية الكسوف للشمس أو الخسوف للقمر، فتلك آية عظيمة يفزع منها أهل الإيمان فتزيدهم خوفا من الله الواحد القهار، قال تعالى: ﴿ وَما نُرسِلُ بِالآياتِ إِلَّا تَخويفًا﴾، قال قتادة: (إن الله خوف الناس بما يشاء من آياته لعلهم يعتبرون ويذكرون ويرجعون). وهذا ما ذكر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وأمته حين حصل الكسوف للشمس في حياته، فقد قال: (إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُخَوِّفُ بِهَا عِبَادَهُ). بل إنه قد فزع فزعا شديدا، فعَنْ أَبِى بَكْرَةَ قَالَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْمَسْجِدِ ، وَثَابَ النَّاسُ إِلَيْهِ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ، فَانْجَلَتِ الشَّمْسُ. وقد قال صلى الله عليه وسلم في تلك الخطبة مذكرا العباد بالآخرة والمعاد: (وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَلَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ). فهذا يا عباد الله حال أهل الإيمان أما ما نراه ونسمعه من غفلة عن تلك الآيات وعدم دخول الخوف في القلب عند الخسوف والكسوف فهو حال أهل الإعراض ودليل على ضعف الإيمان وهو كما قال من قال من أهل الكفران عند رأيتهم لعلامات العذاب، ﴿ وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا ﴾ أي: قطعًا من العذاب تنزل من السماء،﴿ يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ ﴾، وعاد لَما رأوه عارضًا مستقبلًا أوديتهم، ﴿ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا ﴾ ، وفي الوقت الحاضر إذا رأوا هذه العقوبات يقولون: هذا أمر طبيعي.
  • عِبَادَ اللهِ:
لقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته الجنة النار، وحذر من أعمال أهل النار تورد العبد إلى النار وتهلكه، ومن ذلك الزنا تلك الخطيئة العظيمة والكبيرة الجسيمة، فقد قال في خطبته تلك: (يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ إِنْ مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرَ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَزْنِىَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِىَ أَمَتُهُ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ)، فاتقوا الله تعالى في الأعراض ولا تقربوا الفواحش وأسبابها من الخلوة ولمس الأجنبية والكلام مع هن، ومع وسائل التواصل تسهلت طرق الفاحشة، فكان الصبر عنها والبعد عن أسبابها من الجهاد العظيم. وأخبر في تلك الخطبة عن فتنة القبر وما يحصل للعبد في قبره، فقد قال: « مَا مِنْ شيء كُنْتُ لَمْ أَرَهُ إِلاَّ قَدْ رَأَيْتُهُ في مَقَامِي هَذَا حَتَّى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ ، وَلَقَدْ أُوحِىَ إِلَىَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ في الْقُبُورِ مِثْلَ - أَوْ قَرِيبًا مِنْ - فِتْنَةِ الدَّجَّالِ - لاَ أَدْرِى أَيَّتَهُمَا قَالَتْ أَسْمَاءُ - يُؤْتَى أَحَدُكُمْ فَيُقَالُ لَهُ مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ - أَوِ الْمُوقِنُ لاَ أَدْرِى أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ - فَيَقُولُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى ، فَأَجَبْنَا وَآمَنَّا وَاتَّبَعْنَا . فَيُقَالُ لَهُ نَمْ صَالِحًا، فَقَدْ عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُوقِنًا. وَأَمَّا الْمُنَافِقُ - أَوِ الْمُرْتَابُ لاَ أَدْرِى أَيَّتَهُمَا قَالَتْ أَسْمَاءُ - فَيَقُولُ لاَ أَدْرِى، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ » [متفق عليه]. وأخبر أنه رأى عمرو بن لحي الخزاعي في النار يجر فيها أمعاءه لأنه كان سببا في نشر الشرك وإحيائه في جزيرة العرب وهو الذي غيّر دين إبراهيم، فقال صلى الله عليه وسلم: « رَأَيْتُ في مقامي هَذَا كُلَّ شيء وُعِدْتُمْ حَتَّى لَقَدْ رأيتُني أُرِيدُ أَنْ آخُذَ قِطْفًا مِنَ الْجَنَّةِ حِينَ رأيتموني جَعَلْتُ أَتَقَدَّمُ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا حِينَ رأيتموني تَأَخَّرْتُ وَرَأَيْتُ فِيهَا ابْنَ لُحَىٍّ وَهُوَ الَّذِى سَيَّبَ السَّوَائِبَ». وبين أن من أسباب دخول النار عدم الرحمة بالحيوان، فقد قال: (وَعُرِضَتْ عَلَىَّ النَّارُ فَرَأَيْتُ فِيهَا امْرَأَةً مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ تُعَذَّبُ في هِرَّةٍ لَهَا رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ)، فلا يحقرن العبد سيئة وذنبا وخصوصا ما كان فيه ظلما للغير فهذه دخلت النار في هرة، فكيف بمن يؤذي عباد الله من المسلمين والمؤمنين. ولأجل عرض الجنة عليه والنار في صلاته رآه الصحابة تقدم في صلاته وتأخر، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ شيء تُوعَدُونَهُ إِلاَّ قَدْ رَأَيْتُهُ في صلاتي هَذِهِ لَقَدْ جيء بِالنَّارِ وَذَلِكُمْ حِينَ رأيتموني تَأَخَّرْتُ مَخَافَةَ أَنْ يصيبني مِنْ لَفْحِهَا وَحَتَّى رَأَيْتُ فِيهَا صَاحِبَ الْمِحْجَنِ يَجُرُّ قُصْبَهُ في النَّارِ كَانَ يَسْرِقُ الْحَاجَّ بِمِحْجَنِهِ (أي عصاه) فَإِنْ فُطِنَ لَهُ قَالَ إِنَّمَا تَعَلَّقَ بِمِحْجَنِي. وَإِنْ غُفِلَ عَنْهُ ذَهَبَ بِهِ وَحَتَّى رَأَيْتُ فِيهَا صَاحِبَةَ الْهِرَّةِ الَّتِي رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا ثُمَّ جيء بِالْجَنَّةِ وَذَلِكُمْ حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَقَدَّمْتُ حَتَّى قُمْتُ في مَقَامِي وَلَقَدْ مَدَدْتُ يَدِى وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَتَنَاوَلَ مِنْ ثَمَرِهَا لِتَنْظُرُوا إِلَيْهِ ثُمَّ بَدَا لِي أَنْ لاَ أَفْعَلَ فَمَا مِنْ شيء تُوعَدُونَهُ إِلاَّ قَدْ رَأَيْتُهُ في صَلاَتِي هَذِهِ». أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
  • الخطبة الثانية
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
  • أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.
  • عِبَادَ اللهِ:
إن من أجل فوائد تلك الحادثة: إفراد الله تعالى بالتوحيد وأنه المتصرف بالكون والمدبر له وحده، فقد قالوا إنها كسفت لموت ابنه إبراهيم، فأخبر أنهما آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا حياته، فالأمر كله لله والملك بيد الله، والعبادة كلها لله، وفي الحديث أيضا رد على أهل الكهانة والتنجيم الذي يربطون الحوادث الأرضية بالحوادث الكونية، ممن يزعمون معرفة الغيب بما يحدث في النجوم والأفلاك، وهذا هو التنجيم المحرم، أما معرفة الكسوف بأسبابه الكونية التي قدرها الله مما يعرفه علماء الفلك والحساب فذاك أمر آخر، ولا تعارض بين ذلك وبين كون الكسوف من أمر الله ولحكمة شرعية من الله وهو تخويف العباد، فالله الذي خلقه وأمره به، ورسوله صلى الله عليه وسلم أخبرنا بحكمته: وهو تخويف العباد، وعلى أهل الإيمان التسليم والإذعان. وفي الحديث من الفوائد أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان رآهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقامه ذاك، فأسال الله أن يجعلنا وإياكم من اهل الجنة ويجيرنا من النيران.