- العنوان: خطورة الكذب وصوره
- القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى
- المكان: خطبة جمعة ألقاها 23 جمادى الأخر عام 1437هـ في مسجد السعيدي بالجهراء، ونقلت مباشراً على إذاعة موقع ميراث الأنبياء.
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد،،،
فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار أما بعد،،
عباد الله لقد حث الإسلام على كل خلقٍ نبيل، وحذر من كل خلقٍ ذميم، وإن الكذب من أقبح الأخلاق وأسوئها، وقد كانت العرب تمقته في جاهليتها، وجاء الإسلام فأقر ذم الكذب ونفر عنه، قال -صلى الله عليه وسلم-:
«إن الكذب ليهدي إلى الفجور وإن الفجور ليهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا» متفقٌ عليه. وعد النبي -صلى الله عليه وسلم- بعض خصال المنافق فذكر منها أنه
«إذا حدث كذب» كما في الصحيحين،
«ورأى النبي -صلى الله عليه وسلم- في منامه ورؤيا الأنبياء وحيٌ وحق رجلًا ملقى على قفاه، ورجل قائمٌ عليه بكلوب من حديد وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه -أي يقطع شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل في المرة الأولى وحين سأل عنه قيل له هو الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق» رواه البخاري. عباد الله، إن الكذب هو: الإخبار بخلاف الواقع، وأعظم أنواعه، وأشنعها الكذب على الله تعالى، والكذب على رسوله -صلى الله عليه وسلم- يقول تعالى في تحريم الكذب عليه:
﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾[الأنعام:144]. فدلت هذه الآية على أنه لا أحد أظلم ممن كذب على الله، ودلت على أن الكذب على الله يُفضي إلى إضلال الناس، وانحرافهم عن الحق، والكذب على الله له صورٌ كثيرة منها: أن تقول: قال الله كذا وكذا والله -عز وجل- لم يقله، ومنها أن تفسر كلام الله كذبًا وافتراءً دون علمٍ، ولا بصيرةٍ، وإنما تفسره إتباعًا للهوى بخلاف من اجتهد وهو من أهل الاجتهاد فأخطأ، فالكذب على الله بتحليل ما حرم أو تحريم ما أحل هو من أعظم الآثام وأقبحها يقول -عز وجل-:
﴿وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ﴾[النحل:116]. وذكر الله -عز وجل- المحرمات فختمها بأشدها فقال:
﴿وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾[البقرة:169].
والكذب على الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمره خطيرٌ؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام- في الحديث المتواتر
«من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار»؛ لأن الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كذبٌ على الله، ولأنه يفضي إلى إفساد الدين، وتبديل معالمه بالزيادة أو النقص، فعلى المسلم أن يحذر من رواية الحديث إلا ما علم ثبوته، وليحذر من تفسير حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا بما فسره به أهل العلم من الأئمة المعتبرين، وقد انتشر بين الناس في رسائل الهواتف والشبكات أحاديث كثيرة مكذوبةٌ أو موضوعة فروايتها من غير التنبيه على ضعفها من الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فليتنبه المسلم لذلك، وليسأل عن كل حديثٍ يرد عليه مما يشك فيه، ويلي الكذب على الرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الخطورة الكذب على ورثته من العلماء الربانيين بأن ينسب إليهم من الأقوال والفتاوى ما هم بُرآء منه؛ إما بسبب ضعف الفهم، وإما بسبب الهوى والرغبة في نشر المقالات الباطلة والمذاهب المنحرفة، وأكثر من يقع في هذا أهل البدع والحزبيات، فإن كثيرًا من رؤسائهم لا يتحاشون من الكذب في هذا الباب فضلًا عمن دونهم، ثم يلي هذا الكذب ثم يلي هذا الكذب على الناس في الأحاديث والأخبار التي لا تعلق لها بالدين وهو على مراتب: فمن أشده الكذب الذي يترتب عليه أخذ حقوق الناس وأموالهم أو يترتب عليه ظلمهم في أعراضهم وغير ذلك -والعياذ بالله-، ومنه الكذب في البيوع والمعاملات، فمن الباعة من يصف السلعة بأكثر من صفتها ليرغب فيها المشتري أو يكذب في إخباره برأس مالها الذي اشتراها به ليبين أن ربحه منها قليل أو غير ذلك من صور الكذب، وكل ما كُسب من المال بالكذب والتدليس فهو من المكسب الحرام، ومن المال الحرام -والعياذ بالله- يقول -صلى الله عليه وسلم-:
«إن التجار هم الفجار قيل: يا رسول الله، أليس قد أحل الله البيع؟ قال: بلى ولكنهم يحلفون فيأثمون ويُحدثون فيكذبون» رواه أحمد. وأكثر الدعايات التجارية اليوم قائمةٌ على الكذب؛ لأنها تصور السلع وجودتها وفائدتها بأكثر مما هو في الواقع بكثير، ومن الكذب المحرم: الكذب لأجل إضحاك الناس، وغالب ما يسمى اليوم بالنكات ومن هذا القبيل، يقول -صلى الله عليه وسلم-:
«ويلٌ للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويلٌ له ويل له» رواه أحمد. ينبغي كذلك الحذر من الكذب حتى في ملاعبة الصبيان، فإنه يكتب على صاحبه وقد حذر منه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فعن عبد الله بن عامر -رضي الله عنه- قال: دعتني أمي يومًا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاعدٌ في بيتنا فقالت: ها تعال أعطيك فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
«وما أردتي أن تعطيه؟» قالت: أعطيه تمرًا فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
«أما إنك لو لم تعطيه شيئًا كتبت عليك كذبة» رواه أحمد وأبو داوود. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:
«من قال لصبي تعال هاك ثم لم يعطه فهي كذبة» رواه أبو داوود. ومن الكذب المحرم: التمثيل فإنه يقوم على الكذب، وغالبًا ما يشتمل على محاذير أخرى من الكذب مع الكذب كالتشبه بأهل الكتاب والمشركين، والتشبه بأهل الفجور والعصيان، وتشبه الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل، وكثيرًا ما تصحبه الموسيقى والأغاني أو الأناشيد المحدثة، والتمثيل منكرٌ انتشر في المدارس وغيرها مع أن هذه الصروح كان ينبغي أن تكون أبعد شيءٍ عن الكذب بجميع صوره. عباد الله، إن من الأمور التي انتشرت وللأسف الشديد بين بعض المسلمين ما يسمى بكذبة أول شهر إبريل، وهو هذا اليوم ومن يفعل ذلك فقد شابه الكفار في هذا العيد من أعيادهم، وارتكب الكذب المحرم ولو كان لقصد المزاح، وهو داخلٌ في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-:
«من تشبه بقومٍ فهو منهم» فاتركوا إتباع الكفار، واقتدوا برسولكم الصادق الأمين -صلى الله عليه وسلم-. عباد الله، إن الكذب منشأٌ لكثيرٍ من الأخلاق السيئة ،كالخيانة، والغدر، والفجور، والجبن، والبخل، والكاذب لا يُوثق بوعده إذا وعد، ولا يصدق في خبرٍ إذا أخبر، فالكذب ذلةٍ في الدنيا، ومهانة وإثمٌ، وعذابٌ يوم القيامة، فاحترسوا من الكذب وعليكم بالصدق
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾[التوبة:119]. بارك الله لي ولكم في القرءان العظيم ونفعني وإياكم بما في من الآيات والذكر العظيم أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد: عباد الله، بعض الناس يتساهل في قضية المقالب على أصحابه بحجة الضحك فيأخذ أغراض صاحبه فيخبئها أو يكذب عليه أو يروعه ويخوفه كل ذلك لأجل الضحك عليه، وهذا كله محرمٌ بصريح السنة عن نبينا -صلى الله عليه وسلم-، والكذب حرام سواء كان صاحبه مازحًا أو جادا، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:
«إني لأمزح ولا أقول إلا حقًا» رواه الطبراني. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال
: «قالوا يا رسول الله، إنك تداعبنا قال: إني لا أقول إلا حقا» رواه الترمذي. عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى قال حدثنا أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنهم كانوا يسيرون مع رسول الله -عليه الصلاة والسلام- في مسير فنام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى نبلٍ معه فأخذها أي؛ أخذوا أسهمه وسلاحه فلما استيقظ الرجل فزع فضحك القوم فقال ما يضحككم؟ فقالوا: لا إلا أنا أخذنا نبل هذا ففزع فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
«لا يحل لمسلمٍ أن يروع مسلمًا» رواه أحمد وأبو داوود. وعن عبد الله ابن السائب ابن يزيد عن أبيه عن جده أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:
«لا يأخذ أحدكم متاع أخيه لاعبًا ولا جادًا ومن أخذ عصا أخيه فليردها» رواه أبو داوود والترمذي. عباد الله، قد دلت السنة النبوية على جواز الكذب في مواضع معدودة وعند الحاجة وليس دائمًا، وذلك حيث يترتب عليه من المصلحة أعظم مما فيه من المفسدة وهي الخدعة في الحرب وإصلاح ذات البين وإصلاح الزوجة أو الزوج. عن أم كلثوم -رضي الله عنها- قالت:
«ولم أسمعه يرخص في شيءٍ مما يقول الناس تعني الكذب إلا في ثلاث؛ تعني الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها» رواه مسلم.
وفي الصحيحين عنها أنها قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:
«ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرًا أو يقول خيرًا»، وكلما نأى المرء بنفسه عن الكذب فهو أولى فإن في التورية والمعاريض مندوحةً عن الكذب. عباد الله ،كما يجب على المسلم أن يكون صادقًا في حديثه فيجب أن يكون متثبتًا في نقله للأخبار لاسيما في زمن الأهواء والفتن، وكثرة القيل والقال وخاصةً فيما يتعلق بالولاة والعلماء فقد قال -صلى الله عليه وسلم-:
«كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع» اللهم اجعلنا من الصادقين ولا تجعلنا من الكاذبين اللهم إنا نسألك الصدق في القول والعمل والاعتقاد اللهم إنا نسألك الصدق في القول والعمل والاعتقاد اللهم اجعلنا من الصادقين واحشرنا مع الصادقين اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات وصلى الله وسلم على نبينا محمد.