تسبيح الله يرفع الدرجات ويحط الخطيئات
تسبيح الله يرفع الدرجات ويحط الخطيئات
  | 5761   |   طباعة الصفحة


  • خطبة بعنوان: تسبيح الله يرفع الدرجات ويحط الخطيئات.
  • ألقاها الشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
  • المكان: خطبة في يوم 15 ذي القعدة 1442هـ في مسجد السعدي بالجهرا.

    إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،  ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) [آل عمران:102].
  • أَمَّا بَعْدُ:
فلقد منّ الله تعالى على العباد بأقوال وكلمات باللسان يسيرة، لكن الله رتّب عليها الأجور الكثيرة والحسنات الكبيرة، فتَثقُل في ميزان العبد، وترفعه عند الله درجات، وتحط عنه الخطايا والسيئات، فما أعظمَ فضله علينا، وما أجلَّ مِنَّتَهُ على عباده المؤمنين. ومن تلك الأعمال تسبيح الله تعالى بالقلب واللسان، والتسبيح هو تنزيه الله تعالى عن النقائص والعيوب، وتعظيم الله تعالى بإثبات كل صفات الكمال وأسماء الجلال، وقد سبح الله تعالى نفسه في كتابه، فقال: (سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ)، وأمر بتسبيحه فقال: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا)، وأخبر أن ملائكته لا يملُّون ولا يتعبون من تسبيحه، فقال: (وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ)، بل كل شيء حتى السموات والأرض يسبحون بحمد الله تعالى: (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا * تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا)، بل إنَّ مِن أجل مقاصد بعثة النبي هو تسبيح الله تعالى بما يتضمنه من المعاني، فقال سبحانه: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)، ولما أمر الله تعالى العباد بالذكر خصَّ التَّسبيح لعظيم منزلتِهِ وجليلِ قدرِه فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)
  • عِبَادَ اللهِ:
لما كان تسبيح الله تعالى وتنزيهه وتعظيمه من أجل الأعمال وأفضل الأقوال جاء الأمر به في السجود والركوع في الصلاة، وفي الأذكار بعد الفرائض، وفي أذكار الصباح والمساء، ووردت في فضله الأحاديث الكثيرة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ : «مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، مِائَةَ مَرَّةٍ، لَمْ يَأْتِي أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ ، إَلاَّ أَحَدٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ». [رواه مسلم]. وفي لفظ: «مَنْ قَالَ حِيْنَ يُصْبِحُ: سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيم وَبِحَمْدِهِ مِائَةَ مَرَّهٍ ، وَإِذَا أَمْسِي كَذَلِكَ ، لَمْ يُوافِ أَحَدٌ مِنَ الْخَلاَئِقِ بِمِثْلِ مَا وَافَى». [رواه أبو داود]، فحافظ على هذا الذِّكر فهو رفعةٌ لك على العباد يوم القيامة، والتسبيح من أسباب غرس الجنة، عَنْ جَابِرٍ رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ: عَنِ النَّبِيِّ قَالَ :«مَنْ قَالَ : سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيم وَبِحَمْدِهِ، غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَهٌ فِي الْجَنَّةِ» [رواه الترمذي]. وفي لفظ: (مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمَ غُرِسَ لَهُ شَجَرَة فِي الْجَنَّةِ». [رواه ابن حبان].
  • عِبَادَ اللهِ:
تسبيح الله تعالى من أجل الكلام وأحبه إلى الله، فعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُوْلُ اللهِ : «أَلاَ أُخْبِرُكَ بِأَحَبِّ الْكَلاَمِ إِلَى اللهِ؟». قُلْتُ : يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَخْبِرْنِي بَأَحَبِّ الْكَلاَمِ إِلَى اللهِ، فَقَالَ :«إِنَّ أَحَبَّ الْكَلاَمِ إِلَى اللهِ، سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ» [رواه مسلم]. وَعَنْهُ رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ سُئِلَ : أَيُّ الْكَلاَمِ أَفْضَلُ؟ قَالَ :«مَا اصْطَفَى اللهُ لِمَلاَئِكَتِهِ أَوْ لِعِبَادِهِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ» [رواه مسلم]. بل التسبيح يعدل كثيرًا من الأعمال التي قد يعجز العبد عن أدائها، فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُوْلُ اللهِ : «مَنْ هَالَهُ اللَّيلُ أَنْ يُكَابِدَهُ، أَوْ بَخِلَ بِالْمَالِ أَنْ يُنفِقَهُ، أَوْ جَبُنَ عَنِ الْعَدِوِّ أَنْ يُقَاتِلَهُ، فَلْيُكْثِرْ مِنْ سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمدِهِ، فَإِنَّهَا أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ جَبَلِ ذَهَبٍ يُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ» [رواه الطبراني وصححه الألباني].
  • عِبَادَ اللهِ:
ألا تريدون أن تَثْقُلَ موازينُكم يوم لقاء ربكم، فعليكم بالتسبيح، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ: عَنِ النَّبِيِّ قَالَ :«كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ ، سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ» [متفق عليه]. ومع إثقاله للموازين فهو يحط الخطايا حطًّا،فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ قَالَ :«مَنْ قَالَ : سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّهٍ، حُطَّتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلُ زَبَدِ الْبَحْرِ» [متفق عليه]. أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
  • الخطبة الثانية
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
  • عِبَادَ اللهِ:
ذكر الله عموما والتسبيح خصوصا من أسباب ارتفاع العبد منازل على غيره في الجنات، خصوصا من طال عمُرُهُ وحافظ على ذكر ربه، وهذه تذكرة لمن مَنَّ الله عليه بالعُمر، فليزدد من الصالحات قبل أن يأتيه الأجل فيندمَ على ما فات، وخير الناس من طال عمره وحَسُنَ عملُهُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادٍ: أَنَّ نَفَراً مِنْ بَنِي عَذْرة ثَلاَثَة أَتَوْا النَّبَيَّ فَأَسْلَمُوا ، قَالَ : فَقَالَ النَّبِيُّ :«مَنْ يَكْفِنيهمْ». [أي: يضيفهم] قَالَ طَلْحَةُ: أَنَا ، قَالَ : فَكَانُوا عِنْدَ طَلْحَةَ فَبَعَثَ النَّبِيُّ بَعْثاً فَخَرَجَ فِيهِ أَحَدُهُم فَاسْتُشْهِدَ، قَالَ: ثُمَّ بَعَثَ بَعْثاً فَخَرَجَ فِيهِمْ آخَرٌ فَاسْتُشْهِدَ، قَالَ: ثُمَّ مَاتَ الثَّالِثُ عَلَى فِرَاشِهِ، قَالَ طَلْحَة: فَرَأَيْتُ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثة الَّذِيْن كَانُوا عِنْدِي فِي الْجَنَّةِ، فَرَأَيْتُ الْمَيَّتَ عَلَى فِرَاشِهِ أمَامَهُمْ، وَرَأَيْتُ الَّذِي اسْتُشْهِدَ أَخِيراً يَلِيهِ، وَرَأَيْتُ الَّذِي اسْتُشْهِدَ أَوَّلَهُمْ آخِرَهُمْ، قَالَ: فَدَخَلَنِي مِنْ ذَلِكَ [يعني استشكلت ذلك] قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ قَالَ: فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ :«وَمَا أَنْكَرتَ مِنْ ذَلِكَ؟ لَيْسَ أَحَدٌ أَفْضَلُ عِنْدَ اللهِ مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَمَّرُ فِي الإِسْلاَمِ لِتَسْبِيحِهِ وَتَكْبِيرِهِ وَتَهْلِيلِهِ». [رواه أبو يعلى وحسنه الألباني]. فتسبيح الله وذكره وقاية للعبد من النيران وسبب لدخول الجنان، فهذا إبراهيم الخليل u يُقرئ هذه الأمة السلام، ويوصيكم بهذه الوصية، فعليكم بها تسلموا وتغنموا، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُوْلُ اللهِ :«لَقِيْتُ إِبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! أَقْرِئ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلاَمَ، وَأَخْبِرهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ ، عَذْبَةُ الْمَاءِ ، وَأَنَّهَا قِيْعَانٌ، وَأَنَّ غِرَاسَهَا: سُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ للهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ اكْبَرُ» [رواه الترمذي]. فأكثروا عباد الله من ذكر الله وتسبيحه، وتحميده وتهليله، تحوزوا الأجور الكثيرة، والحسنات الكبيرة، ولا تفرطوا في أوقاتكم وعوّدوا ألسنتكم على ذكر ربكم. اللهم اجعلنا من الذاكرين ولا تجعلنا من الغافلين....