- خطبة بعنوان: انتشار الأمراض (الكورونا)... تنبيهات وعظات .
- القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
- المكان: خطبة في يوم 6 جمادى الثاني - عام 1441هـ في مسجد السعيدي.
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( [آل عمران:102]، )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا( [النساء:1]، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71]. أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كَلَامُ اللهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ. عِبَادَ اللهِ: إن الله تعالى خلق الخلق لعبادته وأمرهم بتقواه وطاعته، فمن أطاعه رشد واهتدى ومن خالف أمره ضل وغوى، قال سبحانه: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى). فمن كانت دنياه في طاعة الله أبدل الله خوفه أمنا وجعل قلبه في راحة وطمأنينة، وأبعد عنه البلاء والوباء، ومن كانت دنياه في معصية الله لا يخاف الله ولا يرجوه، همه الدنيا والبحث عنها، لا صلاة ولا زكاة ولا ذكر ولا قرآن، يتقلب بين المعاصي والكفران، فهذا يعاقبه الله في الدنيا قبل الآخرة بأنواع من العقوبات والبلاء، فعلى العبد أن يخاف من الله ولا يأمن مكر الله فيصيبه ما أصاب الأمم المعذبة قبله، قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99)). عباد الله: نسمع بين الحين والآخر بانتشار أمراض وأوبئة، أمراض تتجدد وتنتشر بعد أن كانت في أضيق نطاق، وأمراض جديدة لا تعرف في أسلافنا من الأمم، ويغفل الناس للأسف أن انتشار مثل هذه الأمراض إنما هو ابتلاء وعقوبات من رب الأرض والسموات، لمن ترك الطاعات وانغمس في الملذات، ومن رأى مثل هذه العقوبات في غيره من الأمم يجب عليه أن يتعظ ويرجع إلى الله بالتوبة والإنابة إليه لئلا يصيبه ما أصابهم، قال تعالى بعد أن ذكر عذاب قول لوط: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83))، فعذاب الله لغيرنا من الأمم من موجبات زيادة خوفا ممن ربنا أن لا يعذبنا كما عذبهم لذلك قال شعيب عليه السلام لقومه: (وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ)، وقد بيّن نبينا r أن من عقوبات الله تعالى لمن أضاع أمره انتشار أمراض فيهم لمن تكن فيما مضى من سابقيهم، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم) رواه ابن ماجة وحسنه الألباني. فارتكاب الفواحش بأنواعها من الزنا والتبرج والسفور والغناء والخمور وإعلانها والمجاهرة بها من أسباب فشو الأمراض وانتشارها، عافانا الله وإياكم. عباد الله: يجب على المسلم أن يعلم أن الأمراض والأوبئة من جنود الله تعالى، (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ)، مسخرة مدبرة بأمره سبحانه لا تخرج عن ملكه وقوته وجبروته وسلطانه وإرادته، لذلك لا يجوز سبها ولعنها، ونبينا r نهى عن سب الحمى ولعنها، ففي "صحيح مسلم" من حديث جابر رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم السائب - أو أم المسيب - فقال: (ما لك يا أم السائب - أو أم المسيب - تزفزفين!)، قالت: الحمى، لا بارك الله فيها، فقال: (لا تسبي الحمى؛ فإنها تذهب خطايا بني آدم، كما يذهب الكير خبث الحديد)، فالله تعالى يصيب من يشاء من عباده بما شاء مما يقدره الله عليه، وكل ذلك بسبب ذنوب العبد وتقصيره في حق ربه، (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)، وترى بعض الناس للأسف يكثر من الضحك والاستهزاء والتعليقات الساخرة على هذه الأمراض أو على من انتشرت عنده ولا يستشعر خطورة الأمر وأنه ليس ببعيد عنه أن يصيبه ما أصابهم، قال تعالى: (أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ)، وعلى العبد إذا رأى مصاب قوم أن يدعو بما ورد، فعن عمر و أبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من رأى صاحب بلاء فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا، لم يصبه ذلك البلاء). عباد الله: إذا علم العبد أن الأمر كله بيد الله وأن هذه العقوبات جنود رب الأرض والسماوات وجب عليه أن يلتجئ إليه ويتوكل عليه ويسأله تعالى العفو والعافية، (قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً)، وأن يكثر العبد من طاعة ربه بأنواع الطاعات من الفرائض والنوافل وجميع القربات، فمن حفظ الله تعالى في طاعته واتباع أمره حفظه الله تعالى في دنياه وآخرته، (احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ(، فإن أصيب بشيء من ذلك فهو بقضاء الله وقدره، وكفارة لذنوبه وتكفير لسيئاته إذا قابل ذلك بالصبر والاحتساب، فعَنْ صُهَيْبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ » رواه مسلم. واعلموا عباد الله أنه لا يجوز التساهل في نشر الإشاعات في مثل هذه الأحوال فيزداد الناس خوفا إلى خوفهم، ويجب إرجاع الأمور إلى أهل الاختصاص وإلى أولي الأمر، قال تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا). أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي ولكم، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
- الخطبة الثانية: