محرمات يتساهل الناس فيها في أفراحهم
محرمات يتساهل الناس فيها في أفراحهم
  | 7591   |   طباعة الصفحة


  • خطبة بعنوان: محرمات يتساهل الناس فيها في أفراحهم.
  • القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
  • المكان: خطبة في يوم 26 صفر - عام 1441هـ في مسجد السعيدي.

   
  • الخطبة الأولى:
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أصدق الحَدِيثِ كلامُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله علسه وسلم، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ. أَمَّا بَعْدُ: عباد الله: إِنَّ الحَيَاةَ الدُّنْيَا دَارٌ يَرَى فِيهَا المَرْءُ مَا يَسُرُّ وَمَا يَسُوءُ، فَفِيهَا أَفْرَاحٌ وَأَتْرَاحٌ، وَسَعَادَةٌ وَتَعَاسَةٌ، وَغِنًى وَفَقْرٌ، وَصِحَّةٌ وَسَقَمٌ. وَمِنْ عَظَمَةِ الإِسْلَامِ: أَنَّهُ دِينٌ لَبَّى حَاجَاتِ الرُّوحِ، وَرَاعَى مُتَطَلَّبَاتِ الجَسَدِ، وَأَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ؛ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ t أَنَّ سَلْمَانَ رَأَى أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُومُ اللَّيْلَ وَيَصُومُ النَّهَارَ،فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: (إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ) [رَوَاهُ البُخَارِيُّ ]. وَمِنْ ذَلِكُمْ: تَشْرِيعُ اللهِ عز وجل الزَّوَاجَ، تَلْبِيَةً لِنِدَاءِ الْفِطْرَةِ الْبَشَرِيَّةِ، وَحِفْظًا لِلنَّسْلِ، وَتَذْكِيرًا بِالْحِكْمَةِ الرَّبَّانِيَّةِ؛ فَالزَّوَاجُ يُنْشِئُ الأُسْرَةَ، وَيُكَوِّنُ المُجْتَمَعَ، وَقَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ مِنْ سُنَنِ المُرْسَلِينَ، وَرَغَّبَ فِيهِ المُسْلِمِينَ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: )وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً( [الرعد:38]. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ t أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ: مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» [أَيْ: وِقَايَةٌ] [رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]. وَلَمَّا كَانَ الزَّوَاجُ نِعْمَةً مِنْ نِعَمِ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ؛ كَانَ مِنَ الوَاجِبِ: أَنْ تُشْكَرَ وَلَا تُكْفَرَ، وَأَلَّا تُتَّخَذَ وَسِيلَةً لِلْوُقُوعِ فِيمَا حَرَّمَ اللهُ. أَلَا وَإِنَّ مِنْ نِعَمِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا: نِعْمَةَ الأَفْرَاحِ الَّتِي تَكُونُ فِي مُنَاسَبَاتٍ مَشْرُوعَةٍ وَمُبَاحَةٍ، وَقَدْ حَثَّنَا دِينُنَا العَظِيمُ عَلَى أَنْ نُظْهِرَ الفَرَحَ وَنُعَبِّرَ عَنِ السُّرُورِ بِمَا أَحَلَّ الله عز وجل وَشَرَعَ، لَا بِمَا حَرَّمَ وَمَنَعَ؛ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ الْجُمَحِيِّ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: «فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ: الدُّفُّ وَالصَّوْتُ فِي النِّكَاحِ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ]. وَشَرَعَ وَلِيمَةَ العُرْسِ؛ إِظْهَارًا لِلْفَرْحَةِ وَشُكْرًا لِلنِّعْمَةِ، وَحَثَّ عَلَى دَعْوَةِ النَّاسِ إِلَيْهَا، وَأَوْجَبَ عَلَى مَنْ دُعِيَ أَنْ يُجِيبَ الدَّعْوَةَ وَلَا يَزْهَدَ فِيهَا؛ إن خصَ بالدعوةِ ولم يكن هناك محظور شرعي، فَفِي صَحِيحَيِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ t أَنَّ النَّبِيَّ r  رَأَى عَلَى عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَثَرَ صُفْرَةٍ [أَيْ: زَعْفَرَانٍ]، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟» قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: «فَبَارَكَ اللهُ لَكَ، أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ». وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ: «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى وَلِيمَةِ عُرْسٍ، فَلْيُجِبْ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]. عِبَادَ اللهِ: وَإِذَا كَانَ الإِسْلَامُ شَرَعَ لَنَا إِظْهَارَ الفَرَحِ وَالسُّرُورِ فِي المُنَاسَبَاتِ، فَقَدْ نَهَانَا عَنْ إِبْرَازِ المَآثِمِ وَالمُنْكَـرَاتِ؛ وَمَا حَرَّمَهُ اللهُ عَلَيْنَا قَلِيلٌ إِذَا مَا قُوبِلَ بِمَا أَحَلَّهُ لَنَا، وَلَكِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَأْبَوْنَ إِلَّا أَنْ يَتَجَاوَزُوا حُدُودَ اللهِ، فَيَزْهَدُوا فِيمَا أَحَلَّ لَهُمْ، وَيَرْغَبُوا فِيمَا حَرَّمَ ، فَيَفْرَحُوا الْفَرَحَ الَّذِي يَخْتَلِطُ فِيهِ السُّوءُ وَالمُنْكَرُ، وَيَظْهَرُ فِيهِ جُحُودُ النِّعْمَةِ وَالشَّرُّ. أَلَا وَإِنَّ مِنْ مُنْكَـرَاتِ الأَفْرَاحِ الَّتِي أَضْحَتْ مِلْءَ الأَسْمَاعِ وَالأَبْصَارِ: الإِسْرَافَ وَالتَّبْذِيرَ اللَّذَيْنِ يَتَسَابَقُ فِيهِمَا المُتَسَابِقُونَ، وَيَتَكَاثَرُ فيهِمَا المُتَبَاهُونَ؛ اتِّبَاعًا لِهَوًى مُطَاعٍ، وَتَكْلِيفًا لِلنَّفْسِ بِمَا لَا يُسْتَطَاعُ؛ مُجَارَاةً لِلْأَثْرِيَاءِ أَوْ مُحَاكَاةً لِلسُّفَهَاءِ، فَمِنَ المهور الغالية التي تصرف الشباب عن الزواج إلى الْإِعْلَانَاتِ المُبَالَغِ فِيهَا وَالدِّعَايَاتِ ، إِلَى التَّنَافُسِ فِي المَلَابِسِ وَالْحُلَلِ وَالْحُلِيِّ الَّتِي تُكَلِّفُ الْآلَافَ أَوِ الْمِئَاتِ، وَالْإِنْفَاقِ غَيْرِ المُسَوَّغِ عَلَى تَهْيِئَةِ المَكَانِ وَالزِّينَةِ وَالْإِضَاءَاتِ، وَاسْتِئْجَارِ أَمَاكِنَ بَاهِظَةِ الأَثْمَانِ كَثِيرَةِ التَّكَالِيفِ؛ لِتَذْهَبَ الأَمْوَالُ الكَثِيرَةُ فِيمَا لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي، وَكُلُّ هَذَا إِسْرَافٌ نَهَانَا عَنْهُ العَلِيمُ القَدِيرُ، وَتَبْذِيرٌ حَذَّرَنَا مِنْهُ البَشِيرُ النَّذِيرُ؛ قَالَ تَعَالَى: )وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا   ( [الإسراء:26-27]، وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: «كُلُوا، وَاشْرَبُوا، وَتَصَدَّقُوا، وَالْبَسُوا، مَا لَمْ يُخَالِطْهُ إِسْرَافٌ، أَوْ مَخِيلَةٌ» [رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ]. عباد الله: إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُحِبُّ أَنْ يُظْهِرَ المَرْءُ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ وَجْهٌ مِنْ وُجُوهِ شُكْرِهَا، لَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يُحِبُّ الإِسْرَافَ وَالتَّبْذِيرَ وَلَا التَّفَاخُرَ وَالتَّبَاهِيَ؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ r: »إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ« [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا]. وَمِنْ هَذِهِ المُنْكَرَاتِ: السَّرَفُ وَالتَّرَفُ فِي الأَطْعِمَةِ وَالأَشْرِبَةِ إِلَى حَدِّ أَنْ يُلْقَى كَثِيرٌ مِنْهَا فِي حَاوِيَاتِ القُمَامَةِ يقولَ عزَ وجل: )وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ(  [الأعراف:31]. وعليهم أن يرتبوا توزيع الأطعمة الزائدة على الفقراء والمحتاجين ولا يتركوها تلقى ولا يستفاد منها فإنهم عنها محاسبون ومسؤولون، وَمِنْ تِلْكُمُ المُنْكَرَاتِ – عباد الله -: اخْتِلَاطُ الرِّجَالِ والنِّسَاءِ، وَدخُولُ الرجال صالات النساء وتساهل النساء في اللباس الفاضح المحرم، وَلَا يَخْفَى مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ مَفَاسِدَ عَظِيمَةٍ وَوَيْلَاتٍ جَسِيمَةٍ، وَقَتْلٍ لِلْغَيْرَةِ وَنَحْرٍ لِلْفَضِيلَةِ. وقد نَهَى الشَّرْعُ الْكَرِيمُ عَنْ هَذَا وَأَمْثَالِهِ؛ فَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ» فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: «الْحَمْوُ المَوْتُ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]. وَالْحَمْوُ: قَرِيبُ الزَّوْجِ كَأَخِيهِ وَعَمِّهِ وَابْنِ عَمِّهِ. بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَنَفَعْنَا بِمَا فِيهِمَا مِنَ الآيَاتِ وَالحِكْمَةِ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.  
  • الخطبة الثانية:
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد،، عباد الله: لَقَدْ شَرَعَ اللَّهُ تَعَالَى لِعِبَادِهِ فِي الْمُنَاسَبَاتِ مَا يُدْخِلُ عَلَيْهِمُ الْفَرَحَ وَالسُّرُورَ، فَأَمَرَ بِإِعْلَانِ النِّكَاحِ، وَأَبَاحَ لِلنِّسَاءِ خَاصَّةً وليس للرجال، الضَّرْبَ بِالدُّفِّ، وَالْغِنَاءَ فِي الْعُرْسِ، وَأَنْ يُظْهِرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْهِمْ بِمَا لَا يُحِلُّ حَرَامًا وَلَا يُحَرِّمُ حَلَالًا، لَكِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَتَجَاوَزُونَ مَا أَحَلَّ اللهُ وَلَا يَكْتَفُونَ بِهِ عَمَّا حَرَّمَ، فَتَرَاهُمْ يَتَوَسَّعُونَ فِي اقْتِحَامِ المُحَرَّمَاتِ وَارْتِكَابِ المَحْظُورَاتِ، فَيَأْتُونَ بِالمُغَنِّينَ والموسيقى وَيَخْتَلِطُ الحَابِلُ بِالنَّابِلِ، وَبَدَلًا مِنْ أَنْ يُرَاعُوا حُدُودَ اللهِ فِي لَيْلَةِ الْعُرْسِ لِتَكُونَ لَيْلَةً مُبَارَكَةً عَلَى الْعَرُوسَيْنِ وَذَوِيهِمَا؛ يَبْدَؤُونَ أَوَّلَ لَيْلَةٍ فِي حَيَاتِهِمَا بِالمُخَالَفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، وَهُنَا تَكْمُنُ المُشْكِلَةُ فِي شُؤْمِ المَعْصِيَةِ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ قِلَّةِ البَرَكَةِ فِي الحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ، أَوْ كَثْرَةِ الطَّلَاقِ فِي حَيَاتِنَا الِاجْتِمَاعِيَّةِ؛ قَالَ تَعَالَى: )مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ( [النساء:123]. عِبَادَ اللهِ: أَلَا وَإِنَّ إِطْلَاقَ الأَعْيِرَةِ النَّارِيَّةِ ابْتِهَاجًا فِي الأَعْرَاسِ مُنْكَرٌ مِنَ المُنْكَرَاتِ؛ لِمَنْعِهِ مِنْ وَلِيِّ الأَمْرِ، وَلِمَا يُسَبِّبُ فِي أَحْيَانٍ كَثِيرَةٍ مِنْ إِزْهَاقٍ لِأَرْوَاحٍ بَرِيئَةٍ، وَتَبْذِيرٍ لِأَمْوَالٍ مُحْتَرَمَةٍ، وَتَتَحَوَّلُ بِسَبَبِهِ الأَفْرَاحُ إِلَى أَتْرَاحٍ وأحزان، وَالبَهْجَةُ وَالسُّرُورُ إِلَى أَسًى وَشُرُورٍ. كَيْفَ يجوز هَذَا -يَا عِبَادَ اللهِ- وَالنَّبِيُّ r نَهَى عَنْ مُجَرَّدِ الْإِشَارَةِ بِالسِّلَاحِ إِلَى الْمُسْلِمِ؟! فَعَنْ أَبِي  هُرَيْرَةَ  t قَالَ: قَالَ رسول الله r: «مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى يَدَعَهُ، وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]. وَفِيهِ تَأْكِيدُ حُرْمَةِ الْمُسْلِمِ وَالنَّهْيُ الشَّدِيدُ عَنْ تَرْوِيعِهِ وَتَخْوِيفِهِ وَالتَّعَرُّضِ لَهُ بِمَا قَدْ يُؤْذِيهِ. وَمِمَّا يَنْبَغِي التَّـنَـبُّهُ لَهُ: الدُّعَاءُ لِلْعَرُوسَيْنِ بِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ لقَوْلِ بعض الناس: (بِالرَّفَاءِ وَالْبَنِينَ)؛ فَإِنَّهَا دَعْوَةٌ مُنْكَرَةٌ؛ فَهِيَ دَعْوَةٌ بِالْبَنِينَ دُونَ البَنَاتِ، وَعُدُولٌ عَمَّا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ فِي التَّهْنِئَةِ بِالزَّوَاجِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t أَنَّ النَّبِيَّ r كَانَ إِذَا رَفَّأَ قَالَ: «بَارَكَ اللَّهُ لَكُمْ، وَبَارَكَ عَلَيْكُمْ، وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ»، وَعَنِ الْحَسَنِ عَنْ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ t أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي جُشَمَ، فَقَالُوا: بِالرَّفَاءِ وَالْبَنِينَ، فَقَالَ: لَا تَقُولُوا هَكَذَا، وَلَكِنْ قُولُوا كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ، وَبَارِكْ عَلَيْهِمْ» [رَوَاهُمَا ابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُمَا الأَلْبَانِيُّ]. وَمِنَ الْمُخَالَفَاتِ الَّتِي يَقَعُ بِهَا بَعْضُ النَّاسِ فِي الأَفْرَاحِ: تَعْطِيلُ الشَّوَارِعِ عَلَى الْمَارَّةِ بِسَيَّارَاتِهِمْ و التَضْيِيق عَلَيْهِمْ بِالْوُقُوفِ وَسَطَهَا، وَالتَّفْحِيطِ فِيهَا وَأَذِيَّةِ النَّاسِ، مَعَ الْغِنَاءِ وَالرَّقْصِ وَرَفْعِ أَصْوَاتِ الْمُوسِيقَا. وَهَذَا كُلُّهُ مِنَ المحرمات ومن الْأَذِيَّةِ الَّتِي نَهَى عَنْهَا شَرْعُنَا الْحَنِيفُ؛ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ r المِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ: لَا تُؤْذُوا المُسْلِمِينَ ...» [رَوَاهُ  التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ]. فَالْزَمُوا -يَا عِبَادَ اللهِ- حُدُودَ اللهِ، وَاعْمَلُوا بِطَاعَتِهِ وَرِضَاهُ؛ تَفُوزُوا وَتُفْلِحُوا، وَتَغْنَمُوا وَتَرْبَحُوا. اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والأخرة. اللهم ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل. الله أغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. ربنا أغر لنا ولوالدينا وصلى الله وسلم على نبينا محمد.