فضائل العشرة المبشرين بالجنة
فضائل العشرة المبشرين بالجنة
  | 4428   |   طباعة الصفحة


  • خطبة بعنوان: فضائل العشرة المبشرين بالجنة.
  • ألقاها الشيخ الدكتور: خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى.
  • المكان: خطبة في يوم 2 ربيع الأول 1443هـ في مسجد السعدي بالجهرا.

 
  • الخطبة الأولى:
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].
  • أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كَلَامُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُها، وكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
  • عباد الله:
لَقَدْ بَعَثَ اللهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم  فِي خَيْرِ القُرُونِ، وَاخْتَارَ لَهُ مِنَ الأَصْحَابِ أَكْمَلَ النَّاسِ عُقُولًا، وَأَقْوَمَهُمْ دِينًا، وَأَغْزَرَهُمْ عِلْمًا، وَأَشْجَعَهُمْ قُلُوبًا، جَاهَدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ، فَأَقَامَ اللهُ بِهِمُ الدِّينَ، وَأَظْهَرَهُمْ عَلَى جَمِيعِ العَالَمِينَ. عن ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم  خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ، ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ، يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ، فَمَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ، وَمَا رَأَوْا سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ سَيِّئٌ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ]. لَقَدْ أَثْنَى اللهُ العَزِيزُ الْحَكِيمُ عَلَى الصَّحَابَةِ الكِرَامِ، وَأَشَادَ بِمَكَانَتِهِمْ وَمَنْزِلَتِهِمْ بَيْنَ الأَنَامِ، فِي كِتَابِهِ الَّذِي لَا يَأْتِيهُ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ في آيات كثيرة ومنها قوله تَعَالَى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة:100].
  • عباد الله:
ومن هؤلاء الصحابة الأخيار بل هم أفضل الصحابة على الإطلاق: العشرة المبشرون بالجنة، وقد ورد في فضلهم على العموم والخصوص الكثيرُ من الأحاديث النبوية، وسمّوا بذلك لكونهم وردوا في حديث واحد بشروا به جميعا بالجنة، وإلا فالمبشرون بالجنة من الصحابة كثير، بل الصحابة كلهم في الجنة، فعن عبدالرحمن بن عوف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة) [رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني]، وعن سعيد بن زيد أيضا بلفظ: ((عشرة في الجنة: النبي في الجنة، وأبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير بن العوام في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة)) [رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني]. فما أعظم هذه البشرى، وما أكرم هؤلاء عند الله تعالى.
  • عباد الله:
فأولهم ذكرا وأعظمهم فضلا وأعلاهم قدرا بإجماع المسلمين هو أبو بكر الصديق عبدالله بن عثمان، أول من أسلم من الرجال، صاحب رسول الله قبل الهجرة وبعدها، ورفيقه وصاحبه في الغار، قَالَ تَعَالَى: (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)، وَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ: (يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا) [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم فِي فَضْلِهِ: «إنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي مَالِهِ وَصُحْبَتِهِ أَبُو بَكرٍ، ولَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكرٍ خَلِيلًا، ولَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلَامِ، لَا تُبْقَيَنَّ فِي المَسْجِدِ خَوْخَةٌ إِلَّا خَوْخَةَ أَبِي بَكْرٍ» [رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ]. وَيَلِيهِ فِي الفَضْلِ: الفَارُوقُ عُمَرُ رضي الله عنه، شَهِدَ لَهُ صلى الله عليه وسلم ِبالْعِلْمِ وَالدِّينِ، وَأَنَّهُ مَا سَلَكَ فَجًّا إِلَّا سَلَكَ الشَّيْطَانُ فَجًّا غَيْرَهُ، وَهُوَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ رَفِيقَا رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الحَيَاةِ وَدُفِنَا بِجِوَارِهِ، رَوَى البُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: «وُضِعَ عُمَرُ عَلَى سَرِيرِهِ، فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ يَدْعُونَ وَيُصَلُّونَ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ وَأَنَا فِيهِمْ، فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا رَجُلٌ آخِـذٌ مَنْكِبِي، فَــإِذَا عَلِـيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَتَرَحَّمَ عَلَى عُمَرَ وَقَالَ: مَا خَلَّفْتَ أَحَدًا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ، وَحَسِبْتُ إِنِّي كُنْتُ كَثِيرًا أَسْمَعُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ذَهَبْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ». فَكَانَ عَلِيٌّ رضي الله عنه يَعْرِفُ لَهُمَا فَضْلَهُمَا وَتَقَدُّمَهُمَا، وَكَانَ يَقُولُ: «لَا يُفَضِّلُنِي أَحَدٌ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعَمَرَ إِلَّا جَلَدْتُهُ حَدَّ المُفْتَرِي». وَيَلِيهِ ذُو النُّورَيْنِ شَهِيدُ الدَّارِ: عُثمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه الَّذِي تَسْتَحْيِـي مِنْهُ المَلَائِكَةُ، فَقَدْ شَهِدَ لَهُ صلى الله عليه وسلم بِالشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وزوجه رسول الله ابنتيه، وَيَلِيهِ ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللهِ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ  رضي الله عنه وَصِهْرُهُ عَلَى ابْنَتِهِ فَاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِسَاءِ المُؤْمِنِينَ وَأَبُو رَيْحَانَتَيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الدُّنْيَا: الْحَسَنِ وَالحُسَيْنِ، شَهِدَ لَهُ شَهَادَةً مُعَيَّنَةً بِأَنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَأَنَّهُ يُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ. وَيَلِيهِمْ بَقِيَّةُ العَشَرَةِ المُبَشَّرِينَ بِالجَنَّةِ، وَهَكَذَا بَقِيَّةُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَآلِ بَيْتِهِ وَأَزْوَاجِهِ لَهُمُ المَنَاقِبُ الجَمَّةُ وَالفَضَائِلُ الكَثِيرَةُ. أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
  • الخطبة الثانية
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي أَرْسَلَهُ رَبُّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ.
  • أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ –عِبَادَ اللهِ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.
  • عباد الله:
ومن العشرة المبشرين بالجنة: الزبير بن العوام، حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته صفية. أسلم وهو ابن خمس عشرة سنة وقيل ابن اثنتي عشرة سنة وهو من السبعة السابقين إلى الإسلام. ومنهم: سعد بن أبي وقاص من أوائل المسلمين، أسلم وسنُّه سبع عشرة سنة، وهو أول من أراق دما في سبيل الله، وأول من رمى بسهم في سبيل الله وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ارم فداك أبي وأمي)، ومنهم: أبو عبيدة عامر بن الجراح، من السابقين الأولين إلى الإسلام، وهو أمين هذه الأمة، ومنهم: طلحة الخير بن عبيد الله، من السابقين إلى الإسلام، وممن عذبوا في الله عذابا شديدا، وأبلى بلاء عظيما في أحد وحمى رسول الله حتى قطعت يده، ومنهم: عبد الرحمن بن عوف، أحد الثمانية السابقين إلى الإسلام، هاجر الهجرتين وشهد المشاهد كلها، وعاشرهم: سعيد بن زيد، من خيار الصحابة ابن عم عمر بن الخطاب وزوج أخته أم جميل، ومن السابقين للإسلام هو وزوجته، شهد أحداً وما بعده من المشاهد كلها.
  • عباد الله:
إِنَّ صَحَابَةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كُلُّهُمْ عُدُولٌ خِيَارٌ، وَهُمْ بِمَجْمُوعِهِمْ وَأَفْرَادِهِمْ خَيْرٌ مِمَّنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ يَتَفَاوَتُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ بِالفَضْلِ وَالمَكَانَةِ، فلهم منّا المحبة والولاء، والترضي والدعاء، لا نذكره إلا بالجميل ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل، وَحُبُّهُم دِينٌ وإيمَانٌ وإحْسَانٌ، وَبُغْضُهُم كُفْرٌ ونِفَاقٌ وطُغْيَانٌ.