- خطبة الجمعة : رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش.
- القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
- المكان: خطبة جمعة في يوم 7 رمضان - عام 1438هـ في مسجد السعيدي بالجهراء. ونقلت مباشراً على إذاعة ميراث الأنبياء.
إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله. أمَّا بعد،،،
فإنَّ أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمّدٍ -صلّى الله عليه وسلَّم-، وشرّ الأُمور مُحدثاتها، وكُلَّ مُحدثة بِدعة، وكُلَّ بِدعة ضلالة، وكُلَّ ضلالة في النّار. أمَّا بعد،،،
عباد الله، اعْلَمُوا أنَّ للصيام آدابًا كثيرةً لا يتمُّ إِلاّ بها، ولا يكْمُلُ إِلاَّ بالقيامِ بها، وهي على قِسمَين:
آدابٌ واجبةٌ لا بُدَّ للصائم من مُراعاتِها والمحافظةِ عليها.
وآداب مستحبةٌ ينبغي أن يُراعيها ويحافظَ عليها.
فمن الآداب الواجبة، أنْ يقوم الصائم بما أوجب الله –عزّ وجلّ- عليه من العبادات القوْليّة والفعليّة، ومن أهمّها الصلاة المفروضة التي هي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، فتجب مراعاتها بالمحافظة عليها والقيام بأرْكانها وواجباتها وشروطها، فيؤديها في وقْتها مع الجماعة في المساجد، فإنّ ذلك من التّقْوى التي منْ أجْلها شُرِع الصيام وفُرِض على الأمَّة، وإضاعة الصلاة مُنافٍ للتَّقْوى وموجبٌ للعقوبةِ. قال سبحانه: ﴿
فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ الصَّلَـوةَ وَاتَّبَعُواْ الشَّهَوَتِ فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً الشَّهَوَتِ فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً (59) إِلاَّ مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَـلِحاً فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً (60)﴾[مريم: 59/60].
ومِنَ الصائمين مَنْ يتهاون بصلاة الجماعة مع وُجوبها عليه. وعن أبي هريرةَ -رضي الله تعالى عنه-: "أنَّ رجُلاً أعْمَى قال: يا رسولَ الله ليس لي قائدٌ يقودنُي إلى المسجدِ. فرخَّصَ له. فلمَّا ولَّى دعاه، وقال:
«هلْ تسمعُ النِّداء بالصلاةِ؟» قال: نَعَمْ، قال:
«فأَجِبْ»، رواه مسلم، وبترك الجماعةِ يَعرِّضُ نفْسَه للعقوبة، ومشابهةِ المنافقينَ، ففي الصحيحين عن أبي هريرةَ -رضي الله عنه-، أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلّم- قال:
«أثْقلُ الصَلَوَاتِ على المنافقين صلاةُ العشاءِ وصلاةُ الفجر، ولو يَعْلَمون ما فيهما لأتَوهُما ولوْ حَبْواً. ولقد هممْت أنْ آمُرَ بالصلاةِ فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلِّي بالناس، ثم أنطلق معي برِجالٍ معهم حِزَمٌ من حطبٍ إلى قوم لا يشهدون الصلاةَ فأحرق عليهم بيوتَهم بالنارِ».
ومن الآداب الواجبةِ: أن يجتِنب الصائمُ جميعَ ما حَرَّمَ الله ورسولُه مِنَ الأقوال والأفعال، فيجتنب الكذب، قال-صلى الله عليه وسلَّم-: «
إيَّاكُم والكذبَ فإنَّ الكَذبَ يَهْدِيْ إلى الفُجُورِ وإنَّ الفجورَ يهدِي إلى النار، ولا يزالُ الرجلُ يكذِب ويتحرَّى الكذبَ حتى يُكتَب عند الله كَذَّاباً»، متفقٌ عليه.
ويجتنبُ الغِيْبَةَ: وهي ذكرك أخاك بما يكره في غيبته، سواءٌ ذكرته بما يكره في خِلْقته، كالأعرج والأعور والأعمى على سبيل العيب والذم، وبما يكره في خُلقِه كالأحمق والسفيه والفاسق ونحوه دون حاجةٍ شرعية، وسواءٌ كان فيه ما تقول، أم لم يكن؛ لأنَّ النبي –صلى الله عليه وسلم- سُئل عن الغِيْبةِ فقال:
«هي ذكْرُك أخاك بما يكْره، قيل: أفَرأيتَ إنْ كان في أخِي ما أقول؟ قال: إنْ كان فيه ما تقولُ فقد اغتبتَه وإنْ لم يكن فيه ما تقول فقد بَهَتَّهُ»، رواه مسلم.
ويجتنبُ النَّمِيْمَةَ: وهي نقْلُ كلامِ شخصٍ في شخصٍ إليهِ؛ ليُفْسدَ بَينهما، وهي من كبائِر الذنوبِ، قال فيها رسولُ الله -صلى الله عليه وسلّم-:
«لا يدخلُ الجَنَّةَ نَمَّام»، متفقٌ عليه، والنميمةُ فَسَادٌ للفرد والمجتمع، وتفريقٌ بينَ المسلمين، وإلقاءٌ للعداوةِ بينهم﴿
وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَّشَّآءِ بِنَمِيمٍ ﴾ [القلم: 10/ 11]، فمن نمَّ إليكَ نمّ فيك فاحذره.
ويجتنبُ الْغِشَّ: في جميع المعاملات، في بيعٍ وإجارةٍ، وصناعةٍ، ورهنٍ، وغيرها، وفي جميع المناصحات والمشاورات، فإنَّ الغشَّ من كبائِر الذنوبِ، وقد تبرأ النبيُّ -صلى الله عليه وسلّم- من فاعِلِه، فقال: عليه الصلاة والسلام-:
«من غَشَّنَا فليس مِنَّا»، وفي لفظٍ:
«من غش فليس مِني»، رواه مسلم.
ويجتنبُ المعازف: وهي آلات اللهو بجميع أنواعها، وتزداد تحريمًا وإثمًا إذا اقترنت بالغناء بأصواتٍ جميلة، وأغانٍ مثيرة قال –سبحانه وتعالى-: ﴿
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِى لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ [لقمان: 6]، وقد صَحَّ عن ابن مسعودٍ –رضي الله تعالى عنه-، أنَّه سُئِلَ عن هذِه الآية، فقال: "والله الذي لا إِلهَ غيرُه هو الغناء".
وصح أيضًا عن ابن عباسٍ وابن عمر، وذكره ابن كثيرٍ عن جابرٍ وعكرمةَ وسعيدِ بن جُبيْرٍ ومجاهِدٍ، وقال الْحَسنُ –رحمه الله-: "نزلتْ هذه الآية في الغناءِ والمزامير". وقد حذَّر النبيُّ -صلى الله عليه وسلّم- من المَعازفِ والموسيقى وغيرها، وقَرَنَها بالزنَا فقال -صلى الله عليه وسلّم-:
«ليكونَنَّ من أمَّتي أقْوَامٌ يستحِلُّونَ الحِرَ» أي: الفروج،
«والحريرَ والخمْر والمعازفَ»، رواه البخاري، فالْحِرُ الفَرْجُ والمراد به: الزِنا، ومعنى يستحلون: أي يفعلونها، ومعنى يستحلون أي: أنهم يرونها حلالًا فيفعلونها بدون مبالاة، وقد وقع هذا في زماننا فكان من الناس من يستعمل هذه المعازف، أو يستمعها كأنها شيءٌ حلالٌ.
وهذا مما نجحَ فيه أعداء الإِسلام بكيدهم للمسلمين، حتى صدوهم عن ذكر الله، ومهام دينهم ودنياهُم، وأصبح كثيرٌ منهم يستمعون إلى ذلك أكْثر مما يستمعونَ إلى قراءةِ القرآنِ، والأحاديثِ، وكلام أهْلِ العلم المُتضمِّنِ لبيانِ أحْكامِ الشريعة وحِكَمها.
بل أصبح هذا الشهر الكريم مرصدًا وموعدًا لأهل الفجور في نشر فجورهم، فتراهم من شهورٍ وهم يعلنون عن المسلسلات، والتمثيليات الفاجرة، التي تشتمل على حرب الفضيلة والدِّين؛ لينشروها في رمضان، فهؤلاء أهل كيدٍ ومكرٍ، يريدون أن يطفئوا نار الله بأفواههم، وللأسف انقاد لهم كثيرٌ من المسلمين، فتراهم في هذا الشهر لا يفارقون التلفاز ويقضون أوقاتهم كلها أمامه يقلبون قنوات الرذيلة والمسلسلات المسمومة، أو إضاعة مواسم الطاعات بمتابعة كثيرٍ من الأشياء التي تفوَّت الأجور والحسنات والأعمال الفاضلات
فاحذورا أيُّها المسلمون نواقص الصومِ ونواقِضهُ، وصُونُوه عن قول الزُّورِ والعملِ به، قال النبي -صلى الله عليه وسلّم-:
«من لم يَدَعْ قولَ الزور والعملَ به والجهلَ فليس لله حاجةٌ في أنْ يَدَع طعامَهَ وشرابَه»، وقال جابرٌ -رضي الله تعالى عنه-: "إذا صمتَ فليصمْ سمعُك وبصرُك ولسانُك عن الكذب والمحارِمِ، ودَع عنك أذَى الجارِ، وليكن عليك وقارٌ وسَكِينةٌ، ولا يكن يومُ صومِك ويومُ فِطْرِك سواءً". أقول ما تسمعون، واستغفر الله العظيم لي ولكن من كل ذنبٍ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
أمَّا بَعْدُ..
عباد الله، أما آداب الصيام المستحبة فكثيرة، فمنها السُّحور، فقد أمر النبي – صلى الله عليه وسلم- به فقال
: «تسحَّروا فإنَّ في السُّحور بركة» متفقٌ عليه. وفي صحيح مسلمٍ عن عمرو بن العاص –رضي الله تعالى عنه-، أنَّ النبي –صلى الله عليه وسلم- قال:
«فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب، أكلة السَحَر»، وأثنى –صلى الله عليه وسلم- على سحور التمر، فقال:
«نِعْمَ سحور المؤمن التمر» رواه أبو داود.
والسُّنَّة تأخير السحور،وتعجيل الفطور، والسُنَّة أن يفطر على رُطَبًا، فإنَّ عُدِم فتمر، فإن عُدِم فماء؛ لقول أنسٍ –رضي الله تعالى عنه-: "كان النبي –صلى الله عليه وسلم-، يفطر قبل أن يصلي على رُطَبات، فإن لم تكن رُطَباتٍ فتمرات، فإن لم تكن تمراتٌ حسا حسواتٍ من ماء".
ومن آداب الصيام المستحبة، كثرة القراءة والذكر والدعاء والصلاة والصدقة، ففي الصحيحين من حديث ابن عباسٍ –رضي الله عنهما- قال: "كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فلرسول الله –صلى الله عليه وسلم- حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة".
وكان جوده –صلى الله عليه وسلم- يجمع أنواع الجود كلها، من بذل العلم والنفس والمال لله –عزَّ وجلَّ- في إظهار دينه وهداية عباده، وإيصال النفع إليهم بكل طريقٍ من تعليم جاهلهم، وقضاء حوائجهم، وإطعام جائعهم، وكان جوده –صلى الله عليه وسلم- يتضاعف في رمضان لشرف وقته، ومضاعفة أجره وإعانة العابدين فيه على عبادتهم، والجمع بين الصيام وإطعام الطعام، وهما من أسباب دخول جنة الرحمن.
ومن آداب الصيام المستحبة، أن يستحضر الصائم نعمة الله –عزَّ وجلَّ- عليه بالصيام، حيث وفقه له، ويسَّره عليه حتى أتم يومه وأكمل شهره، فإن كثيرًا من الناس، حرموا الصيام، إمَّا بموتهم قبل بلوغه، أو بعجزهم عنه، أو بضلالهم وإعراضهم عن القيام به، فليحمد الصائم ربه على نعمة الصيام، التي هي سببٌ لمغفرة الذنوب، وتكفير السيئات، ورفع الدرجات في دار النعيم بجوار الرب الكريم.
عباد الله، تأدبوا بآداب الصيام، وتخلوا عن أسباب الغضب والانتقام، وتحلوا بأوصاف السلف الكرام، فإنه لن يصلح آخر هذه الأمة، إلا ما أصلح أولها من الطاعة واجتناب الآثام.
اللهم إنَّا نسألك القبول، اللهم أعنَّا على ذكرك وشكرك وحُسن عبادك،،﴿
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾[البقرة:201]، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.