فضائل الحوقلة
فضائل الحوقلة
  | 7483   |   طباعة الصفحة


  • العنوان: فضائل الحوقلة
  • الشيخ: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى
  • الألبوم: خطبة جمعة في مسجد السعيدي بالجهراء 30 ربيع الأول 1435هـ

 

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعين ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد.. فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار أما بعد: عباد الله أعلموا أن ذكر الله ودعاءه خير ما أمضيت فيه الأوقات، وصرفت فيه الأنفاس، وأفضل ما تقرب به العبد إلى به سبحانه وتعالى، وهو مفتاحٌ لكل خيرٍ يناله العبد في الدنيا والآخرة، فمتى أعطي هذا المفتاح فقد أراد بهذا العبد خيرًا أن يفتح له، ومتى ما أضله بقى باب الخير مرتجًا دونه، فيبقى مضطرب القلب، مشوش الفؤاد، مشتت الفكر، كثير القلق والهم، ضعيف الهمة والإرادة، أما إن كان محافظًا على ذكر الله -عز وجل- ودعاءه وكثير اللجوء إليه فإن قلبه يكون مطمئنًا بذكر الله ﴿أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾[الرعد:28]. وللذكر عمومًا في السنة فضلٌ عظيمٌ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:  «سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ»  "قيل: وَمَن الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ" قَالَ: «الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ». عباد الله إن من الكلمات التي جاءت النصوص النبوية بتفضيلها وبيان عظم شأنها هي (الحوقلة) وهي قول لا حول ولا قوة إلا بالله. وقد ورد في فضلها كثيرٌ من الأحاديث من ذلك ما جاء عن أبي موسى -رضي الله عنه- قال:" كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي سَفَرٍ، فَكُنَّا إِذَا عَلَوْنَا كَبَّرْنَا، فَقَالَ النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا، تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا» ثُمَّ أَتَى عَلَيَّ وَأَنَا أَقُولُ فِي نَفْسِي: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، فَقَالَ لِي: «يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ، قُلْ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، فَإِنَّهَا كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الجَنَّةِ» أَوْ قَالَ: «أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ هِيَ كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الجَنَّةِ؟ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ »" متفق عليه. وعن حازم بن حرملة -رضي الله عنه- قال: "مررت بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال له: «يا حازم أكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها من كنوز الجنة» رواه ابن ماجه. وعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: "قال لي النبي -صلى الله عليه وسلم-:  « أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الجَنَّةِ؟ لاَ » قلت: بلى يا رسول الله، قال: « لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ »" رواه أحمد وابن ماجه. "عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، أَنَّ أَبَاهُ دَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- يَخْدُمُهُ، قَالَ: فَمَرَّ بِيَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وَقَدْ صَلَّيْتُ فَضَرَبَنِي بِرِجْلِهِ وَقَالَ: «أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ؟» قُلْتُ: بَلَى؟ قَالَ: «لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ»" رواه الترمذي. وصحح هذه الأحاديث الإمام الألباني، فهذه الكلمة كنزٌ من كنوز الجنة، وباب من أبوابها، فأكثروا من ذكرها.  ومن فضائل هذه الكلمة أنها من أسباب قبول العمل، ومن أسباب مغفرة الله تعالى، وعنونٌ للعبد على ما يريد، " عن عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ » (أي: تقلب من الليل) « فَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، أَوْ دَعَا اسْتُجِيبَ لَهُ فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ  » رواه البخاري. "عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بن العاص -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: « مَا عَلَى الأَرْضِ أَحَدٌ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، إِلَّا كُفِّرَتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ»"، وهي كلمةٌ تطرد الشياطين، وتكفي الإنسان شرهم وأذاهم. "وعنْ أنسٍ -رضيَ اللَّهُ عنه- قال : قال : رسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: « مَنْ قَالَ يعنِي إذا خَرَج مِنْ بيْتِهِ : بِسْم اللَّهِ توكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ ، ولا حوْلَ ولا قُوةَ إلاَّ بِاللَّهِ ، يقالُ لهُ هُديتَ وَكُفِيت ووُقِيتَ ، وتنحَّى عنه الشَّيْطَانُ »"، ولا حول ولا قوة إلا بالله تكفر الذنوب، بل هي غراس الجنة، فأكثروا من غراسها حتى تدخلوها. روى الإمام أحْمَد وَالتِّرْمِذِيّ وغيرهم "عَنْ أَبِي أَيُّوبٍ الأنصاري أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ مَرَّ عَلَى إِبْرَاهِيمَ عَلَيه وعلى نَبِيَّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ مُرْ أُمَّتَكَ أَنْ يُكْثِرُوا مِنْ غِرَاسِ الْجَنَّةِ (يقول إبراهيم: " يا محمد مر أمتك أن يكثروا من غراس الجنة" فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-): « وَمَا غِرَاسُ الْجَنَّةِ » قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ". ومن الأمور اللازمة في هذا الباب، والمتأكدة على كل مسلم أن يفهم مدلول هذه الكلمة ومعناها؛ ليكون ذكره لله -عز وجل- بعلمٍ، وفهمٍ وإدراكٍ لمدلولها، أما أن يردد المسلم كلامًا لا يفهم معناه، أو ألفاظًا لا يدرك مدلولها، فهذا عديم التأثير ضعيف الفائدة، ولهذا فإنه لابد على المسلم في هذا الذكر، وفي كل ما يذكر الله سبحانه وتعالى أن يكون عالمًا بمعنى ما يقول، مدركًا لمدلوله إذ بذلك يؤتى الذكر ثماره، وتحقق فائدته، وينتفع به الذاكر.  فمعنى لا حول ولا قوة إلا بالله أي لا تحول للعبد من حالٍ إلى حال، ولا قوة له على ذلك إلا بالله -عز وجل- ولهذا كان المشروع عند سماعنا المؤذن ينادي للصلاة والفلاح أن نقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، وما معنى لا حول ولا قوة إلا بالله؟ معناها للاستعانة كأنك تقول في جواب المؤذن: سمعنا وأطعنا، ولكننا نسأل الله العون على الصلاة والفلاح، فهي كلمة إسلامٍ واستسلام، وتفويض وتبرئ من الحول والقوة إلا بالله، وأن العبد لا يملك من أمره شيئًا، وليس له حيلةٌ في دفع شرٍ، ولا قوة في جلب خير إلا بإرادة الله تعالى، فلا تحول للعبد من معصيةٍ إلى طاعة، ولا من مرضٍ إلى صحة، ولا من وهنٍ إلى قوة، ولا من نقصانٍ إلى كمالٍ وزيادة إلا بالله -عز وجل-، فلا حول ولا قوة إلا بالله، ولا قوة له على القيام بشأنٍ من شؤونه، أو تحقيق هدفٍ من أهدافه، أو غاية من غاياته إلا بالله العظيم، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فأزمة الأمور بيده سبحانه، وأمور الخلائق بقضائه وقدره يصرفها كيف يشاء، ويقضي فيها بما يريد، لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه، فهي كلمةٍ عظيمة تعني الإخلاص لله وحده بالاستعانة. فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في لا حول ولا قوة إلا بالله قال: "لا حول بنا في العمل بالطاعة إلا بالله، ولا قوة لنا على ترك المعصية إلا بالله" فأكثروا عباد الله من ذكر الله، واستعينوا به في أمور دينكم وديناكم فلا حول ولا قوة لنا إلا بالله -عز وجل- أقول ما تسمعون، واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن أتبع هداه أما بعد: عباد الله نسمع كثيرًا من الناس من يخطئ في ذكره لله -عز وجل- بألفاظٍ يقلبها عليه الشيطان، وهو لا يعلم ولا يشعر.  ومن أمثلة ذلك: ما درج على ألسنة بعض الناس من قلب هذه الكلمة لا حول ولا قوة إلا بالله فيقولون: لا حول، أو لا حول لله، فمعنى لا حول، أي: لا تحول ولا قوة فنفاها جميعًا وهذا لغو من القوة ومعنى باطل، ومعنى قولهم: لا حول لله، أي أن الله لا يقدر على تحويل الأمور، ولا قوة له في ذلك تعالى الله وتقدس عن ذلك، وهذا كلامٌ كفري خطير فهي تنقص من حق الله -عز وجل- لكن الناس لا ينتبهون لألفاظهم، فيقولون: لا حول لله، فلا يجوز ذكر هذه الكلمة بهذه الصورة التي يقبلها الشيطان على العبد من كونها كنزًا من كنوز الجنة إلى كلمةٍ كفرية وسب لله -عز وجل- فتنبهوا عباد الله، فلا يقل أحدٌ منكم هذه الكلمة لا حول لله، بل يصححها إلى لا حول ولا قوة إلا بالله، وينكروا على من يسمعه يقول: تلك الكلمة، ويوضح له معناها ويصححها له، فبذلك تتم فائدة هذه الأذكار. اللهم أجعلنا من الذاكرين كثيرًا، اللهم أجعلنا من الشاكرين الطائعين ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، اللهم أغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.