المسجد الأقصى في قلب كل مسلم
المسجد الأقصى في قلب كل مسلم
  | 4575   |   طباعة الصفحة


  • خطبة بعنوان: المسجد الأقصى في قلب كل مسلم.
  • ألقاها الشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
  • المكان: خطبة في يوم 9 شوال 1442هـ في مسجد السعدي بالجهرا.

 
  • الخطبة الأولى:
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،  ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ( [آل عمران:102].
  • أَمَّا بَعْدُ:
إِنَّ لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَمَسْجِدِهِ الأَقْصَى مَكَانَةً عالية فِي دِينِنَا، وَمَنْـزِلَةً عَظِيمَةً فِي قُلُوبِنَا، فَهُوَ مَسْرَى نَبِيِّنَا ، وَمِنْهُ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَصَلَّى فِيهِ إِمَاماً بِالأَنْبِيَاءِ، كَمَا أَنَّهُ أَوَّلُ قِبْلَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ، وَإلَيْهِ تَحِنُّ قُلُوبُ الْمُؤْمِنِينَ، تُضَاعَفُ فِيهِ الصَّلَوَاتُ، وَيُتَقَرَّبُ فِيهِ إِلَى اللهِ بِسَائِرِ الطَّاعَاتِ، دَرَجَ فِيهِ الأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَبِهِ تَعَلَّقَتْ قُلُوبُ أَهْلِ الإِسْلَامِ، وَقَدْ جَاءَ فِي بَيَانِ فَضْلِهِ آيَاتٌ قُرْآنِيَّةٌ، وَأَحَادِيثُ نَبَوِيَّةٌ؛ تُبَيِّنُ مَكَانَتَهُ وَفَضْلَهُ، وَتُظْهِرُ مَنـْزِلَتَهُ وَقَدْرَهُ. وَقَدْ جَعَلَ اللهُ – سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - للْمَسْجِدِ الأَقْصَى خَاصَّةً وَمَا حَولَهُ عَامَّةً: فَضَائِلَ كثيرة؛ فَهِيَ الأَرْضُ الَّتِي قَدَّسَهَا اللهُ وَطَهَّرَهَا، وَأَعْلَى شَأْنَهَا بَيْنَ الْعَالَمِينَ وَأَظْهَرَهَا؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: (يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ). وَمِنْهُ عُرِجَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى السَّمَوَاتِ الْعُلَى فِي حَادِثَةِ الإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ الْمَشْهُورَةِ، قَالَ تَعَالَى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).
  • عِبَادَ اللهِ:
وَإِتْيَانُ المَسْجِدِ الأَقْصَى لِلصَّلَاةِ فِيهِ يُكَفِّرُ الذُّنُوبَ والآثَامَ، ويَحُطُّ الخَطَايَا والأَوْزَارَ العِظَامَ؛ فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَمَّا فَرَغَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مِنْ بِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، سَأَلَ اللَّهَ ثَلَاثًا: حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ، وَمُلْكًا لَا يَنْبَغِي لَأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، وَأَلَّا يَأْتِيَ هَذَا الْمَسْجِدَ أَحَدٌ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ فِيهِ، إِلَّا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا اثْنَتَانِ فَقَدْ أُعْطِيَهُمَا، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ أُعْطِيَ الثَّالِثَةَ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ والنَّسَائِيُّ وابْنُ مَاجَهْ]. وهُوَ أَحَدُ المَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَيْهَا، وَأَحَدُ الأَمَاكِنِ الَّتِي لَا يَدْخُلُ الدَّجَّالُ فِيهَا، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: «لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: المَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى» [رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ: (وَدَلَّتِ الدَّلَائِلُ الْمَذْكُورَةُ عَلَى أَنَّ " مُلْكَ النُّبُوَّةِ " بِالشَّامِ وَالْحَشْرَ إلَيْهَا، فَإِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَمَا حَوْلَهُ يَعُودُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ، وَهُنَاكَ يُحْشَرُ الْخَلْقُ، وَالْإِسْلَامُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ يَكُونُ أَظْهَرَ بِالشَّامِ). أَعَزَّ اللهُ الْقُدْسَ والْمَسْجِدَ الأَقْصَى وَسَائِرَ مَسَاجِدِ الْمُسْلِمِينَ، وَحَرَّرَهُمَا مِنْ دَنَسِ الْيَهُودِ الْمُغْتَصِبِينَ، وأعان الله أهل فلسطين وغزة وفرج عنهم كربهم وعن جميع المسلمين المستضعفين. أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
  • الخطبة الثانية
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
  • أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.
  • عِبَادَ اللهِ:
يجب علينا أن ندرك أن تغلب هذه الشرذمة المرذولة والفئة المخذولة، وتسلطهم على المسلمين؛ إنما هو بسبب الذنوب والمعاصي، وإعراض كثير من المسلمين عن دينهم، الذي هو سبب عِزهم وفلاحهم ورفعتهم في الدنيا والآخرة، ﴿وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير﴾، فلا بد من عودة صادقة، وأوبة حميدة إلى الله جلّ وعلا، فيها تصحيح للإيمان، وصلة بالرحمن، وقيام بحق التوحيد، والحذر من الشرك والتنديد، والبعد عن الفسوق والعصيان، لينال المؤمنون العزّة والتمكين، والنصر والتأييد (إن تنصروا الله ينصركم). نعم -عباد الله- لن تكون لنا العزة والنصر، حتى نرجع إلى ديننا حكاماً ومحكومين، قال : (إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم).
  • كيف نريد النصر ومظاهر الشرك بادية ظاهرة في كثير من بلدان المسلمين من عبادة للقبور وتقديس للأضرحة والمشاهد والعتبات والقباب وعبادة غير الله؟!
  • كيف نريد النصر وكثير من المسلمين لا يحكم شريعة الله ولا سنة رسول الله ، ورضوا بالديمقراطية والقوانين الوضعية؟!
  • كيف نريد النصر وكثير من أبناء المسلمين تبنوا الأفكار الإلحادية أو العلمانية أو الليبرالية المعادية للإسلام، وسلكوا مسالك مبتدعة واعتنقوا أفكار أحزاب ضالة مارقة؟!
  • وكيف نريد النصر وأنواع البدع منتشرة في بقاع المسلمين يحتفلون بها ويقدسونها؟!
  • كيف نريد النصر وخوارج العصر يفتكون ببلدان المسلمين ويكفرونهم ويفجرون في مساجدهم ويقتلون عسكرهم فيضعفون المسلمين وبلدانهم؟!.
  • كيف نريد النصر والأحزاب السياسية الضالة دعت وحثت وشاركت في سقوط الدول الإسلامية وإهلاكها أو إضعافها عبر ما يسمى بالربيع العربي، الذي ما رأينا نتائجه إلا خدمة لدول الكفر واليهود والنصارى، بل أرادوا إقامته في جميع بلدان المسلمين وحتى بعضهم تمنى مجيئه إلينا وكانوا ينتظرونه والعياذ بالله.
كثير من الناس إن تكلم عن القضية الفلسطينية والمسجد الأقصى ألقى اللوم على الولاة والعلماء، وهو لا ينظر إلى نفسه وطاعته، ولا يحافظ على صلاة الفجر مع الجماعة، أتريد النصر وأنت لا تصلي الفجر، وإذا أخذتهم الحمية لنصرة القضية الفلسطينية ارتكبوا المحرمات كالمظاهرات، وخالفوا هدي رسول الله بالاعتصامات، فالنصر الحقيقي والمقاومة النافعة هي في نصر الدين ومقاومة الشرك والبدع والمعاصي، بهذا نسترد ما لنا، ونرجع إلى عزنا الذي كان عليه الصحابة والقرون المفضلة. ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾.[النور(55)].