- خطبة بعنوان:أحكام يحتاجها المسلم في الشتاء.
- ألقاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
- المكان: خطبة في يوم 5 ربيع الثاني 1442هـ في مسجد السعدي بالجهرا.
إِنَّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ تَعَالَى، وخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُها، وكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ. أَمَّا بَعْدُ: إِنَّ مِنْ حِكْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وفَضْلِهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ صَرَّفَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالأَيَّامَ، وَقَلَّبَ الشُّهُورَ وَالفُصُولَ وَالأَعْوَامَ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحَ عَظِيمَةٍ كَثِيرَةٍ. وَقَدْ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَصْلُ الشِّتَاءِ بِمَا فِيهِ مِنْ فُرَصٍ لِلطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ: بَلَيْلِهِ الطَّوِيلِ الَّذِي يَجْعَلُ لِلْمُؤْمِنِ فُسْحَةً لِقِيَامِهِ، وَنَهَارِهِ الْقَصِيرِ الْبَارِدِ الَّذِي يُرَغِّبُ الْمُؤْمِنَ فِي صِيَامِهِ، فَهُوَ رَبِيعُ الْمُؤْمِنِ وَغَنِيمَتُهُ الْبَارِدَةُ. أَلَا وَإِنَّ مِنْ نِعَمِ اللهِ عَلَيْنَا أَنْ شَرَعَ لَنَا جُمْلَةً مِنَ الْأَحْكَامِ تُنَظِّمُ حَيَاتَنَا وَتُخَفِّفُ مِنْ تَكَاليفِهَا بِمَا يَتَنَاسَبُ مَعَ هَذَا الْفَصْلِ. وَمِنْ تِلْكَ الأَحْكَامِ وَالآدَابِ المُتَعَلِّقةِ بالشِّتَاءِ: أنه يجوز التَّيَمُّمُ، فَمَنْ أَرَادَ الوُضُوءَ أَوِ الغُسْلَ ولَمْ يَجِدِ المَاءَ، أَوْ وَجَدَهُ وَلَكِنَّهُ شَدِيـدُ الْبُرُودَةِ، مع عدم قدرته على تسخينه أَوْ كَانَ الْبَرْدُ قَارِساً وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْهَلَاكَ أَوْ ضَرَرًا فِي جَسَدِهِ إِنْ هُوَ اسْتَعْمَلَ الْمَاءَ: شُرِعَ لَهُ التَّيَمُّمُ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: )وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا( [النساء:43]. وَمِنَ الأَحْكَامِ الَّتِي يَحْتَاجُهَا الْمُسْلِمُ وَخَاصَّةً فِي هَذَا الْفَصْلِ: الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَوِ الْجَوْرَبَيْنِ، وَهُوَ ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ؛ وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَسْحِ أَنْ يَلْبَسَ الخُفَّيْنِ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ، وَأَنْ يَكُونَ الْخُفُّ طَاهِرًا، فَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَأَهْوَيْتُ لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ، فَقَالَ: «دَعْهُمَا، فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ» فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]، قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: «مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً جَوَازُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ» اهـ. وَمِنْ شُرُوطِ المَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ أَيضًا أَنْ يَمْسَحَ الْمُقِيمُ يَوْماً وَلَيْلَةً، وَالمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهَا؛ فَعَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ قَالَ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَسْأَلُهَا عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقَالَتْ: عَلَيْكَ بِابْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَسَلْهُ فَإِنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ: «جَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ]، إِلَّا إِذَا أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ فَيَلْزَمُهُ خَلْعُهُمَا وَغَسْلُ الْقَدَمَيْنِ مَعَ سَائِرِ الْجَسَدِ؛ لِمَا رَوَاهُ صَفْوَانُ بْنُ عَسَّالٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفْرًا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ، إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ» [أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ]. ويُشْرَعُ الْجَمْعُ بَيْنَ صَلَاتَيِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَبَيْنَ صَلَاتَيِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؛ فِي الْمَطَرِ الَّذِي يُبَلِّلُ الثِّيَابَ وَيُلْحِقُ الحَرَجَ بِالنَّاسِ؛ لِإِدْرَاكِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسَاجِدِ وَالتَّيْسيرِ عَلَى النَّاسِ، وَهَذِهِ الرُّخْصَةُ لِمَنْ يُصَلِّي جَمَاعَةً فِي مَسْجِدٍ يَتَأَذَّى فِي طَرِيقِهِ إِلَيْهِ، عَلَى تَفْصِيلٍ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي مَسَائِلِ الْجَمْعِ فِي الْمَطَرِ وَغَيْرِهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِالْمَدِينَةِ سَبْعًا وَثَمَانِيًا: الظُّهْرَ وَالعَصْرَ، وَالمَغْرِبَ وَالعِشَاءَ»، فَقَالَ أَيُّوبُ [لِجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ]: (لَعَلَّهُ فِي لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ، قَالَ: عَسَى) [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالْلَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ]. وَلَقَدْ كَانَ السَّلَفُ يَفْرَحُونَ بِالشِّتَاءِ ؛ لِقِصَرِ نَهَارِهِ لِصيامه، وَطُولِ لَيْلِهِ لِقيامه، فَهُوَ رَبِيعُ الْمُؤْمِنِ، وغنيمة الشتاء، عَنْ عَامِرِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الغَنِيمَةُ البَارِدَةُ: الصَّوْمُ فِي الشِّتَاءِ» [أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ]. بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ العظيم، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِمَا مِنَ الآيَاتِ وَالْحِكْمَةِ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ، لي ولكم من كل ذنب فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
- الخطبة الثانية:
