- العنوان: آخر العام الهجري وقفات وعبر
- القاها: الشيخ الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى
- المكان: خطبة جمعة ألقاها 25 ذو الحجة عام 1436هـ في مسجد السعيدي بالجهراء، ونقلت مباشراً على إذاعة موقع ميراث الأنبياء.
الخطبة الأولى: إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد،،، فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار أما بعد،،، عباد الله، اتقوا الله تعالى بامتثالكم لأوامره، واجتنابكم لمناهيه، توددوا إليه بالإكثار من الأعمال الصالحات، والمسارعة إلى الطاعات، ولوذوا بجنابه متذللين منكسرين، تنالوا مغفرته ورحمته. وتبصَّروا في هذه الأيام، والشهور والأعوام، وكيف تصرَّمت يومًا بعد يوم، وأسبوعًا بعد أسبوع، وشهرًا بعد شهرٍ، وعامًا بعد عام، ونحن في غفلةٍ كبيرةٍ عن الآخرة، فاتقوا الله تعالى بالمبادرة إلى الأعمال الصالحات المُنْجِيَات، واستدركوا عمرًا ضيعتم أوله، فلا تخرموا بالسيئات ما بقي منه. فرحِم الله عبدًا اغتنم أيام الشباب والقوة، وأوقات الصحة والفراغ، فأسرع بالتوبة والإنابة، قبل طي الكتاب، وأكثرَ من الطاعات عند دنو، عند دنوِ الأجل وقبله، قبل أن يتمنى ساعةً من ساعات العمر، والحياة؛ ليستدرك ما قصَّر فيه، أو يزداد ليترقى في النعيم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [الحشر:18-19] عباد الله، إنكم داخلون بعد أيامٍ قليلة، في أحد الأشهر الأربعةِ الحُرُم، ألا وهو: شهر الله المُحرَّم، الذي شرفه الله وفضله، وأضافه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الله وعظَّمه. فاستدركوا فيه ما وقع من تقصيرٍ، فيما مضى من العمر، بالإكثار من الصيام فيه، فقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «أفضل الصيام بعد شهر رمضان، صيام شهر الله المُحرَّم». بل إنَّ صيام يوم العاشر منه، يُكَفِّرُ ذنوب سنة كاملة، فقد صح عنه -صلى الله عليه وسلم أنه- قال: «وصيامُ عاشوراء، أحتسبُ على الله، أن يُكَفِّىَ السنة التي قبله». واحذروا أن تظلموا أنفسكم، في هذا الشهر وبقية الأشهر الأربعة الحُرم بالسيئات والخطايا، فإن الله -جلَّ شأنه- قد زجركم ونهاكم عن ذلك، فقال -سبحانه وتعالى-: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ [التوبة:36] وقد ثبت عن قتادة -رحمه الله تعالى- أنه قال: "إنَّ الظُلم في الشهر الحرام، أعظمُ خطيئةً و وزرًا، من الظلم فيما سواه". عباد الله، لم يكن التاريخُ السنوي الهجري، معمولا به في أول الإسلام، حتى كانت خلافة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، واتسعت رقعة الإسلام، واحتاج الناس إلى التأريخ، في أُعطياتهم وغيرها، ففي السنة الثالثة أو الرابعة من خلافته -رضي الله تعالى عنه-، كتب إليه أبو موسى الأشعري -رضي الله تعالى عنه-: "أنه يأتينا منك كتبٌ ليس لها تأريخٌ". فجمع عمر الصحابة -رضي الله عنهم- فاستشارهم فأستقر رأيهم، أنه من هجرته -صلى الله عليه وسلم-، فقال عمر -رضي الله عنه-: "الهجرةُ فرَّقت بين الحق والباطل، فأرِّخوا بها"، فأرَّخوا من الهجرة، واتفقوا على ذلك، ثم تشاوروا من أي شهرٍ يكون ابتداء السنة؟ فأختار عمر، وعثمانُ وعليٌ -رضي الله عنهم- أن يكون من الشهر المُحرَّم؛ لأنه شهرٌ حرامٌ، يلي شهر ذي الحجة، الذي يؤدي المسلمون فيه حجهم، الذي به تمام أركان دينهم، والذي كانت فيه بيعةُ الأنصار للنبي -صلى الله عليه وسلم-، والعزيمةُ على الجهاد، فكان ابتداء السنة الإسلامية الهجرية، من الشهر المُحرَّم الحرام؛ لذلك ينبغي على المسلم أن يعتزَّ بتاريخه الهجري، وأن يعرفه ويكتبه. عباد الله، هناك جملةٌ من المحرمات، والمحدثات التي تقع عند الناس، عند قرب دخول العام الهجري الجديد، أو حلوله. ومن هذه المحرمات: الاحتفال في المساجد أو البيوت، أو الاستراحات أو الطرقات أو المدارس أو غيرها من الأماكن، بذكرى هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، من مكة إلى المدينة، كما يشاهد الناس في القنوات، والمحتفل بهذه الذكرى، لا يصير في احتفاله هذا، على هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بل هو مشاقٌ له مخالف؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- لم يحتفل، ولا حثَّ أُمتهُ ولا دعاهم إلى ذلك، ولا فعله الصحابة والسلف الصالح. واعلموا -سددكم الله- أن المحتفل بهذه الذكرى، متشبهٌ بصِنفين من الناس. الصِنف الأول: أهل الكفر بجميع مللهم، فهم قد جرت عادتهم، على الاحتفال بالحوادث، ووقائع الأيام، وتغيرات الأحوال. والصِنف الثاني: أهل الضلال والانحراف، من الباطنية وأضرابهم فهم من أحدثَّ هذا الاحتفال وغيره، من الاحتفالات في بلاد المسلمين، قد ذكر الفقيه الشافعي المؤرخ، المشهور بالمقريزي -رحمه الله تعال- في كتابه (الخِطط): "أن الاحتفال برأس السنة الهجرية، كان من جملة احتفالات الدولية العبدية الباطنية الإسماعيلية الرافضية، الخارجية التي استولت على بلاد المغرب ومصر، وفعلت بعلمائها ومؤذنيها وسكانها من الجرائم، ما لا يكاد يوصف، بل قال عنهم مؤرخ المسلمين شمس الدين الذهبي -رحمه الله تعالى-: "إنهم قَلَبُوا الإسلام، وأعلنوا الرفض، وأبطنوا مذهب الإسماعيلية"، ثم نقل عن القاضي عياض -رحمه الله تعالى- من المالكية أنه قال في شأنهم: "أجمع العلماء بالقيروان، أن حال بني عُبَيْدٍ حال المرتدين والزنادقة". ولا ريب أن التشبه بهاذين الصنفين، شرٌ على فاعله، وخسارةٌ وبلاء، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «من تشبه بقوٍم، فهو منهم» ثم إن هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة، لمن له عقلٌ وإدراكٌ، لم تكن في شهر الله المحرم، ولا في أول يوم منه، وإنما كانت في شهر ربيع الأول ،كما ذكر أهل السِيَّر، والذي وقع من الصحابة، إنما هو تحديد السنين الإسلامية، بسنة الهجرة بجعلها أول السنين، وليس التحديد بيوم الهجرة، وأنه هو أول أيام السنة. ومن المحرمات كذلك: تخصيص آخر جمعةٍ من العام، بمزيد من العبادات والطاعات، وتخصيصها بدعاء، يُسمى دعاء آخر العام، أو دعاء أول السنة، يُدعى به في آخر سجدة، أو بعد الركوع من آخر صلاة في العام، أو أول صلاة في العام الجديد، وقد يُدْعَى بهذا الدعاء في أماكن الاحتفال بذكرى الهجرة، أو يتناقله الجاهلون، بأحكام الشريعة عبر رسائل الهاتف أو مواقع الإنترنت، ولا ريب، في حرمة هذا التخصيص، إذ لم يأت له ذكرٌ، لا في كتاب الله، ولا في سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولم يفعله أهل القرون المفضَّلة الأولى، فلو كان هذا الأمر جائزًا، لكان الصحابة من أوائل من يفعله، ومن السابقين إليه والناشرين والداعين له. أقول ما تسمعون، واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبع هداه أما بعد،،، عباد الله، ينتشر في هذه الأيام، عبارات مثل: "احرص على أن تطوي صحيفة أعمالك آخر السنة باستغفارٍ، وتوبةٍ وعملٍ صالحٍ أو صلاة أو غير ذلك"، وهذه الرسائل وأمثالها، مما يحرُم على المسلم أو المسلمة، إرسالها وتناقلها ونشرها بين الناس، وذلك لأمور: منها: أن فيها دعوة الناس إلى تخصيص آخر العام بشيءٍ من العبادات، وتخصيصُ آخره بعبادةٍ، لم يأت لا في القرآن ولا في السنة؛ فعلى هذا يكون من البدع المحرمة، وتكون هذه الرسالة، دعوةٌ إلى إحياء البدع ونشرها بين الناس. وكذلك: أن القول، بأن صحائف الأعمال تطوى في آخر كل عام، قولٌ يحتاج من صاحبه إلى دليل؛ لأن طي الكتاب من الأمور الغيبية، فأين دليلُ مرسل هذه الرسالة على هذا الطي؟! ثم يسارعُ ويسابق إلى إرسالها ونشرها، من غير تروٍ ولا مراجعةٍ ولا خوفٍ من الله ومراقبة، ثم إن التاريخ لم يوضع إلا في عهد عمر -رضي الله عنه-، فيا تُري متى كانت تطوى صحائف أعمال من كان قبل وضعه؟! وكذلك: أن المقرر عند أهل العلم، أن صحائف أعمال العبد، إنما تطوى بالموت، ولا تزال صحيفته، يكتب فيها ما عمل من خيرٍ أو شر، حتى ينتهي أجله. فاحذروا -عباد الله-، من مثل هذه الرسائل، وغيرها من الرسائل، وتأكد قبل أن ترسل أي رسالة، فقد تكون ممن ينشر بدعة، من حيث لا تشعر. اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، واجعل أعمالنا يا ربنا في رضاك. ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.