حقوق ولاة الأمر في الكتاب والسنة
حقوق ولاة الأمر في الكتاب والسنة
  | , 3051   |   طباعة الصفحة


  • خطبة  بعنوان: حقوق ولاة الأمر في الكتاب والسنة.
  • ألقاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
  • المكان: خطبة في يوم 22 صفر 1442هـ في مسجد السعدي بالجهرا.

 
  • الخطبة الأولى: 
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ( . عباد الله: إِنَّ مِمَّا أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ الْعِبَادَ مِمَّا فِيهِ صَلَاحُ مُجْتَمَعَاتِهِمْ، وَقِيَامُ مَعَاشِهِمْ، وَثَبَاتُ أَمْنِهِمْ، وَاجْتِمَاعُ كَلِمَتِهِمْ: أَنْ يَسُوسَ الْوُلَاةُ رَعَايَاهُمْ بِمَا أَمَرَهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ مِنَ الوَاجِبَاتِ، وَأَنْ تَقُومَ الرَّعِيَّةُ بِأَدَاءِ حُقُوقِ وُلَاتِهِمُ الَّتِي أَوْصَى اللهُ بِهَا فِي كِتَابِهِ العَزِيزِ، وَأَوْصَى بِهَا نَبِيُّ الرَّحْمَةِ مُحَمَّدٌ  ﷺ، وَسَارَ عَلَيْهَا السَّلَفُ الصَّالِحُ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ. لَقَدْ جَاءَ الأَمْرُ صَرِيحًا فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى بِطَاعَةِ أُولِي الأَمْرِ بَعْدَ أَنْ أَمَرَ بِطَاعَةِ اللهِ تَعَالَى وَطَاعَةِ رَسُولِهِ ﷺ، حَيْثُ قَالَ سُبْحَانَهُ : ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ( [النساء: 59]. وَكَانَ رَسُولُ اللهِ  ﷺ يُوصِي بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِلْأَئِمَّةِ بِالمَعْرُوفِ، وَيَحُثُّ عَلَى الصَّبْرِ عَلَى جَوْرِهِمْ، وَيُرَغِّبُ فِي إِكْرَامِهِمْ وَتَوْقِيرِهِمْ، وَالدُّعَاءِ لَهُمْ، وَتَوْجِيهِ النَّصِيحَةِ إِلَيْهِمْ بِالرِّفْقِ وَالسِّرِّ مَعَ جَمْعِ القُلُوبِ عَلَيْهِمْ، حَتَّى يَكُونَ المُسْلِمُونَ يَدًا وَاحِدَةً، فَمَنْ تَمَسَّكَ بِهَذِهِ الوَصَايَا سَلِمَ وَغَنِمَ، وَمَنْ أَخَلَّ بِشَيْءٍ مِنْهَا خَابَ وَغَرِمَ، فَعَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَأَلَ سَلَمَةُ بْنُ يَزِيدَ الجُعْفِيُّ رَسُولَ اللهِ ﷺ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَا حَقَّهُمْ وَيَمْنَعُونَا حَقَّنَا، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الثَّالِثَةِ، فَجَذَبَهُ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا؛ فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]. وَلَقَدْ أَمَرَ  ﷺ أُمَّتَهُ بِالصَّبْرِ عَلَيْهِمْ، وَعَلَى طَاعَتِهِمْ فِي المَعْرُوفِ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ المَصْلَحَةِ العَامَّةِ لِلْمُسْلِمِينَ؛ فَعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ فَجَاءَ اللَّهُ بِخَيْرٍ فَنَحْنُ فِيهِ، فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ:»نَعَمْ«. قُلْتُ: هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ». قُلْتُ: فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ ؟قَالَ: «نَعَمْ». قُلْتُ :كَيْفَ؟ قَالَ:« يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ، قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]. وَجَاءَتِ الأَحَادِيثُ الكَثِيرَةُ - مَعَاشِرَ المُسْلِمِينَ - فِي بَيَانِ أَهَمِّيَّةِ النَّصِيحَةِ لِوُلَاةِ الأَمْرِ، لَكِنَّهَا تَكُونُ بِإِخْلَاصٍ وَرِفْقٍ وَلِينٍ، نَصِيحَةٌ سِرِّيَّةٌ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ، لَا عَلَى المَلَأِ وَفِي النَّدَوَاتِ، وَعَلَى المَنَابِرِ وَالقَنَوَاتِ، فَتَمْتَلِئَ قُلُوبُ الرَّعِيَّةِ عَلَى وَلِيِّ أَمْرِهَا فَتَخْرُجَ عَلَيْهِ، فَيَجُرَّ ذَلِكَ البَلَاءَ وَالْفِتَنَ، وَالدَّمَارَ وَالمِحَنَ؛ فَعَنْ عِيَاضِ بْنِ غَنْمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ  ﷺ: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِسُلْطَانٍ بِأَمْرٍ فَلَا يُبْدِ لَهُ عَلَانِيَةً، وَلَكِنْ لِيَأْخُذْ بِيَدِهِ فَيَخْلُوَ بِهِ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ، وَإِلَّا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ لَهُ» [رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ]. عباد الله: لَقَدْ حَثَّ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَلَى تَوْقِيرِ الحَاكِمِ وَإِكْرَامِهِ، وَأَوْصَى  بِهِ أُمَّتَهُ؛ وَسَارَ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم عَلَى هَذَا النَّهْجِ الْقَوِيمِ، فَأَوْصَوْا مَنْ بَعْدَهُمْ بِمَا أَوْصَاهُمْ بِهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَسَدُّوا أَبْوَابَ الْفِتَنِ عَنِ الأُمَّةِ، وَعَاشُوا عَلَى خَيْرٍ وَأَمْنٍ وَأَمَانٍ؛ فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (أَمَرَنَا أَكَابِرُنَا مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ﷺ أَنْ لَا نَسُبَّ أُمَرَاءَنَا، وَلَا نَغُشَّهُمْ، وَلَا نَعْصِيَهُمْ، وَأَنْ نَتَّقِيَ اللهَ وَنَصْبِرَ، فَإِنَّ الأَمْرَ قَرِيبٌ) [رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ فِيْ شُعَبِ الإِيمَانِ]، وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: ( إِنَّ أَوَّلَ نِفَاقِ المَرْءِ طَعْنُهُ عَلَى إِمَامِهِ) [رَوَاهُ البَّيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الإِيمَانِ]. وَلَقَدْ كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ - عِبَادَ اللهِ- يَحُثُّونَ عَلَى الدُّعَاءِ لِوَلِيِّ الأَمْرِ بِالصَّلَاحِ؛ لِيَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا فِي الأَمْنِ وَالِاسْتِقْرَارِ وَالفَلَاحِ،  يَقُولُ الفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللهُ: (لَوْ أَنَّ لِي دَعْوَةً مُسْتَجَابَةً مَا جَعَلْتُهَا إِلَّا فِي السُّلْطَانِ)، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا عَلِيٍّ فَسِّرَ لَنَا هَذَا، قَالَ: (إِذَا جَعَلْتُهَا فِي نَفْسِي لَمْ تَعْدُنِي، وَإِذَا جَعَلْتُهَا فِي السُّلْطَانِ صَلُحَ، فَصَلُحَ بِصَلَاحِهِ العِبَادُ وَالبِلَادُ). فَالإِخْلَالُ بِالوَصَايَا الشَّرْعيَّةِ في هَذَا البَابِ شَرُّهُ عَظِيمٌ؛ وَخَطَرُهُ جَسِيمٌ، فَقَلَّمَا خَرَجَ خَارِجِيٌّ إِلَّا كَانَتِ المَفَاسِدُ أَعْظَمَ مِنَ المَصَالِحِ، وَتَوَلَّدَ مِنْ فِعْلِهِ مَا لَا تُحْمَدُ عُقْبَاهُ، مِنْ ذَهَابِ الأَمْنِ وَالأَمَانِ، وَانْتِشَارِ الفَوْضَى وَالدَّمَارِ. أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.                                                                                      
  • الخطبة الثانية:
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ رَبُّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ. أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ -عِبَادَ اللهِ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ. عباد الله: وَإِنَّ مِنَ الحُقُوقِ اللَّازِمَةِ عَلَى الرَّعِيَّةِ لِوُلَاةِ أُمُورِهِمْ: تَوْقِيرَهُمْ وَإِكْرَامَهُمْ، وَمَا لَازَمَ ذَلِكَ مِنَ الدُّعَاءِ لَهُمْ وَتَحْرِيمِ الطَّعْنِ فِيهِمْ وَسَبِّهِمْ وَلَعْنِهِمْ، وَقَدْ حَثَّ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَلَى تَوْقِيرِ وَلِيِّ الأَمْرِ وَإِكْرَامِهِ، وَأَوْصَى  بِهِ أُمَّتَهُ؛ لِعِلْمِهِ بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ المَصَالِحِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَدَفْعِ الشَّرِّ وَالفَوْضَى وَالفِتَنِ عَنْهُمْ؛ فَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «السُّلْطَانُ ظِلُّ اللهِ فِي الأَرْضِ، فَمَنْ أَكْرَمَهُ أَكْرَمَهُ اللهُ، وَمَنْ أَهَانَهُ أَهَانَهُ اللهُ» [رَوَاهُ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ فِي السُّنَّةِ وَالْبَيْهَقِيُّ في شُعَبِ الإِيمَانِ، وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ]. إِنَّ وُلَاةَ أُمُورِنَا - يَا رَعَاكُمُ اللهُ - يَلُونَ مِنْ أُمُورِنَا الكَثِيرَ، فَيَجِبُ أَنْ نَكُونَ لَهُمْ خَيْرَ عَوْنٍ وَنَصِيرٍ، فَنَشْكُرَ فَضْلَهُمْ وَجُهْدَهُمْ، وَنَصْبِرَ عَلَى تَقْصِيرِهِمْ، فَإِذَا حَكَمَ الأَئِمَّةُ بِالعَدْلِ وَسَمِعَتِ الرَّعِيَّةُ وَأَطَاعَتْ حَصَلَ بِذَلِكَ الخَيْرُ الْوَفِيرُ، وَقَامَتْ مَصَالِحُ النَّاسِ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، قَالَ تَعَالَى : ) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ *  وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ  ( [النور:55 ، 56].