صفات أولي الألباب
صفات أولي الألباب
  | 4201   |   طباعة الصفحة


  • العنوان: صفات أولي الألباب.
  • القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
  • المكان: خطبة جمعة في مسجد السعيدي بالجهراء 15 شوال عام 1436هـ، ونقلت مباشراً على إذاعة موقع ميراث الأنبياء.

   
  • الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد،،، فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار أما بعد،، عباد الله، فإن الله تعالى أنزل كتابه الكريم وبين فيه صفات أهل السعادة والفوز والفلاح،  وبين فيه صفات أهل الشقاوة والخسارة والنار حتى يتفكر العاقل في الصفات الحميدة فيتحلى بها قدر استطاعته ليكون من أهل الجنة, ويتفكر في الصفات الذميمة فينأى بنفسه عنها خوفًا من الله –عز وجل- حتى لا يكون مصيره إلى النار، وفي ذلك يقول الله –عز وجل-: ﴿أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى﴾[الرعد:19] أي؛ أن الناس فريقان فريق يعلم الحق يعلم الكتاب والسنة فيعمل بعلمه ويتقرب إلى الله على نور من الله قد جمع بين العلم النافع والعمل الصالح فهو على الصراط المستقيم. وفريق يعلم الحق لكنه لا يعمل به أو لا يعلم الحق أصلًا فهذان بمنزلة الأعمى الذي لا يهتدِ سبيلا فهل يستوي الفريقان ولا يتقاربا. وإذا كان الفائزون الرابحون السعداء هم الذين جمعوا بين العلم النافع والعمل الصالح كان على كل عاقل لبيب أن يحرص أشد الحرص أن يبحث عن صفات هؤلاء السعداء ليكون واحدًا منهم، ولكن من الذي يتذكر فيها، ويتفكر ويعمل بها؟! إنه لا يفعل ذلك إلا أولوا الألباب ولذا قال الله –عز وجل-: ﴿إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾[الرعد:19]  أي؛ أهل العقول السليمة الناصحة الفاهمة ثم بين صفاتهم التي نالوا بها مراتب العز والرفعة في الدنيا والآخرة فقال –عز وجل-: ﴿الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ﴾[الرعد:20] فالله قد أخذ على عباده العهود والمواثيق أن يعبدوه وحده ولا يشركون به شيئا، وأن يطيعوا رسوله- صلى الله عليه وسلم- ويتبعوه ولا يعصوه ولا يبتدعوا في دينه ما لم يشرعه الله ولا رسوله، فهؤلاء المفلحون الفائزون وفوا بهذا الميثاق فأخلصوا الدين لله وأخلصوا المتابعة للنبي -صلى الله عليه وسلم-. ومن صفاتهم: أنهم ﴿يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ﴾[الرعد:21] فلا يقطعون شيئًا أمرهم الله –عز وجل- به لا فيما يتعلق بحقوقه ولا فيما يتعلق بحقوق خلقه، ومن ذلك أنهم يبرون آباءهم وأمهاتهم، ويحسنون إلى أزواجهم وأولادهم، ويصلون أرحامهم ويحسنوا إلى جيرانهم، يرحمون الفقراء والمساكين وأصحاب الحاجات فيواسونهم بما يستطيعون، يحسنون إلى دوابهم وبهائمهم وما ملكت أيديهم إنما يرحم الله من عباده الرحماء. وهم مع هذه الأعمال الجليلة الفاضلة كما وصفهم الله﴿يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ﴾[الرعد:21] فالسبب الذي حثهم ودفعهم إلى القيام بالواجبات، وترك المنكرات هو خشيتهم من الله –عز وجل-، وخوفهم منه ليقينهم أن الله مطلع عليهم، وتذكرهم الدائم أن ربهم سيحاسب العباد فمن تيسر حسابه وحسن كان من أهل الجنة، ومن ساء حسابه وعسر كان من أهل النار.  ومن كمال علمهم أنهم لم يغتروا بعملهم الصالح، ولا بمواظبتهم على طاعة ربهم، ومجانبتهم معصيته، فهم يطيعون الله ومع ذلك يخافونه ويخشونه ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾[المؤمنون:60].  ولما كانت الرتب الرفيعة لا تنال إلا بالصبر مدحهم الله –عز وجل- بقوله: ﴿وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ﴾[الرعد:22] فالقيام بالطاعات يحتاج إلى الصبر والكف عن المعاصي يحتاج إلى صبرٍ ومثابرة ،والكف عن المعاصي يحتاج إلى الصبر، وأقدار الله المؤلمة تحتاج إلى صبرٍ لذلك هم يستعينون بالصبر على أمورهم الدينية، وأمورهم الدنيوية ولما كان الصبر صفةً مشتركةً تكون في البر والفاجر، والمسلم والكافر قيدها هنا سبحانه بأنهم يصبرون ابتغاء وجه ربهم أي؛ يصبرون لله –عز وجل- يريدون ثوابه، ويخافون عقابه لا يصبرون لأجل أن يمدحهم الناس على الطاعات، ولا من أجل أن ينالوا بها دنيا وعرضًا زائلا. ومن صفات المفلحين الفائزين الرابحين: محافظتهم على الصلاة فيقمونها ويحسنون أداءها فهم يتطهرون لها كما أمرهم الله، ويصلونها في أوقاتها، ويصلونها مع الجماعة إن كان من أهلها حيث يُنادى بها، ويخشعون في صلاتهم، ويحضرون قلوبهم فيها فلا تذهب قلوبهم في أودية الدنيا ومشاغلها ما داموا قائمين بين يدي ربهم. ومن صفات المفلحين الفائزين أولي الألباب: أنهم ينفقون مما رزقهم الله –عز وجل- في السر والعلن، فينفقون على أنفسهم وأهليهم بالمعروف دون إسرافٍ ولا بخل، ويخرجون الزكاة الواجبة المستحقة إلى أهلها. ويتنفلون بنوافل الصدقات سرًا وجهرًا في وجوه البر والخيرات والإحسان. ومن صفاتهم: أنهم أحسن الناس مع من أساء إليهم فيصلون من قطعهم، ويعطون من حرمهم، ويحسنون إلى من أساء إليهم، وإذا كان هذا حالهم مع من أساء إليهم فما ظنك بحالهم وأخلاقهم مع من أحسن إليهم. و في هذه الصفات الثلاث يقول  الله تعالى عنهم: ﴿وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ﴾[الرعد:22]. عباد الله، فإن الله تعالى لما وصف أولي الألباب بتلك الصفات الحميدة أخبر عن عاقبتهم ومآلهم وجزائهم عند ربهم فقال –سبحانه وتعالى-: ﴿أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ﴾[الرعد:22] ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ﴾[الرعد:23] ومعنى عدن أي؛ إقامة فإذا دخلوها لم يخرجوا منها بل هم أصلا لا يبغون عنها حولًا لما يرون فيها من أنواع السرور والحبور والملذات والنعيم. ثم قال –عز وجل-: ﴿يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ﴾[الرعد:23] أي؛ ومن فضل الله عليهم أن يتم عليهم نعمته في الجنة بأن يجمعهم بأهل الإيمان من أحبابهم وأقاربهم فيجمع الآباء والذرية والأزواج. أي؛ إذا ماتوا على التوحيد فدخلوا الجنة أما القريب الكافر والعياذ بالله فهو من أهل النار. ومن إكرام الله –عز وجل- لهم أن يأذن للملائكة فتدخل عليهم وتسلم عليهم وتهنئهم  بما صاروا إليه من الفوز العظيم والنعيم المقيم كما-عز وجل-: ﴿وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ﴾[الرعد:23] ﴿سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾[الرعد:24] يُهنئونهم بالسلامة، والكرامة كرامة الله –عز وجل- لهم، ويقولون: ﴿سَلامٌ عَلَيْكُمْ﴾ أي؛ حلت عليكم السلامة، والتحية من الله، وحصلت لكم، وذلك متضمنٌ لزوال كل مكروه، ومستلزمٌ لحصول كل محبوبٍ﴿بِمَا صَبَرْتُمْ﴾ أي؛ صبركم هو الذي أوصلكم إلى هذه المنازل العالية، والجنات الغالية ﴿فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾ فحقيقٌ عباد الله بمن نصح نفسه، وكان لها عنده قيمة أن يجاهدها لعلها تأخذ من أوصاف أولي الألباب نصيبٍ، لعلها تحظى بهذه الدار ، التي هي منية النفوس، وسرور الأرواح الجامعة لجميع الملذات والأفراح، فلمثلها فليعمل العاملون وفيها فليتنافس المتنافسون. جعلني الله وإياكم من أولي الألباب الذين يستمعون الذكر فيتبعون أحسنه أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
  • الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد،،، عباد الله، لما ذكر الله –عز وجل- حال أهل الجنة جعلني الله وإياكم من أهل الجنة ذكر أهل النار أعاذنا الله وإياكم من النيران ذكر أن أهل النار بعكس ما وصفهم الله به فقال عنهم: ﴿وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ﴾[الرعد:25] أي: من بعد ما أكده عليهم على أيدي رسله، وغلظ عليهم، فلم يقابلوه بالانقياد والتسليم، بل قابلوه بالإعراض والنقص ﴿وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ﴾[الرعد:25] فلم يصلوا ما بينهم وبين ربهم بالإيمان والعمل الصالح، ولا وصلوا الأرحام ولا أدوا الحقوق، بل أفسدوا في الأرض بالكفر والبدع والمعاصي، والصد عن سبيل الله وابتغائها عوجا ﴿أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ﴾[الرعد:25] أي؛ البعد والذم من الله وملائكته وعباده المؤمنين، ﴿وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾[الرعد:25] وهي: الجحيم بما فيها من العذاب الأليم المقيم.  فهذه عباد الله، آياتٌ من سورة الرعد فيها بيان صفات أولي الألباب المفلحين ذكرها لنسير عليها، ونتبعها فنكون من أهلها، وفيها صفات الخاسرين الهالكين التي يجب علينا أن نتباعد عنها، ونحذر منها، ونُحذر عنها فكونوا من أهل العقول السليمة أولى الألباب التي تسير على ما يصلحها، ويدخله جنة النعيم، اللهم اجعلنا من المتقين، ولا تجعلنا من الهالكين الخاسرين، اللهم اغفر لنا ولوالدينا والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار وصلى الله وسلم على نبينا محمد.