السحر وعلاماتُه وكيفية الوقاية منه
السحر وعلاماتُه وكيفية الوقاية منه
  | ,, 9281   |   طباعة الصفحة


  • خطبة الجمعة : السحر وعلاماتُه وكيفية الوقاية منه.
  • القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
  •  المكان: خطبة جمعة في يوم 25 جمادى الثاني - عام 1438هـ في مسجد السعيدي.

 
  • الخطبة الأولى:
إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله. أمَّا بعد... فإنّ أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمّدٍ -صلّى الله عليه وسلّم-، وشرّ الأُمور مُحدثاتها، وكُلَّ مُحدثة بِدعة، وكُلَّ بِدعة ضلالة، وكُلَّ ضلالة في النّار. أمَّا بعد...  عباد الله، اتقوا الله فإن من اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه. عباد الله، إنَّ من الآثام الخطيرة، والجرائم الكبيرة وعظائم الذنوب: السحر- عافانا الله وإيَّاكُم-، فقد جاء في التهديد على فعله، والوعيد على التعامل به، في نصوصٍ كثيرة، في كتاب الله -عزَّ وجلّ-، وسُنَّة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، والسحر عباد الله، عقدٌ ونفثٌ ورقى، وتعاملٌ مع الشياطين، وتقربٌ إليهم، ثم يترتب على ذلك أضرار كثيرة، فمنه ما يقتل، ومنه ما يُمْرِض، ومنه ما يفرق بين المرء وزوجه، إلى غير ذلك من الأخطار والأضرار، التي لا تقع إلا بإذن الله اختباراً وابتلاءً ، كما قال الله تعالى: ﴿وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾[البقرة: 102]. عباد الله، ولا يكون الإنسان ساحرًا إلاَّ إذا كفر بالله تعالى، ونبذ القرآن وأهانه، وخالفَ الشرع الحكيم، وتقرب للجن والشياطين بالشرك بالله عز وجل، يدل على ذلك قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْر (102) ﴾ [البقرة: 101، 102]. عباد الله، الساحر كافرٌ بالله -جلَّ وعلا-، قال – عزَّ وجلَّ-: ﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ﴾ [البقرة: 102]، والساحر عباد الله لا يُفلح أبدًا، قال سبحانه: ﴿وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى﴾[طه: 69]. والساحر من أعظم المفسدين في الأرض، قال الله تعالى: ﴿قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [يونس: 81]. والسِّحر عباد الله، هدمٌ للبيوت العامرة، وتفكيكٌ للمجتمعات الآمنة، وخلخلةٌ للإيمان، ودمارٌ للأديان، وفسادٌ للمجتمعات، لا يأتي السحر للناس بالخير أبدًا، بل هو أضرارٌ عظيمة, وشرورٌ خطيرة على الأفراد والمجتمعات. والساحر عباد الله، الواجب قتله لإراحة المسلمين منه، وتخليص المجتمع من شرّه، وقد جاء قتل الساحر عن غير واحدٍ من أصحاب النبي -صلى الله وسلم-، وللساحر عباد الله، علاماتٌ ينبغي أن نعلمها؛ لنحذر من كل من كان متصفًا بها، فمن علامات الساحر أنه يسأل من يأتيه عن اسمه، واسم أمّه، ولربما قبل أن يحدثه أخبره باسمه واسم أمه، ومن أين أتى؟ وما هي مشكلته التي يعاني منها؟ ومن علاماته عباد الله: أنه يتمتم بكلماتٍ لا تُفهم، وألفاظٌ مجهولة، ولربما يأتي بطلاسم وعباراتٍ غامضة، أو تجد فيها دعاءٌ لغير الله، أو أن يقول: عندي رقية سريةٌ لا يعلمها أحدٌ، إذا أطهرتها فسدت، ومن علاماته كذلك، أنه يطلب ممن يأتيه، أن يأتيه بملابس خاصة، أو بأجزاءٍ من بدن من يريد أن يُلحق به الضرر، فهذه بعض علامات الساحر. ومن علامات الساحر كذلك، أن يُخبر بأمورٍ غيبية، أو مكان السحر، أو يقول: أغمض عينيك واخبرني من ترى؟ أو أن يقول: عندي قرينٌ من الجن يساعده، وله علاماتٌ كثيرة، فكل من أحدث ريبة فابتعد عنه، واعلم أنه في أمره شكٌ في سحره أو غير ذلك، وعندما يضبط ساحرٌ يوجد دائمًا في حوزته أمثال هذه الأمور، التي ينفث فيها سحرَه، وينفث فيها شرورَه من الحُجُب وغيرها، مما يترتب على وجودها أضرارٌ كثيرةٌ في الأفراد والمجتمعات. ولا يخدعنك بقراءته أحيانًا للقرآن، أو كتابته لآياتٍ من القرآن، فإنه يكتبها بالنجاسات، ويضيف إليها الشركيات من الاستغاثة بغير الله، ودعاء الجن والشياطين. عباد الله، لا يحلُّ أبدًا لمسلمٍ يؤمن بالله -تبارك وتعالى-، ويؤمن باليوم الآخر، أن يأتي ساحرًا، ولو كان مراده بإتيانه أن يَحل السحر الذي أصابه، فحلُّ السحر بسحرٍ مثله محرمٌ شرعًا، لا يجوز إتيان السّاحر بحالٍ من الأحوال؛ بل إنّ من يأتي الساحر هو في الحقيقة بائعٌ لدينه. والساحر عباد الله، لا يقبل ممن يأتيه، إلا أن يتقرب إلى الشياطين بأنواعٍ من القُرب؛ يطلب ممن يأتيه أن يذبح ذبيحةً، أو دجاجةً، أو نحو ذلك، ولا يذكر اسم الله عليها، وربما حدّد له مكانًا معينًا يذبحها فيه، وربما أمره أن يلطخ بدمها مواضع معينة من بيته، أو نحو ذلك، فذلك كله عباد الله، من الشرك بالله –عزَّ وجلَّ-، ومن الأعمال المحرمة في شرع الله، ومما جاء في دين الله –عزَّ وجلَّ- التحذير منه، وبيان وجوب اجتنابه، وفي ذلك يقول -صلى الله عليه وسلم-: «اجتنبوا السبع الموبقات وذكر منهن السحر». عباد الله، في حال ضعف بعض الناس وتوالي الأمراض عليهم، أو نزول بعض المحن في هذه الحالة، حالة الضعف ربما يستسلِمُ بعض الناس، فينقاد إلى ما يقال له، فربما ذهب إلى أشخاصٍ يجهل حقيقة تعامُلِهم، ولربما ذهب إلى أشخاصٍ يتعاملون بالسِّحر، وهو في قرارته يقول: إني في مشكلةٍ عظيمة، وأريد أن أتخلص منها كيف ما كان، أيليق بمسلمٍ أن يُخَلِّصَ نفسه ببيع دينه، وإيمانه، وعقيدته. إنها عباد الله، مصيبةٌ عظمى وبَلِيَّةٌ كبرى، كيف يطيب لامرئٍ مسلم، أن يبيع دينه بزعمٍ خاطئ، وتوهُّم كاذب؟ ألا وهو أن تُحَلَّ مشكلته –عافانا الله وإيَّاكُم- أو أن يذهب مرضه على يد ساحرٍ، وهيهات ذلك أن يكون ذلك عباد الله، فالأمر كله بيد الله، ألا فلنتق الله عزَّ وجلَّ-، ولنراقب الله – سبحانه وتعالى- فيما نأتي ونذر، ولنعلم عباد الله أن شريعتنا شريعةَ الإسلام، عندما حرَّمت السحر حرَّمَتْهُ لما فيه من الأضرار الخطيرة، والمفاسد العظيمة، وفي مقدمتها انهدام الدِّين وفساد العقيدة. نسأل الله -جلَّ وعلا- أن يحفظنا ويحفظ المسلمين بحفظه، وأن يخلصهم من شرور الأشرار، وكيد الفجار، إنه -تبارك وتعالى- سميع الدعاء، وهو أهل الرجاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل.  
  • الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبع هداه. أمَّا بعد..  عباد الله، اتقوا الله تعالى واعلموا أنّ ما شرعه الله لعباده فيه الغنية والكفاية، وقد أعاض الله -تبارك وتعالى- المسلمين عن مثل تلك الأباطيل، وأنواع الأضاليل بالإقبال على الله -جلّ وعلا- بالدعاء، والإلحاح إليه بالسؤال، فعلى من ابتلي بشيءٍ من الأمراض، أو بشيءٍ من السّحر أو نحو ذلك، أن يكون إقباله على الله -جلَّ وعلا- دعاءً وتضرعاً وسؤالاً وإلحاحاً، والله -عزَّ وجلَّ- يقول: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186]. وعليه عباد الله، أن يكون ذا عنايةٍ بتلاوة كتاب الله -عزَّ وجلَّ-، ولا سيما سورة البقرة، وقد جاء في الصحيح عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «اقرؤوا سورة البقرة، فإنّ قراءتها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة»، أي: السّحرة. و قد جاء عنه -عليه الصلاة والسلام-: «أنّ الشياطين لا تدخل بيتًا تُقرأ فيه سورة البقرة»، ومن الآيات العظيمة في هذا الباب قراءة آية الكرسي، لا سيما عباد الله في الصباح والمساء. وقد جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أن من قرأها إذا أصبح لا يزال عليه حافظًا من الله حتى يمسي، وإذا قرأها إذا أمسى لا يزال عليه من الله حافظًا حتى يصبح»، وكذلك قراءتها عند النوم، وقد جاء في الحديث «أنَّ من قرأها إذا أوى إلى فراشه، لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان»، وكذلك عبادَ الله قراءة الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة، وقد جاء في الحديث عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: «أن من قرأهما في ليلته كفتاه»، أي: كفتاه من كلّ شر وسوءٍ وبلاء. ومن الآيات التي ينبغي أن يعتنى بها، قراءة المعوّذتين وسورة الإخلاص في أول النهار ثلاث مرات، وفي آخر النهار ثلاث مرات، ومرةً واحدةً بعد كل صلاة، عن أبي سعيدٍ الخدري –رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يتعوذ من الجان وعين الإنسان، حتى نزلت المعوذتان، فلما أخذ بهما وترك ما سواهما"، وكذلك آية الكرسي تقرأ مرةً أدبار الصلوات، وقد جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم: «أنَّ من حافظ على قراءتها أدبار الصلوات، لم يكن بينه وبين الجنة إلا أن يموت»". وكذلك عباد الله، العناية بأذكار المساء وأذكار الصباح، وأذكار النوم، والأذكار التي تقال أدبار الصلوات. ومن الأمور المهمة عباد الله، المحافظة على الفرائض لا سيما الصلوات الخمس، ولا سيما صلاة الفجر مع الجماعة، وقد جاء في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمّة الله». وكذلك عباد الله، اجتناب المنكرات، والبعد عن المحرمّات، فكل ذلك عباد الله من أسباب السّلامة والحفظ والوقاية بإذن الله، نسأل الله -جلَّ وعلا- أن يوفقنا أجمعين لطاعته، وأن يكلأ الجميع برعايته وعنايته، وأن لا يكلنا إلاّ إليه، فإنه -تبارك وتعالى- سميعٌ مجيبٌ قريبٌ، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.