الآداب الشرعية لكبار السن
الآداب الشرعية لكبار السن
  | 6622   |   طباعة الصفحة


  • العنوان: الآداب الشرعية لكبار السن
  • القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى
  • المكان: خطبة جمعة في مسجد السعيدي بالجهراء 24 ربيع الثاني عام 1436هـ، ونقلت مباشراً على إذاعة موقع ميراث الأنبياء.

   
  • الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد،،، فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار أما بعد،،، اتقوا الله عباد الله، اتقوا الله حق التقوى، كما أمركم بذلك ربكم فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102]. عباد الله، إنَّ من سماحة هذا الدين، ولُطْفِهِ ونُبْلِه وجماله، أن أمرنا بأداء حقوق الأُبُوة وكبار السن، ورعايتهم، وتفريج كُربهم، وتيسير أمورهم، والإحسان إليهم، فهذا البر والخير والإحسان، من أسباب سعة الرزق في الدنيا، وأن يُنْسَأ لك في أجلك، ويُباركَ لك في حياتك، وتزول عنك المُكدرات والهموم والأحزان، وتنأى عنك المصائب والمِحن. وقد جعل الله -تبارك وتعالى- البركة مع كبار السن، إذ روى ابن عباسٍ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «البرَكةُ مع أكًابِركُم». فالكبير سواءً كان أَبًا، أو قريبًا، أو جارًا أو عالمًا، لهم حقوقٌ علينا، جاءت بها الشريعة، جاءت بحفظها ورعايتها والقيام بها، فجاء في الحديث الصحيح، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، من حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ: إِكْرَامُ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ، غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ، وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ» رواه أبو داود. فهؤلاء الثلاثة، إكرامهم من إجلال الله -سبحانه وتعالى-، وإجلاله –سبحانه- أجلُّ المطالب وأنبلُ المقاصد، والتقصير في هذا الواجب، تقصيرٌ في حق الله تعالى. عباد الله، إن من حقوق الكبير التي دعا إليها الإسلام، وأمر بها: أولًا: توقيره، كما جاء في حديث عبد الله بن عباس -رضي الله تعالى عنهما-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ وَيُوَقِّرْ الكَبير، ويَرْحَمْ الصغير، وَيَأْمُرْ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَ عَنِ المُنْكَرِ». وثانيًا: إكرامه، بحُسن الخطاب، وطِيب المعاملة، وجميل التودد، وإلى غير ذلك من صور الإكرام. وثالثًا: أن تبدأه بإلقاء السلام عليه، كما في الحديث: «يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ، الرَّاكِبُ عَلَى الماشي» متفقٌ عليه. فإذا لقيته فبادر بالسلام عليه، بكل أدبٍ واحترام، وبكل توقيرٍ ولُطْفٍ. ورابعًا: إذا حدثت كبيرًا في السن، نادِهِ بألطف عبارة، وأجمل خطاب، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- ينادي عمه أبا طالب، وهو كافر: «يا عم قل لا إله إلا الله، كلمةً أُحَاُج لك بها عند الله». وخامسًا: أن يُقَدَّم في الكلام، ويُقَدَّم في المجلس، ويُقَدَّم في الطعام، ويُقَدَّم في الدخول، فهي من حقوقهم، التي أوصى بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. عن سهل بن أبي حَثْمَةَ -رضي الله تعالى عنه-: "أن مُحَيِّصَةَ أَقْبَلَ هو وأخوه حُوَيِّصَة -وهو أكبر منه- فذهب يتكلم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لمُحَيِّصَة: «كَبِّر،كَبِّرْ -يريد السن-»،  فتكلم حُوَيِّصَةُ ثم تكلم مُحَيِّصَةُ بعده" رواه البخاري. وعن مالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، قَالَ: "كُنْتُ أَمْشِي مَعَ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّف، فَصِرْنَا إِلَى مَضِيقٍ، فَتَقَدَّمَنِي، ثُمَّ قَالَ لِي: لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّكَ أَكْبَرُ مِنِّي بِيَوْمٍ، مَا تَقَدَّمْتُكَ  ." وسادسًا: أن تُراعي وضعه الصحي، والبدني والنفسي، بسبب الكبر وضعفه، إذ تتغير طباعه، وتنفذُ بعض قُواه، ثم يكبر فيصير شيخًا كبيرًا، ضعيف القوى، قليل الحركة، يعجزه الشيء اليسير كما قال -عزَّ وجلَّ-: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً﴾ [الروم:54]. فلا تملَّ من الكبير، ولا تسأم من معاملته، بل احرص على أن ترعاه، حق الرعاية، وأن تُحسِن معاملته، ويتعين على المسلم، إذا وصل أحد والديه إلى مرحلةٍ متقدمة في السن، وزادت طلباتهما، وكثرت احتياجاتهما، أن يصبر عليهما، ويزيد من التلطف معهما، ولا يُظهر كلمة تذمُرٍ أمامهما، كما قال الله -عزَّ وجلَّ-: ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا﴾ [الإسراء:23]. عباد الله، وسابعًا من الحقوق: الدعاءُ لهم، فتدعو لهم بطول العمر، في طاعة الله -عزَّ وجلَّ-، وتدعو لهم بالتوفيق والسداد، وأن يمتعهم الله بالصحة والعافية، ويحسن لهم الخاتمة، وتدعو لهم بأن يكونوا ممن قال النبي -صلى الله عليه وسلم- فيهم، حين سُئِل عن خير الناس، قال: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ،وَحَسُنَ عَمَلُهُ». خصوصا الدعاء للوالدين، فإنه من أعظم ما يلحقهما من الأعمال بعد موتهما، فإذا بررت بهم، ودعوت لهم، كان ذلك سببًا، أن يَبُرك بعدك أبناؤك، ويدعون لك بعد موتك، فكما تدين تُدان. عباد الله، إن كبار السن وذوي الأعمار المديدة، يعيشون مرحلة إقبالٍ على الآخرة، وإحساسٍ بدنوِ الأجل أكثر من غيرهم، فالطاعات لابد أن تزيد، والخير فيهم لابد أن يكثر، والوقار يظهر عليهم. روى ابن أبي الدُنْيَا عن الأصمعي قال: "دخل سليمان بن عبد الملك، المسجد فرأى شيخًا كبيرًا، فدعا به فقال: يا شيخ أتُحِبُ أن تموت. قال: لا. قال: بم؟ قال: ذهب الشباب وشره، وجاء الكِبَر وخيره، فإذا قمت قلت: بسم الله، وإذا قعدت قلت: الحمد لله، فأنا أُحِبُ أن يبقى لي هذا من الدنيا". ألا فليتقِ الله الشباب. بمعرفة حقوق آبائهم، وكبارهم، وحفظ أقدارهم، ومراعاة واجباتهم. ونسأله -سبحانه وتعالى- أن يمتع كبار السن بالصحة والعافية، وأن يرزقهم صلاح الذرية، وحسن العاقبة، وأن يختم لنا ولهم بخيرٍ وإيمان. أقول ما تسمعون، واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
  • الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبع هداه أما بعد،،، عباد الله، إن الشَيْبَةَ التي يشيبها الرجل المسلم، إنما هي حسنةٌ ونورٌ، وإنذارٌ من الله تعالى، فهي حسنةٌ لكل مسلم، كما جاء عن كعب بن مُرَة -رضي الله تعالى عنه- قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي الْإِسْلَامِ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ». وورد عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «الشَّيْبُ نُورُ المُؤْمِن، لَا يَشِيبُ رَجُلٌ شَيْبَةً فِي الإِسْلَامِ، إِلَّا كَانَتْ لَهُ بِكُلِّ شَيْبَةٍ حَسَنَة، رُفِعَ بِهَا دَرَجَة». وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لَا تَنْتِفُوا الشَّيْبَ، فَإِنَّهُ نورٌ يوم القيامة، من شاب شيبةً في الإسلام، كَتب الله له بها حسنة، وحُطّ بها عنه خطيئة، ورُفِع له بها درجة». كما أن الشيب -عباد الله-، تحذيرٌ ونذيرٌ من الله لعباده، ليستعدوا للقاء الله، وأن الله أبقاهم، لمدةٍ يستطيعون فيها مراجعة أعمالهم وأمورهم، والعودة إلى ربهم، فقال تعالى: ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ﴾ [فاطر:37]. يقول ابن عباس: "النذير هنا هو: الشيب". وروى البخاري عن سهل بن سعد -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أَعذَرَ اللَّهُ إِلَى امرِئٍ، أَخَّرَ عُمره، حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً». فأحسنوا أعمالكم، وراقبوا ربكم. كما أنه -عباد الله-، قد جاء النهي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، عن نَتْفِ الشَيْبِ فعن ابن عمر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: «لَا تَنْتِفُوا الشَّيْبَ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَشِيبُ شَيْبَةً فِي الْإِسْلَامِ، إِلَّا كانت له نورًا يوم القيامة». وعن فُضَاَلة بن عُبَيْدٍ -رضي الله عنه-: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي الْإِسلامِ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فقال له رجلٌ عند ذلك: فإن رجالًا ينتفون الشيب؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من شاء فلينتف نوره»". كما يستحب تغيير الشيب، بالحِنَّاء أو الكَتَم، أو اللون الذي يبتعد عن السواد، السواد الخالص، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إنَّ اليهود والنصارى لا يَصْبَغُون فخالفوهم». لكن ينبغي أن يصبغ بغير اللون الأسود، أما السواد فإنه منهيٌ عنه. عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «غَيِّرُوا الشَيْب ولا تُقَرِّبُوهُ السَواد». وعن جابر بن عبد الله قال:أُتِيَ بِأَبِي قُحَافَةَ –والد أبي بكر- يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ كَالثَّغَامَةِ بَيَضًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «غَيِّرُوا هَذَا بِشَيْءٍ وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ». فنسأل الله -عزَّ وجلَّ- أن يحفظ، أن يحفظ الآباء والأمهات، وأن يحفظ الأهلين والذُرِيَّات. اللهم اجزي والدينا عنا خير الجزاء. اللهم ارحمهما كما ربيانا صغيرا. اللهم اختم لنا ولهم، بالعمل الصالح الذي يرضيك عنا. نسأله -عزَّ وجلَّ- بأسمائه الحسنى، وصفاته العُلى أن يبارك في كبار السن، وأن يُعْلي قدرهم، وأن يرزقنا برهم والإحسان إليهم. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات. ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.