إرشاد الاتقياء إلى أحكام الخروج إلى الصحراء
إرشاد الاتقياء إلى أحكام الخروج إلى الصحراء
  | 1904   |   طباعة الصفحة


  • خطبة بعنوان: إرشاد الاتقياء إلى أحكام الخروج إلى الصحراء .
  • ألقاها الشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري - حفظه الله تعالى.
  • المكان: خطبة في يوم 27  جمادي الأول 1443هـ في مسجد السعدي بالجهرا.

 
  • الخطبة الاولى:
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].
  • أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كَلَامُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُها، وكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ. عباد الله: كثير من الناس في هذه الأيام يقضي وقت فراغه في الخروج إلى البر والصحراء، وإقامة المخيمات مع أهله أو أصحابه، يقضون فيها إجازاتهم وبعض أيامهم، وهناك من الأحكام الشرعية التي ينبغي عليهم معرفتها والعناية بها، حتى يحققوا شكر هذه النعمة، ويؤدوا حق هذه المنّة، حيث سخر لهم ما في الأرض جميعًا، ومنّ عليه بالصحة والفراغ. فعند وصوله ونزوله يدعو بما ورد في حديث خَولَةَ بنت حكِيمٍ السُّلمِيَّةِ أنها سمِعَتْ رسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا نزَلَ أحدكم مَنزِلًا فَليَقُلْ: أعُوذُ بِكلِمَاتِ اللّهِ التّامَّاتِ من شرِّ ما خلَقَ فإنه لا يضُرُّهُ شَيءٌ حتى يَرتَحِلَ منه). [رواه مسلم]. وعليه أن يتعلم أحكام الطهارة ومن ذلك أنه إذا أراد قضاء حاجته فعليه البعد إلا إذا كان هناك مكان يستره أو خلاء أعدّه: فعن مُغِيرةَ بن شُعْبةَ رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفَرٍ فقال: (يا مغِيرَةُ خذ الْإدَاوَةَ)، فَأَخَذْتهَا فَانطَلَقَ رسول اللّهِ صلى الله عليه وسلم حتى توَارَى عَنّي، فقَضَى حاجَتَهُ) متفق عليه. وعليه أن يستر عورته فعن ابن عُمرَ رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أرَادَ حاجَةً لا يَرفَعُ ثَوبَهُ حتى يَدنُوَ من الأرض. [رواه أبو داود وصححه الألباني]. وقد جاء النهي عباد الله عن قضاء الحاجة في طريق الناس أو ظلهم أو في أماكن جلوسهم لما فيه من أذيتهم. فعن أبي هرَيْرَةَ رضي الله عنه أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قال: (اتَّقوا اللَّعَّانَينِ)، قالوا: وما اللّعَّانَانِ يا رَسولَ اللّهِ؟ قال: (الذي يتَخَلَّى في طَريقِ الناس أو في ظلِّهِمْ) [رواه مسلم]، ويجوز الاستجمار بالحجارة وما قام مقامه بشرط أن لا تقل عن ثلاثة أحجار ولا يجوز الاستجمار بالروث والعظم ولا تستقبل القبلة في الصحراء ولا تستدبرها حال قضاء الحاجة: فعن سلمان رضي الله عنه قال: لقد نهَانَا –أي رسول الله صلى الله عليه وسلم- أنْ نسْتَقْبِلَ الْقِبْلةَ لِغائِطٍ أو بوْلٍ أو أنْ نسْتَنْجِيَ بِالْيمِينِ أو أنْ نسْتَنْجِيَ بِأقَلَّ من ثلَاثَةِ أحْجَارٍ أو أنْ نسْتَنْجِيَ بِرجِيعٍ أو بِعظْمٍ. [رواه مسلم]. عباد الله: للوضوء عند اشتداد البرد والصبر على ذلك أجر عظيم: فعن أبي هُريْرَةَ رضي الله عنه أنَّ رسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أدُلُّكُمْ على ما يمْحُو الله بهِ الْخطَايَا، ويَرْفَعُ بهِ الدّرَجَاتِ؟) قالوا: بلَى يا رسُولَ اللّهِ. قال: (إِسْباغُ الْوضُوءِ على الْمكَارِهِ، وكَثْرَةُ الْخُطا إلى الْمسَاجِدِ، وانْتِظَارُ الصّلَاةِ بعْدَ الصّلَاةِ، فذَلِكُمْ الرِّباطُ) [رواه مسلم]. لكن لا حرج عليه في تسخين الماء البارد، وقد يكون أفضل إذا خشي الضرر أو الإخلال بالوضوء، وبعضهم يتساهل في الوضوء فينتقل إلى التيمم مع قدرته على الوضوء وهذا لا يجوز، فالتيمم لمن عجز عن الوضوء لشدة البرد مع خشيته للضرر والمرض ولم يكن له قدرة على تسخينه، أما مجرد التأذي من الماء البارد فلا يرخص له التيمم، بل يجب عليه أن يمس الماء ويتوضأ، ويجب أن يحتاط المسلم لوضوئه وغسله بإعداد مكان يمكن الاغتسال فيه، وتجهيز ما يمكن تسخين الماء به.
  • عباد الله:
إذا حان وقت الصلاة وهو في الصحراء فعليه بالأذان والإقامة للصلاة ولو كان وحيدًا، لما في ذلك من الأجر الكبير والثواب الجزيل، فعن عبد الله بن صعصعة أنَّ أبَا سعِيدٍ الخُدْرِيَّ قال له: إني أرَاكَ تحِبُّ الْغنَمَ والْبَادِيَةَ، فإذا كنْتَ في غنَمِكَ أو بادِيَتِكَ فأَذَّنْتَ بِالصّلَاةِ فارْفَعْ صوْتَكَ بِالنِّداءِ، فإنه لا يسْمَعُ مدَى صوْتِ الْمُؤذِّنِ جنٌّ ولا إنْسٌ ولا شيْءٌ إلا شهِدَ له يوم الْقِيامَةِ. قال أبو سعِيدٍ سمعته من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم [رواه البخاري]. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يُغفَرُ لِلمُؤَذِّنِ مدَّ صَوتِهِ وَيَشهَدُ له كلُّ رَطبٍ ويَابِسٍ) [رواه أحمد وصححه الألباني]. ولا يتكاسل الإنسان عن أداء الصلاة جماعة فيمن معه إن لم يكن هناك مسجد يسمع نداءه، فالصلاة في البر لها فضل عظيم، فعن أبي سَعيدٍ الْخُدْريِّ رضي الله عنه قال: قال رسول اللّهِ صلى الله عليه وسلم : (الصّلَاةُ في جمَاعَةٍ تَعْدلُ خمْسًا وَعشْرِينَ صلَاةً، فإذا صلَّاهَا في فلَاةٍ، فأَتَمَّ رُكُوعهَا وسُجُودَهَا، بلَغَتْ خَمْسينَ صلَاةً) [رواه أبو داود وصححه الألباني]، وإذا صليت فلا تمسح الأرض التي تسجد عليها، فعن مُعَيقِيب رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال في الرّجُلِ يُسوِّي التُّرابَ حَيثُ يَسجُدُ قال: (إن كُنتَ فاعِلًا فوَاحِدَةً). [رواه البخاري ومسلم]. وعليه تحري القبلة للصلاة في الصحراء، ويجتهد في ذلك، ويجوز له الصلاة في النعال: جاء عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خَالفُوا الْيهُودَ فَإنَّهُمْ لا يُصلُّونَ في نعَالِهِمْ ولا خفَافِهِمْ) [رواه أبو داود وصححه الألباني]، ويحرص على وضع السترة عند الصلاة، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تصل إلا إلى سترة، ولا تدع أحدًا يمر بين يديك، فإن أبى فلتقاتله فإن معه القرين) [رواه ابن خزيمة وصححه]. وتصح الصلاة في مرابض الغنم، ولا تصح الصلاة في أعطان الإبل. فعن أبي هُرَيرَةَ رضي الله عنه قال: قال رسول اللّهِ صلى الله عليه وسلم: (صلُّوا في مرَابِضِ الْغنَمِ، ولا تُصلُّوا في أعْطَانِ الْإبِلِ) [رواه الترمذي وقال: حسن صحيح].
  • عباد الله:
كثير من الناس إذا خرج للبر لا يهتم بالصلاة جماعة، ولا بالأذان، ولا يذكر أهله وأولاده بالصلاة والجماعة، وخصوصا صلاة الفجر، فاجعل أخي المسلم رحلتك مع أهلك وأولادك دعوة لهم للخير تعلمهم الصلاة، وتجتهد بها معهم جماعة. أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
  • الخطبة الثانية
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي أَرْسَلَهُ رَبُّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ.
  • أَمَّا بَعْدُ:
فيا عباد الله: يغفل كثير من الناس عن إطفاء النار ومثلها المدفأة بأنواعها عند النوم ولا يحسبون حساب الاحتراق أو الاختناق: عن أبي مُوسى رضي الله عنه قال: احْترَقَ بيْتٌ بِالْمدِينَةِ على أهْلِهِ من اللّيْلِ، فحُدِّثَ بِشأْنِهِم النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ هذه النّارَ إنما هيَ عدُوٌّ لكُمْ، فإذا نِمْتمْ فأَطْفِئُوهَا عنْكُمْ). [متفق عليه]. وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تَترُكُوا النّارَ في بيُوتِكُمْ حين تنَامُونَ). [متفق عليه]. ومن السنن التعوذ عند سماع نباح الكلاب أو نهيق الحمار في الليل، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سَمِعْتمْ صيَاحَ الدّيَكَةِ فَاسْأَلوا اللّهَ من فَضْلهِ فَإنَّهَا رأَتْ ملَكًا وإذا سَمِعْتمْ نَهيقَ الْحمَارِ فَتَعَوَّذوا باللَّهِ من الشَّيطَانِ فَإنَّهَا رأَتْ شَيطَانًا) .
  • عباد الله:
إن من كمال أخلاق المسلم أن يكون نظيفا في بدنه نظيفا في مسكنه، فعليه كذلك أن يحافظ على نظافة مكانه ومخيمه، فإن تَرْك المكان بعد الخروج منه مليئا بالأوساخ والمخلفات يؤذي العباد والبلاد، وحتى البهائم والحيوان. ومن الصدقات وأعمال الخير التي ينبي الحرص عليها غرس الأشجار والنباتات، فاستغل خروجك إلى البَر بهذا العمل الذي هو من أعمال البِر، فعن أنَسِ رضي الله عنه قال: قال رسول اللّهِ صلى الله عليه وسلم: (ما من مسْلِمٍ يَغْرسُ غَرسًا أو يَزرَعُ زَرعًا فَيَأْكلُ منه طَيرٌ أو إنْسَانٌ أو بَهيمَةٌ إلا كان له بهِ صدَقَةٌ). [متفق عليه]. اهتموا عباد الله بشؤون دينكم، واجعلوا رحلاتكم في طاعة الله، ولا تغفلوا عن ذكر الله، ولا تجعلوها في معصية الله، فالمخيمات التي فيها الغناء والفجور لا يجوز حضورها ولا الرضى عنها، ولا التي فيها الغيبة والنميمة، فابتعد عن كل ما يغضب الله فالعمر قصير والدنيا فانية، والآخرة خير وأبقى.