الثبات الثبات بعد شهر الطاعات
الثبات الثبات بعد شهر الطاعات
  | 2457   |   طباعة الصفحة


  • خطبة بعنوان: الثبات الثبات بعد شهر الطاعات.
  • ألقاها لشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري - حفظه الله تعالى.
  • المكان: خطبة في يوم 5 شوال 1443هـ في مسجد السعدي بالجهرا.

 
  • الخطبة الأولى:
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
  • عِبَادَ اللهِ:
لقد مرّ علينا موسمٌ عظيمٌ من مواسم الخيرات، وفُتِّحت لنا أبوابٌ كثيرةٌ من أبواب الحسنات، نَهَل منها المتقون، وسَارع إليه الطَّائعون، وغَفَل عنها المتكاسلون، وحُرم منها العاصون، فمن منّا يا عباد الله المقبول فنُهنِّيه، ومن هذا المحروم منا فنُعَزِّيه، أيَّها المقبول هنيئًا لك، وأيَّها المردود جَبَر الله مُصيبتك، فكم بين من حظّه فيه القبول والغفران، ومن كان حظَّه فيه الخيبة والخسران؟!، رُبَّ قائمٍ حظُّه من قيامه السهر، وصائم حظَّه من صيامه الجوع والعطش، نسأل الله القبول لنا ولكم.
  • عِبَادَ اللهِ:
لقد كان السلف الصالح يجتهدون في إتمام العمل وإكماله وإتقانه، ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله ويخافون من ردّه، وهؤلاء الذين: ﴿يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة﴾، وهذا حال المؤمن مع الطاعات وحاله عند انتهائها، قال الحسن البصري: (إن المؤمن جمع إحسانًا وشفقةً، وإن المنافق جمع إساءةً وأمنًا)، وكانوا لقبول العمل أشد اهتمامًا منهم بالعمل، كما قال تعالى: ﴿إنما يتقبل الله من المتقين﴾، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: (لأن أستيقن أن الله قد تقبل مني صلاة واحدة، أحبُّ إليّ من الدنيا وما فيها)، فألحّوا على الله تعالى بسؤاله القبول لما قدمتم من الطاعات، والثبات عليه إلى الممات.
  • عِبَادَ اللهِ:
إنَّه وإن انتهت هذه المواسم بما فيها من الطاعات، فإنَّ عُمُرَ المؤمن كله طاعة، وحياته كلها عبادة، فإنَّ الله ما خلق الإنس والجِن إلا لعبادته وحده لا شريك له: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾؛ وقد أمرنا الله ورسوله بالاستقامة على الطاعة والثبات عليها إلى الممات، فالمؤمن لا ينتهي عنه العمل إلا إذا جاء الأجل، ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾، ومن رُزق الثبات والاستقامة، فإن هذا من أعظم الإنعام والكرامة، قال تعالى: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾. وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قُلْ لِي فِي الإِسْلَامِ قَوْلًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ. قَالَ: »قُلْ: آمَنْتُ بِاللهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ« [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]. قَالَ شيخ الإسلام ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ: (أَعْظَمُ الْكَرَامَةِ لُزُومُ الِاسْتِقَامَةِ). اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ. أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
  • الخطبة الثانية
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
  • أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.
  • عِبَادَ اللهِ:
إن من أعظم ما ينبغي الاعتناء به من الأسباب التي تثبت العبد على دين الله وسنة رسوله هو: سُؤَالَ اللهِ الثَّبَاتَ، وَالْإِلْحَاحَ عليه فِي الدُّعَاءِ أن يثبتك ويحسن خاتمتك، وَأَلَّا يَزِيغَ قلبك بعد الهدى، وقد أرشدنا الله تعالى إلى هذا الدعاء بقوله: )رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ(. وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَرْجِسَ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَافَرَ يَتَعَوَّذُ مِنَ الْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ... « [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]، وَالْحَوْرُ بَعْدَ الْكَوْرِ مَعَنَاهُ: الرُّجُوعُ إِلَى النُّقْصَانِ بَعْدَ الزِّيَادَةِ. وَعَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَقُولُ: »يَا مُثَـبِّتَ الْقُلُوبِ، ثَـبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ« [رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ]. فاحذروا عباد الله من ترك العبادة وهجر القرآن والمساجد بعد رمضان، فترجعوا من الهداية إلى الغواية، ومن الإيمان إلى العصيان، فالعبرة بالخواتيم، )وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا(. واعلموا عباد الله أن من هدي النبي وسنته في هذا الشهر -ألا وهو شوال- أنه كان يصوم منه ستة أيام، ففي صحيح مسلمٍ عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي قال: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ»، وذلك أن الحسنة بعشر أمثالها فصيام رمضان يقابل صيام عشرة أشهر وصيام ستةٍ من شوال يقابل شهرين فكان ذلك تمام السنة وكأنما صام الدهر. وقد رتب النبي هذا الثواب على إتمام صيام رمضان؛ فمن كان عليه قضاء فليبادر بالقضاء، ثم يصوم الستة من شوال وسواءٌ صام هذه الست متقطعةً أو متصلة؛ فكل ذلك جائز، وليس من ذلك صيام يوم العيد الذي مضى فإن صيام يوم العيد محرمٌ ومنهيٌ عنه. فاجتهدوا إخواني في فعل الطاعات، واجتنبوا الخطايا والسيئات؛ لتفوزوا بالحياة الطيبة في الدنيا، والأجر الكثير بعد الممات. ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.