- العنوان: فضائل سورة الإخلاص والمعوذتين وتفسيرها
- القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى
- المكان: خطبة جمعة في مسجد السعيدي بالجهراء 8 ذي القعدة 1434هـ
خطبة بعنوان: "فضائل سورة الإخلاص والمعوذتين وتفسيرها"
الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد: فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد –صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أما بعد: عباد الله، لقد أنزل الله في كتابه الكريم سُوراً ليتدبرها الناس، وينتفعوا بما فيها من الآيات والبركات، والشفاء والرحمات، يقول -عز وجل-: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾[الأنعام:92]، وقال –عز وجل-: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾[إبراهيم:1]، وقال –عز وجل-: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾[ص:29]، وقال –عز وجل-: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا﴾[الإسراء:82]. ومما أنزله الله –سبحانه وتعالى- من القرآن ثلاث سور كثيرًا ما نقرأها، لكن قليلًا منا من يفهم معانيها وما تدل عليه، ويعرف فضائلها، وهي سورة الإخلاص، وسورتا الفلق والناس المعوذتان. روى الإمام أحمد –رحمه الله تعالى- عن أبي بن كعب –رضي الله عنه- في سبب نزول سورة الإخلاص أن المشركين قالوا للنبي –صلى الله عليه وسلم-: يا محمد، انسب لنا ربك. فأنزل الله –تعالى-: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾[الإخلاص:1-4]. وسورة الإخلاص هي صفة الرحمن، ومن أسباب محبة الله –تعالى- لقارئها، روى البخاري في صحيحه عن عائشة –رضي الله عنها- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- بعث رجلًا على سرية، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم، فيختم بـ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾، فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي –صلى الله عليه وسلم- فقال: «سلوه: لأي شيء يصنع ذلك؟». فقال: لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها. فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «أخبروه أن الله –تعالى- يحبه». ومن فضائلها أنها تعدل ثلث القرآن، فروى البخاري كذلك عن أبي سعيد –رضي الله عنه- أن رجلًا سمع رجلًا يقرأ: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ يرددها، فلما أصبح جاء إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- فذكر ذلك له، فكأن الرجل يتقالها، فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «والذي نفسي بيده، إنها لتعدل ثلث القرآن». ومن فضائلها مع المعوذتين أنها رقية، ومن أسباب الشفاء، فروى البخاري عن عائشة –رضي الله عنها- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه، ثم نفث فيهما، وقرأ فيهما: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾، و﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾[الفلق:1]، و﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾[الناس:1]، ثم يسمح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات. وأما الأحاديث الواردة في فضل المعوذتين، فمنها ما روى مسلم في صحيحه عن عقبة بن عامر –رضي الله عنه- قال: قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «ألم تر آيات أنزلت هذه الليلة لم ير مثلهن قط، ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾، و﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾». وروى البخاري ومسلم عن عائشة –رضي الله عنها- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذتين وينفث، فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه بالمعوذات، وأمسح بيده عليها رجاء بركتها. وروى النسائي عن عبد الله بن خبيب –رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾، و﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ ما تعوذ الناس بأفضل منهما». وروى أهل السنن عن أبي سعيد –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- كان يتعوذ من أعين الجان وأعين الإنسان، فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما وترك ما سواهما. فهذه -عباد الله- جملة من فضائل هذه السور، تجعلنا نحرص عليها، ونجتهد في قراءتها قراءة فهم وتدبر، لذلك نقف مع تفسير هذه السور الثلاث تفسيرًا موجزًا. فقوله: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ أي قل قولًا جازمًا به، معتقدًا له، عارفًا بمعناه ﴿هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ أي قد انحصرت فيه الأحدية؛ فهو الأحد المنفرد بالكمال، الذي له الأسماء الحسنى، والصفات الكاملة العليا، والأفعال المقدسة، الذي لا نظير له ولا مثيل. ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ أي المقصود في جميع الحوائج؛ فأهل العالم العلوي والسفلي مفتقرون إليه غاية الافتقار، يسألونه حوائجهم، ويرغبون إليه في مهماتهم؛ لأنه الكامل في أوصافه، العليم الذي قد كمل في علمه، الحليم الذي قد كمل في حلمه، الرحيم الذي قد كمل في رحمته، الذي وسعت رحمته كل شيء، وهكذا سائر أوصافه. ومن كماله أنه ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾ لكمال غناه، ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ لا في أسمائه، ولا في أوصافه، ولا في أفعاله –تبارك وتعالى-، فهذه السورة مشتملة على توحيد الأسماء والصفات، وأما سورة الفلق، فقوله: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ أي قل متعوذًا ﴿أَعُوذُ﴾ أي ألجأ وأذود وأعتصم ﴿بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ أي فالق الحب والنوى، وفالق الإصباح. ﴿مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ﴾ وهذا يشمل جميع ما خلق الله من إنس وجن وحيوانات، فيستعاذ بخالقها من الشر الذي فيها. ثم خص بعدما عم فقال: ﴿وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ﴾ أي من شر ما يكون في الليل حتى يغشى الناس، وتنتشر فيه كثير من الأرواح الشريرة والحيوانات المؤذية. ﴿وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ﴾ أي ومن شر السواحر اللاتي يستعنَّ على سحرهن بالنفث في العقد اللاتي يعقدنها على السحر. ﴿وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾ والحاسد هو الذي يحب زوال النعمة عن المحسود، فيسعى في زوالها بما يقدر عليه من الأسباب، فاحتيج إلى الاستعاذة بالله من شره، وإبطال كيده، ويدخل في الحاسد العائن؛ لأنه لا تصدر العين إلا من حاسد شرير الطبع خبيث النفس. فهذه السورة تضمنت الاستعاذة من جميع أنواع الشرور عمومًا وخصوصًا، ودلت على أن السحر له حقيقة، يخشى من ضرره؛ فيستعاذ بالله منه ومن أهله، أعاذنا الله وإياكم من همزات الشياطين، وأن يحضرون. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.الخطبة الثانية
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، أما بعد: عباد الله، وأما سورة الناس، فهذه السورة مشتملة على الاستعاذة برب الناس ومالكهم وإلههم، من الشيطان الذي هو أصل الشرور كلها ومادتها، الذي من فتنته وشره أنه يوسوس في صدور الناس، فيحسن لهم الشر، ويريهم إياه في صورة حسنة، وينشط إرادتهم لفعله، ويقبح لهم الخير، ويثبطهم عنه، ويريهم إياه في صورة غير صورته، وهو دائمًا في هذه الحال، يوسوس ويخنس، أي يتأخر إذا ذكر العبد ربه، واستعان على دفعه، فينبغي له أن يستعيذ ويستعين، ويعتصم بربوبية الله للناس كلهم، وأن الخلق كلهم داخلون تحت الربوبية والملك؛ فكل دابة هو آخذ بناصيتها، وبألوهيته التي خلقهم لأجلها، فلا تتم لهم إلا بدفع شر عدوهم، الذي يريد أن يقتطعهم عنها، ويحول بينهم وبينها، ويريد أن يجعلهم من حزبه؛ ليكونوا من أصحاب السعير. والوسواس كما يكون من الجن، يكون من الإنس؛ ولهذا قال عز وجل: ﴿مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ﴾. والحمد لله رب العالمين أولًا وآخرًا، وظاهرًا وباطنًا، اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من حفظة كتابك الكريم، ومن القارئين له آناء الليل وأطراف النهار، اللهم اجعلنا من العاملين به يا رب العالمين، اللهم ثبت قلوبنا، اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.