- العنوان: فضل قراءة القرآن وقيام الليل
- القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى
- المكان: خطبة جمعة في مسجد السعيدي بالجهراء 9 رمضان عام 1436هـ
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد،،،
فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار أما بعد،، إن شهر رمضان موسمٌ عظيمٌ من مواسم الطاعة حيث تضاعف فيه الحسنات، وتفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النار، وتصفد فيه مردة الشياطين، وتتهيأ النفوس للعبادة، وتنشط فيها أكثر ما يكون في غيره، وإن من أحسن ما يستغل به المسلم وقته في شهر رمضان المبارك من نوافل الطاعات: تلاوة القرآن فلتلاوته في هذا الشهر مزية خاصة حيث ابتدأ الله –عز وجل- إنزال القرآن في هذا الشهر الكريم يقول –عز وجل-:
﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾[البقرة:185]، وقد كثر الترغيب في الكتاب والسنة في تلاوة القرآن الكريم فمما جاء في فضل تلاوته قوله –عز وجل-:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ﴾[فاطر:29] ﴿لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾[فاطر:30]، ومعنى قوله-عز وجل-: -:
﴿يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ﴾[فاطر:29] أي: يرجون ثوابًا عند الله لابد من حصوله، وكان مطرف إذا قرأ هذه الآية قال هذه آية القراء وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال:
«مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب الحديث». وفي صحيح مسلمٍ عن أبي أمامة عن النبي –عليه الصلاة والسلام- أنه قال:
«اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه». وفي صحيح مسلم أيضا عن أبي هريرة –رضي الله تعالى عنه- قال النبي –صلى الله عليه وسلم-:
«ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عنده» فاجتهدوا عباد الله في كثرة قراءة القرآن المبارك لاسيما في هذا الشهر الذي أُنزل فيه, فإن لكثرة القراءة فيه مزية خاصة, كان جبريل –عليه السلام- يُعارض النبي –عليه الصلاة والسلام- القرآن في رمضان كل سنة مرة فلما كان العام الذي توفي فيه عارضه مرتين تأكيدًا وتثبيتا.
وكان السلف الصالح يكثرون من تلاوة القرآن في رمضان في الصلاة وخارج الصلاة، كان الزهري يقول: إذا دخل رمضان إنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام.
وكان جماعةٍ من السلف يختمون القرآن في شهر رمضان مراتٍ عديدة فاقتدوا بهم في الإقبال على تلاوة القرآن الكريم وتدبره.
عباد الله، للتلاوة آدابٌ كثيرة منها: إخلاص النية لله –عز وجل- يقول سبحانه:
﴿فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾[غافر:14]، والتلاوة من أجل العبادات، وأفضل القربات.
وقال -عليه الصلاة والسلام- :
«اقرؤوا القرآن وابتغوا به وجه الله من قبل أن يأتي قوم يقيمونه إقامة القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه رواه أحمد، ومعنى يتعجلونه أي؛ يتلونه يطلبون به أجر الدنيا».
ومن آدابها أن يقرأ بقلبٍ حاضرٍ يتدبر ما يقرأ ويتفهم معانيه ويخشع عند ذلك قلبه ويستحضر بأن الله يخاطبه لأن القرآن كلام الله -عز وجل-.
ومن آدابها: أن يقرأ القرآن على طهارة؛ لأنه من تعظيم كلام الله –سبحانه وتعالى-، ولا يقرأ القرآن وهو جنب حتى يغتسل أو يتيمم إن عجز عن استعمال الماء للنصوص الواردة في ذلك.
ومن آدابها الابتداء بالاستعاذة لقوله –عز وجل-:
﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾[النحل:98] وأما البسملة: فيبسمل أول كل سورةٍ إلا في سورة التوبة.
ومن آدابها: أن يحسن صوته بالقراءة ويترنم به، لم في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي –عليه الصلاة والسلام- أنه قال:
«ما أذن الله لشيءٍ –أي؛ ما استمع لشيءٍ- كما أذن لنبيٍ حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به».
وإذا كان معك أحد حيث تقرأ فلا تجهر بالقرآن جهرصا يشوش عليه قراءته أو صلاته لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-:
«ولا يجهر بعضكم على بعض في القرآن».
ومن آدابها: أن يرتل القرآن ترتيلًا لقوله –عز وجل-:
﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾[المزمل:4] فيقرأ بتمهلٍ دون سرعة؛ لأن ذلك أعون على تدبر معانيه، وتقويم حروفه وألفاظه، جاء صحيح البخاري عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه سئل عن قراءة النبي –عليه الصلاة والسلام- فقال: كانت مدًا ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم يمد بسم الله ويمد الرحمن ويمد الرحيم وسئلت أم سلمة عن قراءة النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: كان يقطع قراءته آية آية بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين وهكذا. وقال ابن مسعودٍ –رضي الله تعالى عنه-: لا تنثروه نثر الرمل، ولا تهذوه هذ الشعر، قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة. ولا بأس بالسرعة التي ليس فيها إخلال باللفظ فإن كانت السرعة تؤدي إلى الإخلال باللفظ فهي حرام لأنها تغيير للقرآن.
ومن آدابها: السجود إذا مرت بك آية سجدة، فاجتهدوا عباد الله في تلاوة القرآن لاسيما في هذا الشهر الكريم. اللهم وفقنا لتلاوة كتابك على الوجه الذي يرضيك عنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد،،، عباد الله، ومن أحسن ما يتقرب به المسلم إلى ربه في هذا الشهر من نوافل الطاعات: قيام الليل، وقيام الليل مشروع في العام كله، قال –عز وجل- يمدح أهل قيام الليل:
﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا﴾[الفرقان:64] وقال –عز وجل-:
﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾[السجدة:16] ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[السجدة:17] يقول –صلى الله عليه وسلم-:
«أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل» رواه مسلم. وقال –عليه الصلاة والسلام-:
«أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام» وقال -صلى الله عليه وسلم- في خصوص قيام رمضان
«من قام رمضان إيمانًا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» ومعنى قوله:
«إيمانًا» أي إيمانًا بالله وبما أعده من الثواب للقائمين. ومعنى قوله:
«احتسابًا» أي؛ طلبًا لثواب الله لم يحمله على ذلك رياءً ولا سمعةً ولا طلب مالًا ولا جاه.
ومن قيام الليل صلاة التراويح فينبغي للمسلم أن يعتني بها ويواظب عليها الشهر كله. والنبي -صلى الله عليه وسلم- هو أول من سن الجماعة في صلاة التراويح في المسجد ثم تركها خوفًا من أن تفرض على أمته وأحيا عمر هذه السنة الجليلة ولا يزال المسلمون على ذلك.
وكان السلف –رضي الله تعالى عنهم- يطيلون التراويح جدًا ففي حديث السائب بن يزيد -رضي الله عنه- قال: (كان القارئ يقرأ بالمئين _ يعني بمئات الآيات _ حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام).
والسنة في قيام الليل أن تصلى ركعتين ركعتين؛ لقول –عليه الصلاة والسلام-:
«صلاة الليل مثنى مثنى»، والسنة أن يصليها إحدى عشرة ركعة لمواظبة النبي -صلى الله عليه وسلم- على هذا العدد، ولا ينبغي على المسلم الوتر في سفرٍ ولا حضر، فإذا فرغ من قيام الليل أوتر، وينبغي للمسلم أن يقوم مع الإمام حتى يفرغ من صلا؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-:
«إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة» ويجوز للنساء حضور التراويح في المساجد إذا أُمنت الفتنة منهن وبهن؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-:
«لا تمنعوا إماء الله مساجد الله»، ولأن هذا من عمل السلف الصالح لكن يجب أن تأتي متحجبة متسترة غير متبرجة ولا متطيبة ولا مبدية زينة، والسنة للنساء أن يتأخرن عن الرجال ويبدأن بالصف المؤخر عكس الرجال لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-:
«خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها» رواه مسلم. وهذا إذا كن يصلين وراء الرجال دون ستر، فإذا كان بينهن وبين الرجال سترٌ فحكم صفوفهن حكم صفوف الرجال، والسنة أن ينصرف النساء فور تسليم الرجال ولا يتأخرن إلا لعذرٍ، وأن يتأخر الرجال قليلًا. عن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا سلم قام النساء حين يقضيَ تسليمه وهو يمكث في مقامه يسيًرا قبل أن يقوم، قالت: نرى والله أعلم أن ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن الرجال رواه البخاري، ومن أحسن ما يعنى به المسلم في هذا الشهر الحرص على تفطير الصوام، وسحورهم ومواساتهم وإعانتهم على كل خيرٍ وتحمل أذاهم وكف الأذى عنهم وبذل المستطاع لهم من وجوه الإحسان ابتغاء وجه الله وطمعًا في واسع مغفرته وعظيم إحسانه
«من فطر صائماً فله مثل أجره». فاللهم إنا نسألك أن تقبل منا صيامنا، اللهم تقبل صلاتنا، اللهم أعنّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار اللهم اغفر لنا ولوالدينا اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.