- خطبة بعنوان: الوسائل المفيدة للحياة السعيدة (مختصرة من كتاب السعدي) .
- ألقاها الشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
- المكان: خطبة في يوم 23 شوال 1442هـ في مسجد السعدي بالجهرا.
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ( [آل عمران:102].
فإن راحة القلب، وطمأنينته وسروره وزوال همومه وغمومه، هو المطلب لكل أحد، وبه تحصل الحياة الطيبة، ويتم السرور والابتهاج، ولذلك أسباب كثيرة، لا يمكن اجتماعها كلها إلا للمؤمنين، فمنهم من أصاب كثيراً من هذه الأسباب فعاش عيشة هنيئة، وحَيِيَ حياةً طيبةً، ومنهم من أخفق فيها كلها فعاش عيشة الشقاء، وحَيِيَ حياةَ التُّعساء. ومنهم من هو بَين بَين بحسب ما وُفِّق له. وأعظم الأسباب لذلك وأصلها وأسُّها هو الإيمان والتوحيد والعمل الصالح السديد، قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، فأخبر تعالى ووعد من جمع بين الإيمان والعمل الصالح، بالحياة الطيبة والجزاء الحسن في هذه الدار وفي دار القرار. فأهل الإيمان في هذه الحياة بين نعمة ومصيبة، فيقابلون النعم بالشكر واستعمالها فيما يرضي الله، ويقابلون المصائبَ بالصبر والاحتساب، فيكون أمرهم كله لهم خيرٌ، كما قال
ﷺ: (عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، إن أصابته سراءُ شكرَ فكان خيراً له، وإن أصابته ضراءُ صبرَ فكان خيراً له، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن). [رواه مسلم].
ومن الأسباب التي تزيل الهم والغم والقلق: الإحسانُ إلى الخلق بالقول والفعل وأنواع المعروف، وبها يدفع الله عن البر والفاجر الهموم والغموم بحسبها، ولكنْ للمؤمن منها أكمل الحظ والنصيب، ويتميز بأن إحسانَه صادر عن إخلاصٍ واحتسابٍ لثوابه، فيُهوِّن الله عليه بذل المعروف لما يرجوه من الخير، ويدفع عنه المكاره بإخلاصه واحتسابه، قال تعالى: {لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}.
ومن أكبر الأسباب لانشراح الصدر وطمأنينته: الإكثار من ذكر الله، فإن لذلك تأثيراً عجيباً في انشراح الصدر وطمأنينته، وزوال همه وغمه، قال تعالى: (أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)، فلذكر الله أثر عظيم في حصول هذا المطلوب لخاصيَّته، ولما يرجوه العبد من ثوابه وأجره.
وكذلك التحدُّث بنعم الله الظاهرة والباطنة، فإن معرفتَها والتحدثَ بها يدفع الله به الهمَّ والغمَّ، ويحثّ العبد على الشكر الذي هو أرفع المراتب وأعلاها، حتى ولو كان العبد في حالة فقر أو مرض أو غيرهما من أنواع البلايا، فإنه إذا قابل بين نعم الله عليه - التي لا يحصى لها عد ولا حساب - وبين ما أصابه من مكروه، لم يكن للمكروه إلى النعم نسبة. ومن أنفع الأشياء في هذا الموضع استعمال ما أرشد إليه النبي
ﷺ حيث قال: (انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلاَ تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لاَ تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ) [رواه مسلم]، وكلما طال تأمل العبد بنعم الله الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية، رأى ربه قد أعطاه خيراً ودفع عنه شروراً متعددة، ولا شك أن هذا يدفع الهموم والغموم، ويوجب الفرح والسرور.
ومن الأسباب الموجبة للسرور وزوال الهم والغم، أن يجاهد قلبه عن التفكر فيما مضى من المصائب التي لا يمكن ردّها، وعن القلق لما يستقبله، فالأمور المستقبلة مجهولٌ ما يقع فيها من خيرٍ وشرٍ وآمالٍ وآلامٍ، فهي بيد العزيز الحكيم، ومن أنفع ما يكون في ملاحظة مستقبل الأمور: استعمال هذا الدعاء الذي كان النبي
ﷺ يدعو به: «اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِى هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا معاشي، وَأَصْلِحْ لي آخرتي الَّتي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لي في كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لي مِنْ كُلِّ شَرٍّ» [رواه مسلم]، وكذلك قوله: «اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت» [رواه ابن حبان وحسنه الألباني]. أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
متى اعتمد القلب على الله، وتوكل عليه، ولم يستسلم للأوهام الفاسدة ولا ملكته الخيالات السيئة، ووثق بالله وطمع في فضله- اندفعت عنه بذلك الهموم والغموم، وزالت عنه كثيرٌ من الأسقام البدنية والقلبية، وحصل للقلب من القوة والانشراح والسرور ما لا يمكن التعبير عنه، والمعافى من عافاه الله ووفَّقَهُ لجهاد نفسه لتحصيل الأسباب النافعة المقوِّية للقلب؛ الدَّافعة لِقَلَقِهِ، قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}، أي كافيه جميع ما يهمه من أمر دينه ودنياه.
فالمتوكل على الله قوي القلب لا تؤثر فيه الأوهام، ولا تزعجه الحوادث لعلمه أن ذلك من ضعف النفس، ومن الخَوَرِ والخوف الذي لا حقيقة له، ويعلم مع ذلك أن الله قد تكفل لمن توكل عليه بالكفاية التامّة، فيثقُ بالله ويطمئنُّ لوعده، فيزول همُّه وقَلَقُهُ، ويتبدل عسرُه يسرًا، وتَرَحُهُ فَرَحًا، وخوفُهُ أمنًا، فنسأله تعالى العافية، وأن يتفضل علينا بقوة القلب وثباته بالتوكل الكامل، الذي تكفل الله لأهله بكل خير، ودفع عنهم كل مكروه وضير.
العاقل يعلم أن حياته الصحيحة هي حياة السعادة والطمأنينة، وأنها قصيرة جدًّا، فلا ينبغي له أن يُقَصِّرَها بالهمِّ والاسترسال مع الأكدار، ولكن المؤمن ينبغي له إذا أصابه مكروه أو خاف منه أن يقارن بين بقية النِّعم الحاصلة له دينيةٍ أو دنيويةٍ، وبين ما أصابه من مكروهٍ، فعند المقارنة يتضح كثرةُ ما هو فيه من النِّعم، واضمحلالُ ما أصابه من المكاره والنقم.
اللهم اجعلنا من المؤمنين السعداء، ولا تجعلنا من البؤساء الأشقياء، ......