شكر الله على زوال البلاء
شكر الله على زوال البلاء
  | 3872   |   طباعة الصفحة


  • خطبة بعنوان: شكر الله على زوال البلاء .
  • ألقاها الشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري - حفظه الله تعالى.
  • المكان: خطبة في يوم 16 ربيع الأول 1443هـ في مسجد السعدي بالجهرا.

   
  • الخطبة الأولى:
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
  • أما بعد:
فإن نحمد الله تعالى على ما منّ به علينا من ذهاب هذا الوباء وانحساره، وزواله عنا وانكساره، والفضل في ذلك لله وحده لا شريك له، فنحمده سبحانه ونشكره على جميع نعمه ونستغفره، فهو المستحق لخالص الشكر والثناء، لما أسبغ علينا من نعمه حال السراء والضراء، والشكر عباد الله قَيدُ النِّعمِ، فإذا شكرتَ النِّعم بارك الله فيها واتسعت، وإذا حمدتَ الله عليها عَظُمَ الانتفاعُ بها وقَرّت، ومتى كُفِرَتْ النِّعم زالت وربما نزلت العقوبات العاجلة قبل الآجلة، (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ).
  • عِبادَ اللهِ:
هذا البلاء والوباء الذي مرّ بنا وبغيرنا فمات فيه من مات من المسلمين ممن نحسبهم شهداءَ عند الله، ومرض به من مرض وعافاه الله بعد ذلك، ليبيّن لنا ضعف الإنسان وعجزه، وحاجته لله وفقره، ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)، وأنه لا ملجأ للعبد إلا إلى الله،  (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ)، وكل هذا يجعلنا نزداد يقينا أن الأمرَ كلَّه لله، والفرجَ بيدِ الله، وإنا لله وإنا إليه راجعون، فلا رَادَّ لقضائه، ولا مُعقبَ لحُكمه، ولا غالب لأمره، (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)، فالواجب على العباد أن يتوكلوا على الله في كل أمورهم فهو حسبنا ونعم الوكيل.
  • عِبادَ اللهِ:
هل آن لنا أن نراجع أنفسنا، ونحاسبها على تقصيرها في حق ربها؟!، فكم جَلَبت علينا الذنوبُ من العقوبات، وكم حَلَّت بسببها من الابتلاءات، حتى حُرمنا من مساجدنا وجُمَعِنَا وصلاتنا وصفوفنا وتصافحنا، فالله فتح الأبواب لعباده ليرجعوا ويتوبوا، ويستغفروا وينيبوا، وإذا فعلوا ذلك وكانوا من أهل التقى والإيمان، والطاعة والإحسان، فتح الله عليهم الخير كله في الدنيا والآخرة، والآخرة خير وأبقى، قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99))، فأهل القرى والبلدان إن أطاعت ربها الرحمن؛ فتح الله عليهم وبارك لهم في معيشتهم ورزقهم، ويسر لهم طرق الخير وأبواب الإحسان، فيعيشون بأمن وأمان، وإذا كَفَرَ العبادُ أو ظَهَرَ منهم الفسوق والعصيان، وانتشرت الفواحش والربا والزنا والغناء والمعازف والاختلاط والتبرج والسفور، فإن هذا من أسباب الخذلان ووقوع غضب الجبار ونزول البلاء والأمراض على العباد والبلاد، ومن رأى مثل هذه العقوبات في غيره من الأمم السابقة وجب عليه أن يتعظ ويرجع إلى الله بالتوبة والإنابة إليه لئلا يصيبه ما أصابهم، ويجتهد في التخلص من الذنوب والعصيان، فما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة، والتوبةُ والاستغفارُ مجلبةٌ للخير المدرار، (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا *  يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا)، فمن رجع إلى الله وأكثر من الاستغفار عاش عيشة هنية وحصل على الطمأنينة في الحياة الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿وأن استغفروا ربَّكم ثم توبوا إليه يمتِّعكُم متاعًا حسنًا إلى أجل مُسمًّى ويُؤتِ كل ذي فضلٍ فضلَه﴾. وعلى العبد أن يكثر من طاعة ربه بأنواع الطاعات من الفرائض والنوافل وجميع القربات، فمن حفظ الله تعالى في طاعته واتباع أمره حفظه الله تعالى في دنياه وآخرته، (احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ(، فإن أصيب بشيء من ذلك فهو بقضاء الله وقدره، وكفارة لذنوبه وتكفير لسيئاته إذا قابل ذلك بالصبر والاحتساب، فعَنْ صُهَيْبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ » [رواه مسلم].
  • عِبادَ اللهِ:
إن هذه المحنة والوباء الذي أصابنا علّمنا أن كثيرا من الكماليات التي نتكلف بها لا حاجة لها ويمكن العيش بدونها، مما يكون فيه إسراف وتبذير، كما كان يحصل في الأفراح ومناسبات الزواج عند الرجال والنساء مما يكون عائقا لكثير من الشباب عن الإقدام على الزواج، وإذا أقدم اضطر لتكلّف الديون التي لا يستطيع سدادها إلا بالقروض والمساعدات، فهلا ثبتنا على نحن عليه من قلّة الكُّلفة وتيسّر الأمر، فكلما كان الأمر أيسر وأقل كلفة كلما بارك الله فيه. أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
  • الخطبة الثانية
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
  • أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.
  • عِبادَ اللهِ:
بعد السماح للمصلين بتراص الصفوف، ينبغي على المصلين أن لا يتساهلوا في تسويتها والتراص فيها، فإن تسوية الصفوف من إقام الصلاة، ومن وصل صفًّا وصله الله ومن قطع صفًّا قطعه الله، وقد قال : (سووا صفوفكم، فإن تسوية الصف من تمام الصلاة). [متفق عليه من حديث أنس بن مالك  رضي الله عنه]، وإن التهاون في تسوية الصفوف وإقامتها وحصول الخلل فيها بتقدم بعض على بعض من أسباب الوعيد فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن النبي  قام يريد أن يكبر للصلاة فرأى رجلاً بادياً صدره أي أنه متقدم على الصف فقال: (عباد الله لتُسَوُّنَّ صفوفَكم أو ليخالفَنَّ الله بين وجوهكم) [متفق عليه]. وسد الفُرَجِ من أسباب منع الشيطان من الاقتراب من المصلين، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله قال: (رصوا صفوفكم وقاربوا بينها وحاذوا بالأعناق فوالذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يدخل من خلل الصفِّ كأنها الحَذَف). أي كأنها صغار الغنم. [رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني]. واعلموا أن الله وملائكته يصلّون على من يصل الصفوف، عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله قال: (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الَّذِينَ يَصِلُونَ الصُّفُوفَ، وَمَنْ سَدَّ فُرْجَهً رَفَعَهُ اللهُ بِهَا دَرَجَةً) [رواه أحمد وابن ماجه]. فاحرصوا على ذلك عباد الله ولا تجعلوا للشيطان على صلاتكم مدخلا.