خطورة الشرك الأصغر
خطورة الشرك الأصغر
  | , 7812   |   طباعة الصفحة


  • العنوان: خطورة الشرك الأصغر .
  • ألقاها : الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
  • المكان: خطبة جمعة في مسجد السعيدي بالجهراء - 10 ذي القعدة 1432.

العنوان: خطورة الشرك الأصغر . الخطبة الأولى   إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد. فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، أما بعد. اعلموا أنه ما عُصي الله بذنب أعظم من الشرك بالله، لأن الشرك تنقّصٌ لمقام الربوبية، ومساواة للمخلوق الضعيف الفقير بالخالق القوي الغني العزيز. ولذلك كان كل ذنب يلقى به العبد ربه لم يتب منه فهو تحت مشيئة الله، إن شاء غفر له و إن شاء عذبه إلا الشرك فإنه لا يُغفر إلا بالتوبة.   يقول الله -سُبْحَانَهُ-:﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾[النساء:48] عباد الله؛ ينقسم الشرك إلى قسمين:
  • شرك أكبر، وصاحبه مُحرمٌ عليه دخول الجنة أبدا. وهو أن يصرف العبد شيءٌ من العبادة لغير الله؛ كأن يدعو الولي أو يستغيث به، أو يطلب منه الولد والغنى والصحة، ومثل الذبح للقبر والضريح والسيد (فلان)، أو للجن لدفع شرهم. فهذا وأمثاله من الشرك الأكبر، وإن صلى صاحبه وصام وحج إلى بيت الله -الحرام-، فإنه يكون خالدًا مخلدًا أبدًا في نار جهنم..
فهؤلاء إن كانوا آمنوا بالله إلا أنهم لم يكفروا بالطاغوت والله يقول: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾[البقرة:256]. والرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: «من قال لا إله إلا الله وكفر بما يُعبد من دون الله؛ دخل الجنة».  
  • والنوع الثاني: من أنواع الشرك وهو الشرك الأصغر، وهو أعظم عند الله من كبائر الفواحش والآثام؛ لأنه لا يغفره إلا إن تاب منه صاحبه، بل لابد أن يبقى جزاؤه وعقابه –نسأل الله السلامة والعافية- لكن صاحبه لا يكون من الخالدين في النار.
  • وتعريف الشرك الأصغر: كل ما أُطلق عليه اسم الشرك وليس بشرك أكبر، أو كل وسيلة إلى الشرك الأكبر وهذا الذي لا يكاد يسلم منه إلا القليل-والعياذ بالله-.
ومظاهره كثيرة في النساء والذكور، ولهذا وجب التحرز منه والتحذير والنهي عنه، وإليكم بعض الأمثلة على ذلك:
  • منها الرياء، وهو أن يعمل العمل الصالح؛ حتى يراه الناس ويمدحوه، ويثنوا عليه وصاحبه متوعدٌ بالوعيد العظيم ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ* الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾[الماعون7:5].
والمراءون أول المعذبين في النار يوم القيامة، فاتقوا الله ونقوا أعمالكم من الرياء فإنه لصٌ خفي، يسرق الأعمال الصالحة الكثيرة من حيث لا تشعرون.
  • وثانيا: تعليق التمائم والودع وربط الخيط والحلقة لأجل دفع الضر من عين ومرض وحسد، بعد نزولها أو للوقاية منها قبل وقوعها.
 ومن هذا: ربط الخرق السوداء على بعض السيارات، أو رسم صورة العين، أو صورة الكف كما يُرى في بعض السيارات، أو تعليق بمجسمٍ برأس حيوان كغزال أو غيره، أو صورته، هذه كلها شركٌ إذا كانت لهذا الغرض. و هذه الأفعال قد تكون شركًا أكبر، وقد تكون شركًا أصغر، فتكون شركًا أكبر إذا اعتقد أنها هي الضارة النافعة بنفسها ولا علاقة لله بها، يقول الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: ﴿قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾[الزمر:38]. ويقول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: »إن الرقى والتمائم والتوله شرك« ويقول  -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: »من تعلق تميمة فقد أشرك«. ورأى رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلاً فِي يَدِهِ حَلْقَةٌ مِنْ صُفْرٍ-أي من نحاس-، فَقَالَ »مَا هَذِهِ؟«. قَالَ: مِنَ الْوَاهِنَةِ.فَقَالَ: »انْزِعْهَا فَإِنَّهَا لاَ تَزِيدُكَ إِلاَّ وَهْنًا،-ثم قال كلمة عظيمة مخيفة - فَإِنَّكَ لَوْ مُتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ مَا أَفْلَحْتَ أَبَدًا«. رأى حذيفة بن اليمان رجلاً في يده خيطٌ، فقام إليه وقطعه وتلا قول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾[يوسف:106]. عباد الله، ينتشر وجود هذه المخالفات الشرعية من لبس الخيط، وتعلق بالحجب، ولبس الحلق. وقد علمتم إنها شركٌ قد تصل إلى الشرك الأكبر، فاتقوا الله وقوموا بواجب الأمر والنهي كلٌ بحسب استطاعته، بارك الله لي ولكم في القرءان العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.   الخطبة الثانية الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، أما بعد: عباد الله.. ومن الأمور التي اعتبرها الشارع شركًا أصغر: الحلف بغير الله، كالحلف بالنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والحلف بالسيد أو بالولي، أو بحياة فلان وعينه ورأسه، أو الحلف بالشرف والعرض، أو الحلف بالأمانة أو الذمة أو غير ذلك، أي أن يكون حلفًا بغير الله، فهذا كله شركًا أصغر، فإن اعتقد أن المحلوف به أعظم من الله، أو مساوي لله فهذا شركٌ أكبر -والعياذ بالله-. يقول -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: »من حلف بغير الله فقد كفر، أو أشرك«. وقال -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: »من كان حالفاً، فليحلف بالله أو ليصمت«. وأرشد النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من حلف بغير الله، أن يقول عقبه (لا إله إلا الله) فهذا كفارته. ومن أنواع الشرك الأصغر نسبة النعم إلى غير الله، كنسبتها لأسبابها،كأن تنسب الشفاء إلى مهارة الطبيب، أو جودة الدواء، أو تنسب النجاة من الحادث إلى مهارة قائد السيارة، أو نسبة المطر إلى نجم كذا أو نوع كذا. يقول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: ﴿يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ﴾[النحل:83]. فإنكارهم لها يكون بنسبتها إلى غيره والله يقول: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّه﴾[النحل:53 ]. وهذا لا ينافي شكر من كان سببًا فيها ومكافئته والدعاء له. ومن أنواع الشرك الأصغر، العطف على الله بالواو في الأفعال ومن أمثلة ذلك:-
  • أنا داخل على الله وعليك، فهذا لا يجوز، بل الصحيح أن تقول أنا داخل على الله ثم عليك، وأحسن منها (أنا داخل على الله وحده)، وأقبح شيء قول الرجل (أنا داخل عليك)؛ لأن الدخول بمعنى العوز والالتجاء وهنا كبعض الألفاظ يجب تنزيه اللسان منها؛ لأنها محرمةُ تنقص التوحيد، أو تنافيه، مثل أن يقول: حرامٌ أن يكون كذا، أو مثل حرامٌ أن يموت فلان أو يصاب فلان، الله لا جابر له ولا موجب عليه -سُبْحَانَهُ-.
  • أو أن نقول عن أحد قد أصابته مصيبة (ما يستاهل)، فهذا لا يجوز، فهو اعتراض على قدر الله وحكمته، ومثل سب الأيام والليالي، أو سب الزمان والريح، ومن الألفاظ المنهي عنها قول بعضهم لبعض(توكلت عليك)، أو (توكلت على الله ثم عليك). فالتوكل عبادةٌ لا يكون إلا لله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، فلا تقول إلا (توكلت على الله وحده) ثم (وكلتك أو أنبتك)، والوكالة غير التوكل.
﴿رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾[الممتحنة:4]. اللهم طهر قلوبنا وألسنتنا من الشرك كله، ظاهره وباطنه، كبيره وصغيره، اللهم إنا نعوذ بك من الإثم، ما ظهر منها وما بطن. يا مقلب القلوب، ثبت قلوبنا على دينك، يا مصرف القلوب، صرف قلوبنا إلى طاعتك.ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، وصل الله وسلم على نبينا محمد.