- خطبة بعنوان: منزلة النبي ﷺ وحقوقه ووجوب نصرته.
- ألقاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
- المكان: خطبة في يوم 13 ربيع الأول 1442هـ في مسجد السعدي بالجهرا.
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( .
عباد الله:
إن لرسولنا الكريم –صلى الله عليه وسلم- مكانةً عظيمة، ومنزلةً رفيعة لم يبلغها أحدٌ من الخلق فهو سيد ولد آدم يوم القيامة، آدمُ ومن دونه تحت لوائه –صلى الله عليه وسلم-، ولقد أوتي الشفاعة العظمى التي اعتذر عنها ألوا العزم من الرسل, والتي اختصه الله وآثره بها على العالمين, ولقد كرمه ربه -عز وجل-، واختصه بمكرمات جزيلة لم يعطها لأحدٍ من قبله من الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين-، وكلهم له منزلةً رفيعةٌ عند ربه, فعن أبي هريرة: أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: (
فضلت على الأنبياء بستٍ؛ أعطيت جوامع الكلم, ونصرة بالرعب، وأحلت لي الغنائم, وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورا, وأرسلت إلى الخلق كافة, وختم بي النبيون) رواه مسلم, وفي حديث جابرٍ: (
وأعطيت الشفاعة) متفقٌ عليه. وقال تعالى في بيان منزلته صلى الله عليه وسلم وصفاته الكريمة:
﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾، وكان النبي –صلى الله عليه وسلم- أكرم الناس خُلُقًا
﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾، قالت عائشة: كان خلقه القرآن،
﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾، وعن عبد الله ابن عمرو –رضي الله عنه- قال: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشًا ولا متفحشًا، وكان يقول: (
إن من خياركم أحسنكم أخلاقا)، وعن أبي سعيدٍ الخدري –رضي الله عنه- قال: كان النبي –صلى الله عليه وسلم- أشد حياءً من العذراء في خدرها، وعن أنس –رضي الله عنه- قال: كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس خلقا. كما كان كاملًا في شجاعته –عليه الصلاة والسلام-، فعن أنس ابن مالك –رضي الله عنه- قال: كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس، وكان أجود الناس، وكان أشجع الناس، وكذلك كان -عليه الصلاة والسلام- أعلم الناس بالله، وأشدهم له خشية كما في حديث أنس –رضي الله عنه- قال: قال النبي -عليه الصلاة والسلام:
(أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له) رواه البخاري.
فرسولنا –صلى الله عليه وسلم- هو أفضل الرسل, له فضائل كثيرة ومحاسن عديدة، بشّر به الرسل من قبله، وجاء ذكره في التوراة والإنجيل، وإن له علينا -صلى الله عليه وسلم- حقوقًا كثيرة، فمن حقوقه طاعته واتباعه، واتباع ما جاء به من عند الله، والإيمان به، وأنه رسول الله حقًا أرسله الله إلى الإنس والجن بشيرًا ونذيرا، والإيمان بعصمته فيما بلغه عن ربه، وأنه خاتم النبيين، وأنه قد بلغ رسالته على أكمل الوجوه، ومن حقوقه وجوب نصرته، وتوقيره، والتأدب معه -عليه الصلاة والسلام-، وألا نرضى عليه السوء، ونبغض كل من يتعرض له أو يسبه ولو كان أقرب قريبٍ، ومن حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم على الأمة الاحتكام إليه في كل أمرٍ يختلفون فيه من العقائد والأخلاق والعبادات والمعاملات وسائر شؤون الحياة، ومن حقوقه صلى الله عليه وسلم وجوب محبته أكثر من النفس والمال والولد والناس أجمعين، ومن حقوقه –صلى الله عليه وسلم- على أمته أن يصلوا، ويسلموا عليه كما أمرهم بذلك ربهم
﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾، ومن حقوقه –صلى الله عليه وسلم- على الأمة الإسلامية احترام أصحابه، وأهل بيته، وزوجاته، وموالاتهم، وبيان فضائلهم، ومزاياهم العظيمة والذبّ عن أعراضهم، وبغض من يتعرض لصحابته الكرام أو أحدٍ منهم، فحقوق المصطفى علينا كثيرة فأدوها عباد الله على أكمل الوجوه، واجتهدوا في ذلك، لتكونوا من أهل السعادة في الدنيا والآخرة. أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ رَبُّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ.
أَمَّا بَعْدُ:
فإن الناظر في حال الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم من ملل الكفر يجدهم ممن يبغضون ديننا أشد البغض، ويكرهون رسولنا أشدّ الكراهية فهم يطعنون في ربنا وديننا ورسولنا ليل نهار لا يوقفهم شيء عن ذلك، وما ظهر من استهزائهم برسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الأيام ليس هو شيء جديد بل هم على هذا، ويتدينون بذلك، ويبغضوننا، ويبغضون ديننا، فمن أحسن الظن بهم أو أحبهم فهذا قد أخلّ بدينه يقول -عز وجل-:
﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ﴾، ويقول -عز وجل-:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾. وما فعلوه من استهزاء، ورسومات يوضح للمخدوعين بهم شيئًا من موقفهم منّا، ومن ديننا ومن نبيّنا فهل آن لهؤلاء المتشبهين بالكفار أن يرجعوا إلى دينهم؟ وهل آن للذين يحبونهم أن يتركوا مودتهم ويبغضونهم؟ وما فعله هؤلاء الكفار ليدل كذلك على ضعف المسلمين وما هم فيه من وهنٍ حتى فعل أولئك الأفاعيل، ولا يخافون أحدا, ولن تظهر العزة للمسلمين حتى يرجعوا إلى دينهم، ويعودوا لسنة نبيهم، وهذا هو الحل في إذلال الكفار أن ترجعوا إلى دينكم، ليست نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم بالتفجيرات، والاغتيالات، وقتل الأبرياء والنساء, ليس من نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم نقض العهود والمواثيق، وإخفار ذمّة أولي الأمر, والخروج عليهم وعدم إرجاع الأمور العامة إليهم، ليس نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم تشويه صورة الإسلام بالغدر والخيانة وأهله، إن نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم هو بالرجوع إلى الدّين والتمسك بهديه وسنته صلى الله عليه وسلم، إن كنت تريد نصرة نبينا صلى الله عليه وسلم صدقًا وحقًا فاقتدِ به، واتبعه، واعمل بحقوقه، تريد نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم حافظ على الصلوات حيث ينادى بها، واعمل بأوامره، وابتعد عن نواهيه, تريد نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم أين أنت من صلاة الفجر في المسجد، تريد نصرة الرسول اعمل بسنته، واترك المحدثات والبدع وكل من يدعو إليها, تريد النصرة اترك التشبه بالكفار في لباسهم وهيئتهم وأعيادهم، يريد نصرة الرسول وهو يحتفل بعيد الحب وعيد الميلاد وعيد رأس السنة مما يفعله الكفار، يريد نصرة الرسول وهو يضع أسماء الكفار على لباسه وصورهم على هاتفه، فنصرة الرسول حقا هي في الرجوع إلى الدين والدعوة إلى سنته وما دعا إليه والبراءة من الكفر وأهله، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (
إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلًّا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم)، فانتبهوا عباد الله وعودوا إلى ربكم، واتبعوا نبيكم تعود لكم عزتكم.