- العنوان: العشر الأول من ذي الحجة غنيمة العابدين.
- القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
- المكان: خطبة جمعة ألقاها 30 ذو القعدة عام 1437هـ في مسجد السعيدي بالجهراء، ونقلت مباشراً على إذاعة موقع ميراث الأنبياء.
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد،،،
فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار أما بعد،،
عباد الله اتقوا الله –عز وجل- واعلموا أن تقوى الله –سبحانه وتعالى- خير زادٍ يبلغ إلى رضوان الله، يقول –عز وجل-: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ﴾[البقرة:197]
عباد الله، إننا سنعيش أيامًا فاضلة، وأزمنةً شريفة، وموسمًا مباركًا، ووقتًا هو خير وقتٍ ومغنمٍ للعمل الصالح. عباد الله، سيحل علينا من مغرب هذا اليوم، الأيام العشر الأُول من شهر ذي الحجة، وهي أيامٌ مباركات، خصها الله –جل وعلا- بخصائص، وميزها بميزات، وقفةٌ من المؤمن مع خصائص هذه الأيام تجدد النشاط فيه؛ ليقبل بقلبه ونفسه على طاعة الله -جل وعلا-، وحسن العبادة وحسن الإقبال عليه –سبحانه-.
فمن خصائص هذه الأيام: أن الله –جل وعلا- اختارها واصطفاها، وجعلها أفضل أيام السنة على الإطلاق، والله –جل وعلا- ﴿يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ﴾[القصص:68]، فجعل –سبحانه- هذه الأيام الأُول من شهر ذي الحجة خير الأيام وأفضلها، ومن خصائص هذه الأيام وفضائلها: أن الله –تبارك وتعالى- أقسم بها؛ تشريفًا لها، وتعليةً من شأنها، وذلك في قوله –جل وعلا-:﴿وَالْفَجْرِ. وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾[الفجر:1،2] قال ابن عباسٍ وغيره من المفسرين:
"المراد بالعشر في الآية العشر الأول من شهر ذي الحجة".
ومن خصائص هذه الأيام: أنها خير أيام العمل الصالح؛ فما تقرب إلى الله متقربٌ بعبادة أفضل من التقرب إليه –تبارك وتعالى- في هذه الأيام الشريفة الفاضلة، ففي صحيح البخاري عن ابن عباس –رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-:
«مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ» -يعني العشرة الأُول من شهر ذي الحجة-
قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَلاَ الْجِهَادُ في سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلاَ الْجِهَادُ في سَبِيلِ اللَّهِ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيءٍ»
ومن خصائص هذه العشر: أنها أيامٌ تجتمع فيها أمهات الطاعات، ما لا يجتمع في غيرها من أيام السنة، ففي هذه العشر: الصلاة والصيام، والحج والذبح، وغيرها، وغيرها من الطاعات الجليلة، والعبادات العظيمة، ولا يتأتى اجتماع هذه الطاعات؛ إلا في هذا الوقت الشريف الفاضل. ومن خصائصها: أن الله –تبارك وتعالى- جعلها موسمًا لحج بيته الحرام، وجعل فيها أيامه العظام، ففي هذه العشر: يوم التروية: وهو اليوم الثامن من ذي الحجة، وفيه يصعد الناس إلى عرفات من مكة إلى منى ملبين بالحج، وفيها يوم عرفة: وهو خير يومٍ طلعت فيه الشمس، فيها يوم النحر: وهو أعظم الأيام عند الله؛ كما صح بذلك الحديث عن النبي –صلى الله عليه وسلم أنه قال:
«إِنَّ أَعْظَمَ الأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمُ النَّحْرِ»
عباد الله، هذه جملةٌ من الخصائص والفضائل لهذا الموسم العظيم الفاضل فماذا سنقدم فيه أيها المؤمنون؟ فماذا سنقدم في هذه الأيام الفاضلة أحالنا مع هذه الأيام مماثلٌ لحالنا مع أيام السنة؟ أأدركنا عباد الله قيمة هذه الأيام وفضلها ومكانتها؟ أم أنها وبقية أيام السنة سواء.
عباد الله، هل ستتحرك قلوبنا في هذه الأيام توبةً وإنابةً إلى الله –عز وجل- وإقبالًا على طاعته؟ أم هي ساكنة؟ عباد الله، لقد جرت عادة تجار الدنيا ألا يفوتوا المواسم العظيمة، بل يستعدوا لها أتم استعداد؛ بجلب البضائع، وإحضار السلع، وبذل الأوقات، وبذل الجهود العظيمة. وهذا موسمٌ رابحٌ لتجار الآخرة -من أهل الآخرة-، وحسن الإقبال على الله –جل وعلا-، فماذا سيكون حالنا مع هذه الأيام؟
عباد الله يشرع في أيام عشرٍ من ذي الحجة التكبير المطلق وهو في جميع الأوقات من أول دخول شهر ذي الحجة إلى آخر أيام التشريق لقول الله –سبحانه وتعالى-: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ﴾[الحج:28] وهي أيام العشر وقوله –عز وجل-: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾[البقرة:203]وهي أيام التشريق ولقول النبي –صلى الله عليه وسلم:
«وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٌ لِلْهِ عَزَّ وَجَلَّ» رواه مسلم.
وذكر البخاري في صحيحه تعليقًا عن ابن عمر وأبي هريرة –رضي الله عنهما-:
"أنهما كانا يخرجان إلى السوق أيام العشر فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما"، وأما التكبير المقيد: فيكون أدبار الصلوات المفروضة؛ من صلاة الصبح يوم عرفة، إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق. وقد دلَّ على مشروعية ذلك: الإجماع، كما قاله الإمام أحمد –رحمه الله تعالى-، وفعل الصحابة –رضي الله عنهم-
اللهم اجعلنا من الطائعين، وجنبنا ذنوب الهالكين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، أما بعد،،،
عباد الله، مما يشرع للمسلم في هذه العشر المباركات: الصدقات بأنواعها، وبذل الإحسان، وصلة الأرحام، والبر بأبوابه الفسيحة ومجالاته الواسعة. ومن الأعمال الصالحة التي يشرع للمسلم العناية بها في هذه العشر المباركة: أن يتقرب إلى الله –جل وعلا- بنحر أضحيته في يوم النحر، اليوم العاشر من هذه الأيام؛ تقربًا إلى الله؛ وطلبًا لثوابه، فإن الحجاج -حجاج بيت الله الحرام- يتقربون إلى الله في يوم النحر؛ بنحر الهدايا، والمسلمون في البلدان يتقربون إلى الله –جل وعلا- بنحر وذبح الضحايا.
ولأهمية هذه الأضحية وعظم أجرها؛ اختلف العلماء في حكمها: فنص بعضهم على وجوبها، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-، ولكن الصحيح: هو قول جمهور أهل العلم: أنها سنةٌ مؤكدة؛ لا ينبغي على قادرٍ وواجدٍ أن يتركها، وأول وقتها بعد صلاة العيد، وينتهي وقت الأضحية بغروب الشمس من آخر يومٍ من أيام التشريق، وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة. والذي يضحى به بهيمة الأنعام فقط لقوله –تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ﴾[الحج:34].
وبهيمة الأنعام: هي الإبل والبقر، والغنم من ضأنٍ ومعزٍ، وتجزأ الواحدة من الغنم عن الشخص الواحد، ويجزأ سبع البعير أو البقرة عما تجرأ عنه الواحدة من الغنم؛ لحديث جابرٍ –رضي الله عنه- قال:
"نحرنا مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عام الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة" رواه مسلم.
ويشترط بلوغ السن المعتبر شرعًا في الأضحية؛ بأن تكون ثنيًا إن كان من الإبل، أو البقر، أو الماعز، وجزعًا إن كان من الغنم. فالثني من الإبل ما تم له خمس سنين، والثني من البقر ما تم له سنتان، والثني من الماعز ما تم له سنة، والجزع من الغنم ما تم له نصف سنة.
ويشترط كذلك في الأضحية: السلامة من العيوب المانعة من الإجزاء، وهي المذكورة في حديث البراء بن عازبٍ –رضي الله عنه- قال: قام فينا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقال:
«أَرْبَعٌ لاَ تَجُوْزُ فِي الأَضَاحِي -وفي رواية:
«لَا تُجْزِئُ»: الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا، وَالْكَسِيرَةُ الَّتِي لاَ تُنْقِي» أي الهزيلة رواه الخمسة ويستحب في الأضحية تثليثها كما في قول النبي –صلى الله عليه وسلم-:
«كُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا» رواه مسلمٌ من حديث عائشةً –رضي الله عنها-. وقال النبي –صلى الله عليه وسلم-:
«كُلُوا وَأَطْعِمُوْا وَادَّخِرُوا» رواه البخاري من حديث سلمةً بن الأكوع.
عباد الله، قد جاء في صحيح مسلم أن نبينا –صلى الله عليه وسلم- أنه قال:
«إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّىَ فَلاَ يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا» وفي رواية
«إِذَا رأيتم هِلالَ ذِي الْحِجَّةِ وأراد أحدكم أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعرِهِ وأظفاره»
روايةٌ فيها أمرٌ بالإمساك، ورواية فيها النهي عن الأخذ من الشعر ومن الأظافر، والأمر الأصل فيه للوجوب، والنهي الأصل فيه للتحريم. ولهذا -عباد الله- فإن من أراد أن يضحي؛ فعليه إذا دخلت العشر؛ ألا يأخذ من شعره ولا من أظافره شيئًا حتى يضحي، وهذا حكمٌ خاصٌ بمن أراد أن يضحي. أما أهله وأولاده ومن يضحي عنهم: فإنه لا يشملهم ذلك الحكم، وكذلك من كان مُوكلًا بذبح الأضحية، وليس هو صاحبها؛ فإنه لا يشمله النهي ويجوز له الحلق.
ويخطئ من يظن أن ذلك إحرامًا ويسميه إحرامًا؛ بل يجوز له الطيب والجماع وغير ذلك مما يمنع على المحرم. ومن أخذ من المضحي من شعره أو أظفاره؛ فإنه يأثم بذلك، لكن ليس عليه كفارة، ولا يضر ذلك أضحيته، فإن أضحيته مجزأةٌ صحيحة؛ وإنما عليه التوبة والاستغفار.
اللهم تقبل منا إنك أنت السميع واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم. ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾[البقرة:201]، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.