اتبعوا ولا تبتدعوا
اتبعوا ولا تبتدعوا
  | , 5160   |   طباعة الصفحة


  • العنوان: اتبعوا ولا تبتدعوا
  • القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى
  • المكان: خطبة جمعة في مسجد السعيدي بالجهراء 24 رجب 1435هـ ونقلت مباشرا على إذاعة موقع ميراث الأنبياء

 
  • الخطبة الأولى:
  إن الحمد لله نحمده، و نستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد،،، فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتُها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار أما بعد،،، عباد الله، فإن الاعتصام بالكتاب والسنة، والتمسك بهما، من أعظم أصول الإسلام، ودعائمه العِظام، الذي من تركه ضلَّ السبيل، وأدي به ذلك إلى الهلاك، فيجب على الأُمة الاعتصام بكتاب ربها، وبسُنةِ نبيها –صلى الله عليه وسلم-، وهو حبله الذي أمر الله –عزَّ وجلَّ- بالتمسك به، و الاعتصام به، و نهي عن ضد ذلك من التفرق، والتنازع، والتشتُت، وقال –سبحانه وتعالى-:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا ﴾ [آل عمران:102/103]، ويقول –عزَّ وجلَّ-:﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [الأنعام:153]، والآيات في هذا المعني كثيرة، وكذلك حثَّ رسولنا –صلى الله عليه وسلم- على الاعتصام، ونهي عن التفرق، فقال كما في حديث أبي هريرة –رضي الله عنه-: «إنّ الله يرضى لكم ثلاثًا، يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا، وأن تُناصِحوا من ولّاهُ الله أمركم» رواه مسلم. وقد أخبر –صلوات الله وسلامه عليه- أنّ الاختلاف والتفرق في الأمة حاصل مع ذمِّهِ له، فأوصاهم وصيةً نافعة جامعة، فقال لهم كما في حديث العِرباض بن سارية -رضي الله عنه- يقول –عليه الصلاة والسلام-: «قد تركتكم على البيضاء ليلُها كنهارِها لا يزيغُ عنها إلا هالك، ومن يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرا فعليكم بسنتي وسنةِ الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضُوا عليها بالنواجِذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كلَ محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلاله» رواه أصحاب السُنن. وفي هذا الحديث فوائدُ عظيمة، ونصائحُ غالية، بيّن فيه –صلى الله عليه وسلم- أن الاختلاف واقعٌ في الأمة، والتفرق حاصلٌ، وأنّ واجبَ العبدِ تجاهه، أن يتمسك بكتاب ربه، وبسنةِ نبيهِ –صلى الله عليه وسلم-، وسنةِ الخلفاء الراشدين، وأن يحذَرَّ من المحدثات في الدين، والابتداع فيه، والبدعةِ وأهلها، عباد الله، من أعظم أسباب افتراق الأُمة، وتشتُتِها هو البدعة وأهلُها، لذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيميه –رحمهُ الله-: "الفُرقةُ مُلازمةٌ للبدعة، كما أن الاجتماع ملازمٌ للسنة". لذلك جاء التأكيد على النهي عنها في هذا الحديث، وفي أحاديث أخرى كثيرة، فعن معاوية بن أبي سُفيان –رضي الله عنهما- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «وستفترقُ أُمتي على ثلاثٍ وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، فقيل ما هي يا رسول الله؟ قال: ما كنتُ عليه أنا اليوم وأصحابي»، وفي لفظٍ «الجماعة». ولما كانت البدع من أعظم أسباب تفرق الأُمة وتشتُتها، جاءت النصوص الكثيرة في التحذير منها، ومن أهلها، واتفق السلف الصالح على التحذير منهما، وقرروا هجر أهلها، ومُنابذتهم، وبُغضهم في الله، واجتنابهم، بل ونقلوا الإجماع على ذلك، فالمُبتدعة والابتداع داءٌ خطيرٌ في الأمة، سبَبَ لها كثيرًا من الفتن والبلاء، وكان مصدرًا لتفريقها وتشتيتها، حتى كانت ثلاثًا وسبعين فرقة، منها واحدةٌ ناجيةٌ فقطٌ، عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: ‹‹سيكون في آخر أُمتي ناسٌ يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم›› رواه مسلم. أي احذروا أهل البدع، وقال –صلى الله عليه وسلم- في حديث عائشة: ‹‹فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، فأُولئك الذين سمى الله فاحذروهم›› متفق عليه. ولهذا اهتم السلف بهذا الأصل العظيم، وهو هجر أهل البدع، أعظمَ اهتمام، وأَولوهُ بالغ العناية، فسيرتهم مليئة بهجر أهل البدع، وإخذائهم، وإذلالهم، علي ضَوء الضوابط الشرعية في ذلك، وإن الناظر إلى الناس طيلة حياة النبي –صلى الله عليه وسلم- وطيلة خلافةِ الشيخين أبي بكر وعُمر فسيجد أنهم مُتبعون لكتاب ربهم، مُكتفون بسنةِ نبيهم، لا تعرفُ البدعُ إليهم طريقًا، ولا التكُلف والتعمُقُ إلى نفوسهم سبيلًا، إلا ما كان من حالات فردية، يُقضى عليها في أولها، ثم بدأت تظهرُ بوادرُ الفتن في آخر عهد عثمان –رضي الله عنه-، ثم ظهرت في خلافةِ عليٍ أولُ فرقتيِن مبتدعتَيِن ضالتَين، فواجههم الصحابةُ والتابعون أشدَّ المواجهة بالسيف واللسان، فحذروا الناس منهم، وتبرؤوا من البدع وأهلها، وهجروهم، ونهروهم، ونابذوهم، حرصًا على إبقاءِ الأُمة صفًا واحدًا، وعلى عقيدةٍ واحدة، وعلمًا منهم أنّ الابتداع والبدع أشدُّ أسباب تفريق الأُمة، فهذا ابن عُمر –رضي الله عنهما- حين سُئِل عن القدرية قال: "فإذا لقيتَ أولئك فأخبرهم أني بريءٌ منهم، وأنهم بُرَآُ مني". ويقول ابن عباس –رضي الله عنهما-: "لا تُجالسوا أهل الأهواء، فإنّ مُجالستهم مُمرضهٌ للقلوب"، ويقول أبو قِلابة: "لا تُجالسوا أهل الأهواء، ولا تُجادلوهم، فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم، أو يُلبِّسوا عليكم ما تعرفون". ويقول الإمام أحمد-رحمه الله-: "أهل البدع ما ينبغي لأحد أن يجالسهم، وأن يُخالطهم، ولا يأنسَ بهم". وسار السلف على ذلك، والآثار في هذا الباب عنهم كثيرة، في التحذير من البدع، والتحذير من أهلها علي حدٍ سواء، لم يقصروا على التحذير من البدع وتركوا أهلها، فإن البدع لا تسيرُ وحدها، فإذا قُمِعَ أهلُها مات ما يحملون من بدعٍ، لذلك كان من الضلال قول من يقول: "حذِّر من البدعة، واترك المُبتدع"، وهذا خطأٌ مخالفٌ لمنهج السلف، فالنبي –صلى الله عليه وسلم- حذرَّ من ذي الخُوَيصِرةَ بعينه وأشار إليه فقال –عليه الصلاة والسلام-: (يخرج من ضِئضِيء هذا أقوامٌ –أي الخوارج- )، ويقول شيخ الإسلام ابن تيميه –رحمه الله-: "فلابد من التحذير من البدع، وإن اقتضى ذلك ذكرهم، وتعيينهم"، وتحذير الأئمة من أهل البدع في أعيانهم كثيرٌ جدًا، حملهم عليه النصيحةُ لله، ولرسوله، وللأُمةِ كافة، وليس ذلك من الغيبةِ المٌحرمة، بل هو أمرٌ واجبٌ شرعيٌ، لذلك يقول أحمد –رحمه الله-: "لا غِيبةَ لأصحاب البدع"، ويقول الإمام ابن أبي زمنين: "ولم يزل أهل السنة يعيبون أهل الأهواء، ويُخوفونَهم، ويُخوِفُون فتنتهم، ويُخبرون بخلاقهم، ولا يَرون ذلك غِيبةً لهم، ولا طعنًا عليهم، بل هذا التحذيرُ، بل هذا التحذيرُ من أهل البدع من الجهاد في سبيل الله"، يقول ابن تيميه -رحمه الله-: "ومثلُ أئمة البدع من أهل المقالات المخالفةِ للكتاب والسنة، أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة، فإن بيان حالهم، وتحذير الأمة منهم واجبٌ باتفاق المسلمين، حتى قيل لأحمد بن حنبل: (الرجل يصوم، ويُصلي، ويعتكف، أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام، وصلى، و اعتكف، فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين، هذا أفضل)، فبيّن أن نفع هذا عامٌ للمسلمين، في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله، إذ تطهيرُ سبيل الله، ودينه، ومنهاجه، وشِرعته، ودفعُ بغي هؤلاء، وعدوانهم على ذلك، واجبٌ على الكفاية، باتفاق المسلمين" انتهى كلامه –رحمه الله-. وهجرُ أهل البدع -عباد الله- على التأبيد حتى يتوبوا، يقول البغوي –رحمه الله-: "وقد مضت الصحابة، والتابعون، وأتباعهم، وعلماء السنة على هذا مُجمعين، مُتفقين، على معاداةِ أهل البدع، ومُهاجرتهم"، وفي قوله نصَّ على بُغضِ أهل البدع، ومقتِهم، وأنهم لا يُحبَون، وإن قيل: "لا يجوز هجر المسلم فوق ثلاث"، فيُجيبُ عن ذلك القرطبي –رحمه الله- بقوله: "وهذا الهُجران الذي ذكرناه هو الذي يكون عن غضبٍ لأمرٍ جائزٍ لا تعلق له بالدين، فأما الهُجران لأجل المعاصي والبدعة فواجبٌ استصحابه، إلى أن يتوب من ذلك، ولا يُختلفُ في هذا". ومن أقوال السلف في مقتِ أهل البدع، والتحذير منهم ،ما قاله الإمام أبو عبد الله بن بطةَ –رحمه الله-يقول: "ولا تُشاور أحدًا من أهل البدع في دينك، ولا ترافقهُ في سفرك، وإن أمكنك ألا تقربهُ في جِوارك، ومن السُنة مُجانبةُ كلُ من اعتقد شيئًا مما ذكرناه من البدع، وهُجرانهُ، والمقتُ له، وهُجرانُ من والاهُ، ونصرهُ، وذبَّ عنه، وصاحبه، وإن كان الفاعل لذلك يُظهرُ السُنة" انتهى كلامه. و في ذلك إشارة إلى أن المرء قد يُظهرُ السُنة، ويظُنُ نفسهُ من أهلها، وهو يُصاحبُ أهل البدع، ويُجالسهُم، فالمرءُ بقرينه، ويُعرفُ الشخصُ بجليسه، يقول ابن مسعود –رضي الله عنه-: "إنما يُماشي الرجل، ويُصاحبُ من يُحبه، ومن هو مثله"، ويقول الأوزاعي –رحمه الله تعالي-: "من ستر علينا بدعته،لم تخفي علينا أُلفته"، ويقول محمد بن عُبيد: "يتكاتمُ أهل الأهواء كل شيءٍ إلا التآلُفَ والصُحبة". ومن منهج أهل السُنة عند التحذير من أهل البدع ألا يذكروا محاسنهم، بل يقتصروا في النقد على ذكر ما لديهم من مساوِئَ وبدع، ليحذَرَها الناس، وهذا هو عين الإنصاف؛ لأن الحال يقتضي التحذير، فلا تذكرُ سوى المساوئ، لذلك يقول رافع بن أشرس –رحمه الله تعالي-: "من عقوبة المُبتدعة ألا تُذكرَ محاسنهم، فإذا ذكر أحدٌ محاسنهم في باب النقد والتحذير فهو داعيٍ لهم، كما قال ذلك العلماء". عباد الله، إنّ خطر البدع وأهلها عظيم على الإسلام، والمسلمين، وسبب كبير لتفريق الأُمةِ، وتشتيتها، ولا زال أهل البدع موجودين، وفرقهم كثيرة، ومعلومة للعارفين، ومن قصرها على الفرق القديمة فهو من الجاهلين، بل هي تتعدد، وتتغير أسماؤها وأشكالُها، فينبغي –عباد الله- الحذر والتحذير منهم، فهم خطرٌ على شبابِنا وأبنائِنا. اللهم ثبتنا علي السُنة حتى نلقاك، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.  
  • الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، ومن اتبع هداهُ أمّا بعد،،، عباد الله، إن التآلُفَ والاجتماع لا يُفيد ولا يكونُ نافعًا إلا إذا كان على كتاب الله، وسُنة النبي –صلى الله عليه وسلم- بفهم سلف الأُمة من الصحابة والتابعين، يقول الإمام مالك –رحمه الله-: "لن يُصلح آخر هذه الأُمة إلا ما أصلح أولها". فيجب أن تكون القاعدة في الولاء و البراء هو كتاب الله، وسُنة النبي –صلى الله عليه وسلم- فمن كان من أهل السُنة واليناهُ وأحببناه، ومن كان من أهل البدعة تبرأنا منه وبغضناه، أما الاجتماع على غير ذلك من غير التفات إلى عقيدة، إلى عقيدةٍ ومنهجٍ فهو اجتماعٌ بدعيٌ على غير سنة، بل هو تكتُلٌ حسبيٌ لمصلحةٍ يريدون بها الوصول إلي مرادهم من أُمور الدنيا. عباد الله، إنّ المُبتدع يُريدُ أن يُفرق المسلمين عن صراط الله، وعن سبيله الواحد إلى سُبُل البدع المختلفة؛ لأن البدع لا تقف عند حدٍ، ولا تنتهي إلى غاية، كما صوَّر النبي –صلى الله عليه وسلم- ذلك حينما خَطّ بيده خطًا وقال:« هذا سبيل الله مستقيما، وخط خطوطًا عن يمينه، وشماله، ثم قال: هذه السُبل ليس منها سبيلٌ إلا عليه شيطانٌ يدعو إليه، ثم قرأ ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾ [الأنعام:153] ». وهو دليلٌ واضحٌ على أن البدع تُفرقُ المسلمين. اللهم إنا نعوذ بك من الشرك، والنفاق، والخداع، والفسوق، اللهم ثبتنا على دينك، اللهم ثبتنا على دينك، يا مُقلِبَ القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم إنا نسألُك حُسنَ الختام، اللهم توفنا على لا إله إلا الله، اللهم اغفر لنا، ولوالدينا، وللمؤمنين، والمؤمنات، الأحياء منهم ، والأموات، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.