- خطبة بعنوان: احذر أن تكون من الخاسرين.
- ألقاها الشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري - حفظه الله تعالى.
- المكان: خطبة في يوم 13 صفر 1444هـ في مسجد السعدي بالجهرا.
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
كل ابن آدم يبحث عن الربح والنجاة، وكلهم يسعى للبعد عن الخسارة والهلاك، والسعادة حق السعادة هي سعادة الآخرة ودخول الجنة، والخسارة حق الخسارة هي خسارة الآخرة ودخول النار، جعلنا الله وإياكم من أهل الجنة وأجارنا الله وإياكم من النيران، (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ).
لقد بين الله تعالى صفات الخاسرين في كتابه المبين، ووضحها نبينا صلى الله عليه وسلم تمام التبيين، لنجتنب دروبهم، ونحذر مسالكهم وصفاتهم، فمن صفاتهم الجامعة أنهم سلكوا طريق الشيطان وأعرضوا عن ذكر الرحمن، (ومن يتخذ الشيطان ولياً من دون الله فقد خسر خسراناً مبيناً)، وقال تعالى: (استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون)، وأعظم أسباب الخسارة الكفر بالله والشرك به ذلك الذنب الذي لا يغفره الله للعبد إن مات عليه غير تائب منه، (الذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون). وقال سبحانه: (والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون)، فاحذروا الشرك بالله كبيره وصغيره فهو أظلم الظلم وأعظم الذنوب، (ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين).
عباد الله:
ومن صفاتهم: إنكارهم للبعث والمعاد والحشر يوم الحساب، فكن على يقين من دينك واحذر مسالك الملحدين والمشككين في أمور الدين، ومن يحكم عقله ويترك شرعه وكتاب ربه وسنة نبيه، ولا تلق بسمعك لأهل الشبهات فالشبهات خطافة، ولا تقرأ أي كتاب يقع في يدك، فما أكثر أهل الضلال وما أشد خطرهم، فلا تسلم عقلك وقلبك لهم فالقلب ضعيف، قال تعال: (ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين)، وقال تعالى: (إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون * أولئك الذين لهم سوء العذاب وهم في الآخرة هم الأخسرون)، وقال تعالى: (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً * الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً* أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً).
ومن صفات الخاسرين طاعتهم لأعداء رب العالمين من اليهود المغضوب عليهم والنصارى الضالين، والتشبه بهم والسير على سننهم، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين)، فمن تبع دين القوي العزيز أعزه الله بالإيمان، ومن اتبع الكافرين أذله الله وأخزاه في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ).
الخاسرون هم من جعلوا دينهم حسب أهوائهم وأحزابهم وضلالاتهم، سلموا أنفسهم لشياطين الإنس والجن، ولم يثبتوا عند الفتن على الحق والسنة، قال تعالى: (ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين).
الخاسرون من قدم دنياه على آخرته، رضي بالمال الحرام والكسب الخبيث، ولم يتق الله في تجارته وماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، (يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون)، وقال تعالى: (ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدى القوم الكافرين، أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون، لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون)، يبخل فيما يرضي ربه من الإحسان والصدقة، عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ انْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ في ظِلِّ الْكَعْبَةِ « هُمُ الأَخْسَرُونَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ ، هُمُ الأَخْسَرُونَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ » قُلْتُ مَا شأني أَيُرَى في شيء مَا شأني فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ وَهْوَ يَقُولُ ، فَمَا اسْتَطَعْتُ أَنْ أَسْكُتَ ، وتغشاني مَا شَاءَ اللَّهُ ، فَقُلْتُ مَنْ هُمْ بِأَبِى أَنْتَ وأمي يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « الأَكْثَرُونَ أَمْوَالاً ، إِلاَّ مَنْ قَالَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا » [رواه البخاري].
فاحذر يا عبدالله أشد الحذر من صفات الخاسرين، وابذل أسباب النجاة، فالخسارة الحقيقية خسارة الآخرة، ومن أعظم الخسارات الولوغ في أعراض الناس والكذب عليهم ونشر الشائعات ضدهم وغيبتهم، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: « أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ». قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ. فَقَالَ « إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِى يأتي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ ويأتي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ ». [رواه مسلم].
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.
لقد أقام الله تعالى علينا الحجة في كتابه في سورة واحدة بين فيها أن الناس كلهم في خسارة إلا من علم وآمن، وعمل بما علم، ودعى إلى هذا الدين وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وصبر على الكتاب والسنة وسار على درب سلف الأمة، قال تعالى: )وَالْعَصْرِ إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)، قالَ الشَّافِعيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: لَوْ مَا أَنْزَلَ اللهُ حُجَّةً عَلَى خَلْقِهِ إِلا هَذِهِ السُّورَةَ لَكَفَتْهُمْ.
اللهم اجعلنا من الفائزين ولا تجعلنا من الخاسرين .....